مضى نحو شهر ونصف على التطورات التي لحقت احداث السادس عشر من تشرين الاول (اكتوبر) الماضي دون تقدم يذكر في ملف المفاوضات المزعومة بين بغداد واربيل، ورغم الدعوات المحلية والاقليمية والدولية المتكررة التي ما انفكتتطالب الجانبين ببذل كل ما في وسعهما للجنوح الى التواصل والجلوس على طاولة الحوار، الا ان الافق لايزال ملبدا والغموض يخيم على المشهد وسط لجوء الجانبين الى حرب سياسية خفية.
ومن الملاحض ان الدعم الاقليمي والدولي الذي حظيت به الحكومة الاتحادية في موقفها المعادي للاستفتاء الكوردي الذي جرى في الخامس والعشرين من ايلول (سبتمبر) الماضي لم يكتمل بـ "فرض السلطة الاتحادية" على جميع المناطق التي كانت تعتزم الوصول اليها وان كانت قد حققت الجزء الاكبر من نواياها في السيطرة على حقول النفط في كثير من المناطق المتنازع عليها، كما لم تسعف الدعم الدولي المتأخر ولاسيما الامريكي والاممي لحكومة الاقليم بعد تنحي مسعود بارزاني رئيس الاقليم كوردستان وتوزيع صلاحياته لم تسعف اربيل في المضي قدما والدخول في مفاوضات تحفظ ماء الوجه وتعيد بعضا من المكتسبات التي خسرتها بين ليلة وضحاها بعيد الاستفتاء.
المعطيات على الارض تشير الى تباطوء وتلكوء مقصود من كلا الجانبين فيما يتعلق بالشروع في المفاوضات والدخول في حوار من اجل انهاء التوترات وتطبيع الاوضاع ومعالجة القضايا العالقة بين الجانبين منذ اعوام، ومهما كانت الاسباب وراء ذلك فأنه قد يصب نوعا ما في صالح الطرفين، فحكومة السيد حيدر العبادي تريد الاستمتاع بنشوة الانتصار والفوز المؤقت في صراعها مع حكومة اربيل اطول فترة ممكنة، فيما تحتاج حكومة الاقليم برئاسة السيدين نيجيرفان بارزاني ونائبه قوباد طالباني الى متسع من الوقت لاستعاب الوضع المربك والتطورات السريعة التي تلت احداث السادس عشر من اكتوبر من اجل اعادة ترتيباتها وتنظيم امورها المتردية وحشد تأييد داخلي لخطواتها القادمة.
ومن هذا المنطلق تحاول اربيل جاهدة ابعاد التركيز عن اعلان موقفها الرسمي الصريح من قرار المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية الاستفتاء والغاء نتائجه وكذلك سيطرة الحكومة المركزية على المعابر الحدودية التي تعد الان مصدرا مهما لواردتها بعد فقدانها الكثير من الحقول النفطية وان كانت قد اعلنت في بيانات سابقة تجميد الاستفتاء ورحبت بتفسير المحكمة للمادة الاولى من الدستور والتي تؤكد على عدم دستورية الانفصال وذلك عبر ابراز موضوع حصتها من الموازنة ورواتب موظفي الاقليم واظهار الامر كنقطة رئيسة للخلافات، اما بغداد فتسعى بدورها الى التمسك بمطلبها الغاء الاستفتاء كورقة ضغط في اية مفاوضات محتملة مستقبلا واستغلال مسألة الموازنة والرواتب والوعود التي قطعتها لصرفها كوسيلة للنيل مما بقي من وحدة الصف الكوردي واضعاف موقف حكومة الاقليم داخليا وكذلك عن طريق املاءاته حول طبيعة الوفد الكوردي المترقب ارساله للتفاوض وضرورة تمثيله لجميع الاطراف.
تطورات وتحديات سياسية كبيرة هي في الطريق خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية والتشريعة المرتقبة في اواسط ايار (مايو) من العام القادم وعلى الحكومة الاتحادية ان لا تضع اعتمادها الكلي على افرازات الدعم الدولي والاقليمي المؤقت وتبدأ بمعالجة المشاكل المتراكمة منذ حوالي اربعة اعوام من الحرب ضد داعش وأولاها خلافاتها المزمنة مع الاقليم التي قد تعيق كل خططهاالمستقبلية في حال بقائها على ماهي عليه وكذلك تسوية مطالب السنة في عودة النازحين والبدء بعملية اعادة الاعمار في المناطق المحررة وحسم ملف منع فصائل الحشد الشعبي من خوض الانتخابات، وبالتالي فان اي تأخير في التوصل الى حل مع الكورد سينعكس سلبا على سير ما تنوي الحكومة المركزية القيام به لاحقا على جميع الاصعدة.
وفي الوقت ذاته فأن الحكومة في اقليم كوردستان تواجه ظروفا مشابهة الى حد كبير، فكل تأخير في المباشرة بالمفاوضات مع بغداد وتسريع المساعي لتوحيد وجهات النظر ووضع الآلية المناسبة للبدء الحوار، سينعكس سلبا على الوضع المتردي للاقليم افتصاديا وسياسيا، فالحكومة تعاني من نقص كبير في الواردات وعائدات النفط هذا فضلا عن حالة الاحتقان الجماهيري وضيق الوقت المتبقي امامها والمقدر بثمانية اشهر حتى اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتي لم تحدد موعدها بعد مثلما طالبت المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء.
والى حصول انفراج في المشهد تبقى الاوضاع المتردية لموظفي ومواطني الاقليم كما هي، فرواتبهم الخاضعة لنسبة كبيرة من التوفير لاتزال تتأخر واصبحوا الان يعانون من انعدام وسائل التدفئة في ظل برد الشتاء القارسوشحة المشتقات النفطية وارتفاع اسعارها وتقليل فترات تزويدهم بالكهرباء كما لايمكنهم السفر عبر المطارات المغلقة هذا فضلا عن الجو السياسي المتشنج بين الاطراف السياسية الكوردية وخطات التخوين المتبادل ومعادات الحكومة، الامر الذي يجعلهم الخاسر الاكبر من استمرار الجمود في وضع الحالي طالما تأخر البدء بمفاوضات جدية تفضي الى معالجة جزء ولو بسيط من معاناتهم.
*صحفي من كوردستان
التعليقات