"يحتاج الأمر إلى شجاعة لرفض الكراهية والإمتناع عن الدعوة إلى العنف" 
أمين معلوف 


حريق هائل يَلف منطقة الشرق الأوسط، وُقُوده الناس والحجارة والعصبيات والثّارات الدفينة.
يتريّث المرء قبل أن ينبز بكلمة " سلام "، إذا كان ذلك يعني السلام مع الآخر المختلف، فالأحداث الراهنة نكأت الكثير من الجراحات وأجبرت الجماعات على مزيد من الإنكفاءات داخل دوائرها التكوينية الأولى، فقد عشنا وشفنا كيف أن الناس اليوم تكاد لا تشعر بالدفء إلاّ في أحضان المذاهب والطوائف. 

أعداء السلام مدجّجون بسلاح وأموال ويصادرون نصوصاً مقدّسة، فيما الأكثريّة الصامته من شعوب المنطقة لا تنشُد إلاّ أملاً بعيش آمن كريم. 
وفيما يتفشى فينا الإرهاب وتشرّدنا الحروب المتناسلة، ليس من خيار أمام شعوب المنطقة إلاّ إستمرار العيش بدوّامة الموت والفناء أو إعادة توجيه البوصله بإتجاه طريق السلام الدائم، ذلك السلام الصّعب المنشود والمتولّد من ديناميّات مجتمعيّة إقتصاديّة تصون الفرد وتحفظ له حقوقه. 

ليس غريباً أن نعلن رغبة شعوب المنطقة بالخروج من حضيض الخراب وتحقيق السلام، فغريزة الإنسان البقاء لا الموت، والغرق في بحور الدم ليس قدراً، ولجوء الناس إلى الشّتات ليس حلاً.

لكن قراءة الواقع تشير إلى أن ثمة خوف حقيقي من فكرة " السلام "، خوف من التلاقي والحوار، مردّه تراكمات سلبيّة وتجارب سابقة فاشله وموروثات جامدة وإختلافات إيديولوجية ودينية وخشية من أن تذهب بعض الفئات الصغيرة " فرق عُمله " في الصراعات على النفوذ بين القوى المهيمنة،هذه القوى التي قد لا يكون لها مصلحة بالسلام والتي لطالما إستغلّت هذا الخوف لتحقيق مكاسب لها على حساب مصائب الآخرين. 

إن هذا الخوف الشديد الحساسية، السريع الإشتعال، إتجاه أي إستفزاز، يولّد تعصباً ونبذاً للآخر، ويصب مزيد من الزيت على نار الصراعات والحروب، إلاّ أنه ورغم هذا كلّه فإن التصدي لوهم الخوف من السلام لا يكون إلاّ بمواجهته. 

ويتطلّب سلام الشعوب في الشرق الأوسط خارطة طريق وأسساً قوية عوضاً عن رمال متحرّكة، تبدأ بحراك المجتمع الأهلي وبجهود متواصلة متكاملة لدعم إصلاح الإقتصاد وتطوير البنى التحتيّة القائمة، إذ على الإنسان أن يشعر أولاً أنه فردٌ في بلد آدمي يوفر له كرامة العيش ويحتاج أن يَسعد به ليحرص عليه ويحافظ على منجزاته. 
تحتاج شعوبنا إلى تطوير أساليب تعبّر من خلالها عن رغبتها بهذا الخيار، على أنّ السّير به لا يعني تخلّيها عن حقوقها المشروعه، والأجدى أن تخوض نضالاتها بالطرق السلميّة. 

إن مشاريع التنمية المستدامة والتواصل المجتمعي والتعاون الإقتصادي يذيبان جليد العلاقات الباردة بين مكونات الشعوب ويمهدان الطريق الآمن لسلام دائم في الشرق الأوسط. 

تتسابق الدوّل والحكومات على إستضافة مؤتمرات حوار الأديان والحضارات، لكنها في أكثر الحالات تجعل من سقف أهدافها إستثمار هذه الفعاليات سياسياً وإعلامياً ودعائياً، وهذا لا يكفي فالأجدى أن يتحرك المجتمع أيضاً بالتوازي مع الحكومة، إن ملتقيات ومؤتمرات وورش عمل الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وطلبة الجامعات في هذا الإتجاه تبقى أكثر عمقاً وحيوية لمستقبل الشعوب ومسيرة السلام.

والحال، ما المانع أن يلتقي ويتحاور بإرادة حرّة_ كلٌّ من مكانه ومعتقده _المسلم مع اليهودي والمسيحي، العربي مع الكردي والأمازيغي والتركماني والشركسي والأزيدي والآشوري والكلداني والأرمني، يتحدثون، يتعارفون، يتداولون.. فلو فعلوا، ماذا تراهم يخسرون؟ 

السلام رسالة هذا الشرق رغم كل شيء، السلام عليكم، السلام لأجلكم، تحيّات طالما ردّدها الشرقيون وهي ربّما تختصر صميم الرسالات السماويّة التي إنطلقت من الشرق إلى كل العالم. 

هل شعوبنا جاهزة للسلام؟ 
نعم، وهناك أمل. 

كاتب لبناني 
[email protected]