ننتظر أن تشرق شمس جديدة في سماء العلاقات المصرية الأميركية، ويترجم الاهتمام البالغ والترحاب الكبير بالرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" من قبل الإدارة الأميركية إلى اتفاقات جيدة تخدم مصالح البلدين، وتساهم في حل قضايا المنطقة الملتهبة، ومفهوم أن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح المشتركة، وهناك الكثير من نقاط الالتقاء بين مصر وأميركا، ومن بينها مكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي والعسكري، وتقارب الرؤى في حل قضايا سوريا وليبيا واليمن، وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب فإن إدارة ترامب تؤيد نهج مصر وطريقتها في محاربة الإرهاب.

ويبدو التحدى الحقيقى لادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فى خلق سياسات موحدة تجاه محاربة الإرهاب، ففي الداخل الامريكي هناك تباين في الكونجرس تجاه نصنيف تنظيم "الإخوان المسلمين " منظمة إرهابية، فقد كشف "دانا روباكر" عضو مجلس النواب الاميركي رئيس مجموعة اصدقاء مصر في الكونجرس الأميركي عن ورقة طرحها على أعضاء الكونجرس بمجلسيه النوب والشيوخ تثبت أن الإخوان خلفوا الموت والخراب والشر والعداوة والإرهاب في مصر، ووظفتهم دول كبرى وصغرى لنشر الفوضى في الشرق الأوسط، وتؤكد الورقة على ضرورة دعم المصريين في هذه المرحلة لتصحيح ما افسدته إدارة اوباما السابقة الداعم الاكبر للإخوان. 

والمشكلة الرئيسة هي فى الصراع بين أجهزة أميركية ومؤسسات مرتبطة بالإخوان، وتتلقى تمويلات سخية من دول شرق أوسطية، فلم تمارس أدارة ترامب حتى الآن الضغط على الدول الراعية للإرهاب في مصر وليبيا وسوريا لإجبارها على تغيير سلوكها خاصة وان هذه الدول أداة لتنفيذ مخططات إدارات أميركية سابقة، كما لم يتم تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب في الدول المستهدفة، وفي الخارج تحتضن دول أوروبية الإرهابيين وعلى رأسها بريطانيا وتوفر ملاذا أمنا لهم حيث يمتلكون أموالا ضخمة يشترون بها ولاءات مؤسسات وصحف وجهات نافذة في المجتمع البريطاني، لذا سيطفو صراع أمريكى أوروبى على السطح وسيخرج إلى العلن خاصة فيما يتعلق بسياسات جماعات الإخوان الدولية المؤيدة لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وفي دول بعينها خدمة لمصالح دول كبرى وصغرى فى منطقة الشرق الأوسط، تدفع الفواتير بالمليارات لتقسيم المنطقة إلى دويلات مقسمة على أسس دينية وعرقية ومذهبية خدمة للمشروع الصهيوني.

يحمل السيسي في جعبته رؤية واضحة تجاه الإرهاب، وكيف تحملت مصر وحدها طوال الأعوام التي تلت إزاحة الإخوان عن الحكم بعد ثورة 30 يونيو 2013 فاتورة الإرهاب من دماء أبناءها، مهمته إذن هو طرح الرؤية وطريق الحل، هناك أسئلة تنتظره، واجابات محددة وواضحة حول السياسة المصرية، وكيفية التعامل مع قضايا المنطقة سيطرحها على صناع القرار في واشنطن، رؤية مستمدة من أجهزة سيادية تطلع الرئيس على الواقع وحدود الحركة بما يخدم اهداف ومصالح مصر والعرب، سيضع الرئيس كل الأوراق على مائدة البحث. 

أما المسائل ذات الطبيعة الامنية المطروحة مع الجانب الأمريكي، فتتناول مخاطر الدعم الأمريكى لسياسات نتنياهو، لأن ذلك الامر من شأنه توسيع دائرة الأخطار الأمنية فى المنطقة، وطرح حلول عملية للقضية الفلسطينية تقوم على حل الدولتين، ووقف السياسة الإستيطانية في الاراضي المحتلة، والغاء فكرة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، هذه المسائل تحمل مخاطر ليس بإمكان أحد السيطرة عليها أو الحد منها وسيؤثر ذلك على عموم الأمن فى الشرق الاوسط. 

وليس خافيا على أحد ما فعلته إدارة أوباما حين قامت بتجميد المعونة العسكرية السنوية لمصر التي تتلقاها منذ 1979 بمقتضى معاهدة السلام مع إسرا ئيل، ووضعت شروط لاستئنافها، وتتلقى مصر سنويا 1.3 مليار دولار مقابل 3 مليارات لإسرائيل، الأمر الذي جعل مصر تلجأ لروسيا ودول أخرى لتنويع مصادر التسليح، وتعتمد القاهرة على هذه المعونة في إدارة ملف التسليح، ومن الإنصاف زيادة هذه المعونة لمواجهة الأخطار المحيطة بمصر وبالمنطقة، ولا تحتاج مصر إلى معونات عسكرية فقط بقدر ما تحتاج إلى تعاون فى مجال التصنيع الحربي، بعد نجاح تجربة تصنيع الدبابة (M1A1)، وهى أحدث دبابة فى الترسانة العسكرية فى العالم واستئناف تدريبات النجم الساطع.
ونظرا للوضع الاقتصادي الصعب التي تمر به مصر الآن مع تطبيق برنامج اصلاح اقتصادي مؤلم يعاني منه كل المصريين، يجب على إدارة ترامب أن تتفهم أهمية دعم مصر اقتصاديا، فبمقتضى إتفاقية السلام مع إسرائيل تحصل مصر سنويا على معونة اقتصادية بقيمة 800 مليون دولار تقلصت إلى نحو 200 مليون دولار في 2010، ومن ثم على واشنطن أن تتفهم طلب مصر إعادة حجم المعونة الاقتصادية إلى سابق عهدها أو اكثر، مع الاخذ في الاعتبار أن مصر لن تعتمد على المعونات والقروض بل ستصل قريبا بمشيئة الله إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي مع اكتشافات الغاز الطبيعى في حقل ظهر بالبحر المتوسط وشمال الدلتا والمتوقع أن يبدأ إنتاحه 2018. 

وإذا كانت الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى فى العالم واللاعب السياسي الأول بحجمها الاقصادي وتفوقها التكنولوجي. فإن مصر دولة محورية فى الشرق الأوسط والعالم العربى ولا يمكن حل أزمات المنطقة دون الاستماع لرؤية القيادة المصرية.