يضج اقليم الشرق الأوسط بالمآسي الأنسانية، والمفاسد السياسية، وتكاثر مشاهد القتل والمقابر التي تجاوزت الأرض الى البحار والفضاء حين تبقى جثث القتل الأرهابي والحكومي، في الطوابق العليا بأنتظار من يواريها التراب، في أجواء عابقة بروائح الكيمياوي وصيحات الله اكبر وراياتها السوداء في مسعى جدي للقبض على النهار، وإحلال الفناء الانساني.

 الموت القادم من الغرب سوف يصطدم بالموت المتولد من رحم الشرق وأنفاقه التاريخية الرازحة في مستنقعات الجهل، والعصبيات الدينية والقبلية والطائفية، ليقيم ولائم بشرية تتجاوز مآثر هولاكو وعنف هتلر الى تطبيق مخيال الرعب الهوليودي وانزاله ضيفا على أرض خالية من البشر، إنما تمتلئ بالنفط والغاز وزعماء الغازات.

 لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع القائد الأمين العام لحلف الناتو (ينس ستولتنبيرغ )، وتجديد قوة الحلف بدعم امريكي استثنائي ومباشر من الرئيس والمؤسسة العسكرية الأمريكية، يؤكد انه لقاء الاتفاق على ترجمة خطوات الرؤية الترامبية ومنطقها في تحويل جميع الاشياء الى ارقام مالية تعود للخزانة الأمريكية، وتأديب من لم يستثمر في علاقته بامريكا كما ترغب اسرائيل، وتلغي اي احتلال شرقي سواء كان روسيا ام ايرانيا، مع حسم هزيمة حكومات الإسلام السياسي وحركاته واحزابه، بعد ان أضفت على عفونة الشرق الأوسخ مفاسد اكثر سلبية وجرائم غير مسبوقة في تشويه جميع قيم الحياة والسلطة وسلوكياتها الماثلة منذ عهود.

 أزمة الأسواق في مطلع القرن العشرين وتنامى صناعات الدول الكبرى ورغبتها في كسب المزيد من الثروات قادت للحرب العالمية الأولى، كما ينص التعريف الأكاديمي في قراءته لبنية النظام الرأسمالي داخليا، واذا كان النفط وشعلته المضيئة لنهار الذهب الأسود، قد شجع على اندلاع وتنامي الحرب الثانية عالميا وتقاسم الشرق المستسلم دوماً، فأن الرؤية الأستراتيجية لإندفاعات الحرب الجديدة (الثالثة) حتما ً، سوف ترتبط بالغاز والكشوفات الحديثة باحتواء شواطئ البحر المتوسط لسوريا ولبنان ومصر واسرائيل، اكبر مخزونات في الكرة الأرضية، بعد المسح الجيولوجي الذي قام به الامريكيون وتقديراتهم بوجود اكثر من ٢٨ ترليون متر مكعب في شرق المتوسط، والمتشاطئة عليه كل من سوريا ولبنان واسرائيل..!

 الشيء الآخر المهم الذي يشغل امريكا هو ظهور مؤشرات لمارد جديد هو (ايران) بدأ يغيّر من ميزان القوى وطبيعة التهديدات، ويقود الصراع والتحديات للأماكن والساحات التي يختارها، العراق، سوريا، لبنان، اليمن، واذا يتوقع البعض ان وجود سوريا وحزب الله كأذرع متقدمة ومهمة لإيران، فأن وجود حكومة موالية لإيران في العراق يشكل تحادد ايراني مع السعودية وشمال دول الخليج، بينما يشكل الحوثيون الحدود الجنوبية، ومن هنا فأن الشريان الأبهر للنفط في العالم يقع تحت مطرقة المارد المتحدي الجديد (ايران)، وقد تُرك ثمانية سنوات ليتمدد كما يريد، جراء سياسة اوباما المتردد دوما. الأمر الذي لايعطي لأمريكا أي فرصة للتراخي، أو يسمح لبقاء الحال على ماهو عليه، علما بأن العديد من دول الخليج صارت تبحث عن بديل يعوض الضعف الأمريكي في السنوات الثماني الماضية.

مغريات الشرق الأوسط والفوضى الخلاقة التي تحدثت عنها كوندليزا رايس، صارت تعطي نتائج مغايرة للرغبات الأمريكية، واطلقت الفضاء فسيحا ً للإرهاب ومدارسه وتنويعاته الطائفية والفكرية إضافة الى تفكيك الدول وغياب هوياتها القومية أو الوطنية الصلدة، وانطوائها على انتماءات طائفية (شيعية - سنية) في محاور تتصارع داخليا وخارجيا، وبالنظر لإندفاع روسيا الى احتلال الفراغ الذي تركته مخاوف سياسة باراك اوباما في الشرق الأوسط، اي تحقيق حلم الدب الثلجي في الوصول الى المياه الدافئة والانتفاع بنفط الشرق الاوسط وكذلك في مستقبله مع ثروات الغاز والطاقة، الأمر الذي يدعو امريكا بعودة سريعة وقوية في استعراضها لاذرعتها الفتاكة التي بدأتها بضربة صاروخية لسوريا، والتهديد بما هو ابعد من ذلك، واعتبار ان نهاية الأسد قد جاءت، وتلك واحدة من نقاط الأزمة المستعصية والمستمرة منذ ست سنوات والى يومنا هذا.
في حالة حدوث هذا السيناريو، وهو الأقرب لمنطق الاستقراء، يكون امام روسيا وايران خياران لاثالث لهما، أما خوض الحرب للدفاع عن مكاسبهما وخياراتهما الإستراتيجية، وهي مغامرة كارثية ربما فعلا تقود لحرب عالمية ثالثة، كما يتوقعها البعض، أو الركون الى التنازل وعقد صفقات نفعية لقاء تجميد ادوارهم وتقليص وجودهم وربما انسحابهم أيضا، لأن مصالح الدول القومية تتقدم على فكرة المغامرة أو الرهان والشعارات.

الخيار الأنسب لدول اوربا الأقوى عسكريا (بريطانيا وفرنسا) بالتأكيد سيكون مع الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي، في حالة وقوع الحرب،من هنا فأن تنشيط عمل حلف الناتو، يشكل بداية التحالف العسكري في دخول الشرق الأوسط
...