تلتجئ زعيمة أقصى اليمين الفرنسي في حملتها الانتخابية إلى مغالطات وسفسطة سياسية. وأكثر ما تتهم به خصمها انه يمثل العولمة المتوحشة والأغنياء وأنها هي مع الفقراء. إنها شأن ساسة وتنظيمات متطرفة أخرى في الغرب ترفع راية محاربة العولمة على طريقة دونكيشوت حيث ان الجميع وفي كل مكان هم في وسط العولمة شاءوا ام ابوا وبدلا من التناطح الدونكيشوتي تجب المطالبة بالمزيد من تشذيب العولمة ومن حقوق الطبقات الشعبية وتطوير القوانين الخاصة بهذا الشأن وفي كل ما يخص تعميق الديمقراطية.
لقد دخلت اوروبا المرحلة الأولى من العولمة في أواخر القرن السابع عشر، أي مع بدايات تداخل رؤوس الأموال بين الدول، ثم تطورت مع تطور طرق المواصلات ووسائل الاعلام ونجاح الحركات العمالية والنسائية في تعميق حقوق المواطنين وتحويل العولمة المنفلتة تدريجيا الى عولمة مهذبة تضمن درجات من العدالة الاجتماعية وحقوق المواطنين. وللعلم فإن حق المرأة الانتخابي لم يتم ضمانه في اكثر دول الغرب إلا مع العقدين الأول والثاني من القرن العشرين وكذلك تطور الحق النقابي وقوانين العمل ومساعدات البطالة والضمان الصحي وغيرها. ثم انتقل بعض هذا إلى دول أخرى غير غربية.
وهكذا تطورت العولمة إيجابيا وحققت نسبا جيدة من العدالة الاجتماعية وإن كان واجبا تطوير كل ذلك.
إن من الجهل الحديث عن الخروج من العولمة التي صارت عولمة التبادل التجاري والايميل ووسائل الاتصال الأخرى فضلا عن تنقل المكتشفات والاختراعات العلمية والطبية وسواها. ومن يتحدثون عن مناطحة العولمة يعيشون ويتنفسون في وسطها، إن ليس بفضلها. وحتى حين يأكل أبناؤهم الهامبرغر ويشربون الكوكا فإنهم يأكلون ويشربون ما هو من نتاج العولمة.
لقد ارتبط التطور الإيجابي المستمر للعولمة مع قيام وتطوير الديمقراطية، ولذا فإن العولمة في دول صناعية دكتاتورية، كالصين مثلا، ليست كالعولمة في الدول الديمقراطية الغربية حيث توجد مستلزمات وضمانات حماية وتطوير حقوق المواطنين وكبح جماح المال لصالح العام ومن أجل التطور الاقتصادي.
إننا إذ نقول ذلك فهل يعني انتفاء كل احتمال لحدوث انتكاسة هنا وهناك في العولمة، في الدول الديمقراطية؟ كلا. فقد تحدث انتكاسة ما في قوانين العمل مثلا ولكنها قابلة للمعالجة مادامت حقوق التظاهر والاضراب مضمونة ومادام هناك برلمان حر. فمثلا، لو حدثت مثل هذه الانتكاسة في فرنسا، فإن معالجتها ليست مستحيلة... ولكن ما الملجأ إذا وصل الفاشيون إلى السلطة!
التعليقات