أيام عشر من المتعة والاثارة والجمال والتأمل عشناها فى الشهر المنصرم وربما لم يلحظها كثيرون وخصوصا جماهير رياضات التعصب والغضب والعنصرية المقيتة،وعلى رأسها بالطبع تلك التى يركلونها بأقدامهم وتحولت الى مستنقع آسن من الفساد والسياسة والمقامرات والمناورات مستنقع رائحته باتت تزكم الأنوف.
أيام عشر من المتعة والاثارة تجلت فيها عظمة الطموح الانسانى والجمال الانسانى، عظمة الهبة الالهية التى جبل عليها الانسان دون سائر المخلوقات، وهى الغريزة المطبوعة على الجين البشرى، غريزة الاتقان والسعى الى الكمال والتطلع المستمر الى الأجود والأفضل،وهذه الفطرة قاسم مشترك فى كل البشر لكنها تظهر وتختفى تعلو وتهبط،ووجودها نسبى ونموذجها القياسى يختلف من شخص الى شخص ومن مجتمع الى مجتمع ومن عصر الى عصر ودرجة تفعيلها مرتبطة بالثقافة السائدة ودرجة الرقى وحال التعليم فى المجتمعات.
أيام عشر رأينا دقة التنظيم والاناقة الادارية المبهرة والحزم العادل والتوقيتات المقدسة والجماهير المؤدبة المهذبة التى شجعت الفائز ولم تحبط الخاسر، لاهتافات عنصرية ولا استقطاب سياسى فهم فى محراب رياضة لايجب تدنيسه بمثل هذه ترهات.
أيام عشر رأينا منشآت تجلت فيها عظمة فنون المعمار والتنظيم والادارة والاستخدام والنظافة والاناقة والمتانة والتخطيط المبهر.
أيام عشر رأينا فيها الاعجاز الالهى معادلة الأنوثة والجمال والقوة، رأينا كيف تمتزج العناصر الثلاث ليظهر الانسان فى أحسن تكوين، رأينا الجمال الاسكندنافى الهادئ الناعم ورأينا الجمال الافريقى المتفجر الصارخ،راينا النسخ (الأورجينال )للبشر ولانملك الا السبح للخالق الأعظم للجمال والقوة.
ولولا هذه الفطرة الانسانية لما تقدم المجتمع الانسانى خطوة واحدة الى الامام، ولولاها لما خرجت الى النور كل هذه الابتكارات والابداعات التى سهلت حياة الناس على كل الكوكب،اذ أن الطموح الانسانى وأحيانا الجموح الانسانى هو الذى دفع الانسان الى المثابرة وعدم اليأس للوصول لهكذا نتائج لم تكن تخطر يوما على قلب بشر، طب وهندسة واتصال واقتصاد وكل مناحى النشاط الانسانى.
فلم يكن متخيلا أن يكسر العداء الجامايكى حاجز الثوانى العشر فى سباق المائة مترويجرى بسرعة ست وثلاثين كم فى الساعة، ولم يكن متوقع كسر أرقام الوثب العالى والطويل والقفز بالزانه، لكنه الطموح الانسانى أو الفطرة الراقية الساعية الى الكمال والتفوق وهى الوسيلة الوحيدة لاعمار الكون وتخفيف معاناة سكانه وخدمة البشرية، وفى البطولة القادمة سيتم كسر الارقام وفى الساعات القادمة سيكون هناك ابتكارات ومخترعات واكتشافات وابداعات جديدة،وهكذا بفضل هؤلاء المبدعين الطموحين يعيش كوكبنا وتتقدم البشرية وتخف معاناة مريض ويسد رمق جائع وتستر عورة عارى وتضيق المسافات بين الناس، نعم بفضل هؤلاء الذين استثمروا الهبة الالهية والفطرة الانسانية الساعية على مدار الساعة الى العمل والبحث والتجويد.
أما المجتمعات التى أطفأت جزوة البحث والابتكار والطموح واستبدلتها بثقافة التواكل والرزق الساعى الى الأبواب،هذا حالها لايحتاج الى شرح أو تأويل،أصبحت عالة على البشرية، فكلها موت ومخيمات وديار خربة وانسان مهان وشوارع كأنها غابات حيث لاقانون ولانظام فوضى وعنف ورشى واخلاق متردية ووجوه عابسة مكفهرة وصراعات اثنية ومذهبية واعلام فج مبتذل سفيه، فكيف يخرج من هذه المنظومة بطل أو مبتكر أو مبدع أو طامح الى انجاز،أما السباق الحرالوحيد المتاح هو السباق للخلف.
وكل من أجاد وثابر حصل على جائزته التى يستحقها،ليس فقط بالرقم الذى حققه جريا أو وثبا أو رميا، ولكن تطبيقا للقانون الالهى الازلى من يجيد يستحق بغض النظر عن لونه أو دينه أو عرقه،وكافئ الابطال المجتمعات التى رعتهم واحترمتهم وساوت بينهم بالذهب والفضة والبرونز ورفعت رايات بلادهم عاليا وعزف نشيدهم الوطنى،فى الوقت الذى لم تحصل مجتمعات الفرز والتمييز والعنصرية والموت الا على فتات وأغلبه من جنسيات مشتراه تحت علم مستأجر ووطن بحق الانتفاع.
هذه يا سادة هى اصول لعبة الحياه التنافس الشريف والعرق والصبر والاحتمال وهى لعبة التقدم والازدهار،أما نحن فلا نلعب سوى اللعبة الوحيدة التى لانجيد غيرها على مر العصور (لعبة الموت).
التعليقات