تُعرَّف القيم الإنسانية على أنها القواعد المؤسسة للمنظومة الأخلاقية المتكاملة، والتي تعارفت عليها الفطرة الإنسانية السليمة، والتي رسخت، وتم تأكيدها من الديانات، والأفكار الإصلاحية، والأعمال الفنية، والأدبية العظمى. وتظهر القيم الإنسانية على أرض الواقع، من خلال التعاملات اليومية بين الناس، وهي تضمطيفا واسعا من القيم والأخلاق الحميدة، كالصدق، والأمانة، والتعاون على الخير، وحب الآخرين، ومساعدة المحتاجين، والمودة، والاهتمام بالناس، وتفقُّد الضعفاء، وإرساء العدالة، وما إلى ذلك، ومن هنا فإنه لا يمكِن لأي إنسان عاقل أن ينكر إحدى هذه القيم، وإلا أثبت وبما لا يدع مجالا للشك أنه أبعد ما يكون عن الإنسانيّة.
تجلت الإنسانية وقيمها مطلع الأسبوع الماضي، حيث قتل شخصان أمريكيان وجرح ثالث بجراح طفيفة، حينما حاولوا الدفاع عن امرأتين مسلمتين تعرضتا لهجوم كلامي من قبل أحد الأشخاص في وسيلة نقل عمومية كانت متجهة الى محطة هوليوود شمال شرق مدينة بورتلاند الواقعة في ولاية أوريغون الامريكية. وقال شهود عيان: "ان الجاني بدأ إطلاق العبارات المسيئة للإسلام حين صعدت سيدتان مسلمتان إحداهما محجبة، مطالبا اياهما بالنزول من وسيلة النقل العمومية لأنهما "لا تدفعان الضرائب"، قائلا انه "لا يحب المسلمين لأنهم مجرمون".
السيدة "آشا ميش" والدة "تاليسين نامكي-ميش" الذي قتل طعنا اثناء دفاعه عن الفتاتين، وجهت رسالة مؤثرة الى الرئيس الأمريكي "دونالد ترمب"، ونشرتها وسائل الإعلام الأمريكية تزامنا مع يوم الذكرى الذي يكرم فيه الشعب الأمريكي الجنود في صفوف القوات الأمريكية، الذين ضحوا بأرواحهم في المعارك التي خاضتها بلادهم.
كتبت والدة الضحية في رسالتها تقول: "توفي (تاليسين) بطلاكالعديد من الأميركيين الآخرين، الذين لقوا حتفهم وهم يدافعون عن الحرية. عمره 23 عامًا، تخرج من الكلية منذ عام بعد حصوله على شهادة في الاقتصاد. اشترى للتو منزله الأول، وكان يفكر في بناء أسرة". وقالت والدته ايضا: "انه وعلى الرغم من حزن العائلة على فقدان ابنها، إلا انها تفخر بعمله إلى جانب رجلين آخرين في مواجهة الكراهية. واشارت إلى ان الرجال الشجعان الثلاثة الذين لا يعرفون بعضهم البعض، ولا يعرفون الفتاتين، رأوا الظلم ولم يترددوا في التصرف. وأضافت: "يرجى تشجيع جميع الأميركيين على حماية بعضهم البعض، يرجى إدانة أي أعمال عنف تنجم مباشرة عن خطاب الكراهية وجماعات الكراهية"، منوهة الى ان ذلك سيكرم تضحية "تاليسين"، كما لفتت الى تعاطف الملايين مع عائلتها ودعمهم لها.
أما شقيقته فقالت: "إنها لم تستغرب تصرفه الشجاع، فقد كان معروفا بحزمه في تصرفاته واحترامه لجميع الناس، واعتبرت أن ما قام به شجاعة، ودليل على أنه كان صادقا بمعتقداته ضد التعصب والعنصرية، مطالبة عبر حسابها الإلكتروني بـ "تويتر" أن تستخدم هذه المأساة كفرصة للتفكير والتغيير، قائلة ايضا "نريد منكم تكريما لذكراه أن نختار الحب".
أما أستاذه في الكلية البروفيسور "كمبيز جنيسيري" فقد اضاف قائلا: "ما زلت اتذكر اين كان يجلس خلال المحاضرة ويطرح اسئلة ذكية، هو متواضع وذكي وفضولي، كان انسانا رائعا، والآن هو بطل بالنسبة لي".
هؤلاء الاشخاص الذين حاولوا الدفاع عن الفتاتين تربوا على القيم والأخلاق الانسانية، وعلى نبذ الكراهية، والمحبة للآخر مهما اختلف لونه وجنسه ودينه وموقعه الاجتماعي، منذ نعومة اظافرهم، فيمنازلهم ومدارسهم وجامعاتهم ومجتمعاتهم.إن مفهوم الإنسانية هو من أكثر المفاهيم التي يجمع عليها الناس. والإنسانية مبدأ كوني يتجاوز انتماءات البشر لأي دين من الأديان، ولأية قومية من القوميات، ولأي وطن من الأوطان. الإنسانية كمبدأ عالمي يجعلها نقطة التقاء توحد بين جميع الناس المتدينين وغير المتدينين، ولا يوجد إنسان له ذرة من العقل يرفض ان يكون إنسانيا، وحتى الأشخاص المتجبرون والمتغطرسون والأنانيون لا يقبلون إلا بوصف أنفسهم بأنهم إنسانيون.
اليكم بعض أجمل ما قيل في الإنسانية وقيمها:
الشجاعة أهم الصفات الإنسانية لأنها الصفة التي تضمن باقي الصفات. (ارسطو).
على الإنسان ألا يكتفي بان يعتز بنفسه، بل عليه أن يستشعر كماله الإنساني بحيث يخجل من الإتيان بالعمل القبيح. (فينس).
لا يمكن لأي إنسان أن يصبح عالما بمعنى الكلمة من غير أن يصير قبل ذلك إنسانا بمعنى الكلمة. (فوفالس).
الإنسانية ليس لها جنسية ولا مذهب ولا دين، لذلك هي ليست مقصورة على فئة معينة. (ليلى المطوع).
الابتسامة تذيب الجليد وتنشر الارتياح وتبلسم الجراح، انها مفتاح العلاقات الانسانية الصافية. (فولتير).
كانت الإنسانية لتكون سعيدة منذ زمن لو أن الرجال استخدمواعبقريتهم في عدم ارتكاب الحماقات بدل أن يشتغلوا بإصلاححماقات ارتكبوها. (جورج برنارد شو).
يجب أن لا تفقدوا الأمل في الإنسانية. إن الإنسانية محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا.(غاندي).
منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار. (جبران خليل جبران).
كل الأفعال الإنسانية تنبع من واحدة أو أكثر من هذه المسببات: المصادفة، الطبيعة، الإكراه، العادة، المنطق، العاطفة، الرغبة.(ارسطو).
التعليقات