ربما لم يكن تراجع وانهيار سعر الليرة التركية هو المظهر الوحيد لتراجع موقع اردوغان في المشهد السياسي التركي انما تعود الصورة الى الأنقلاب العسكري الذي نظمته المؤسسة العسكرية التركية ذات المكانة الحيوية في تاريخ تركيا السياسي الحديث حيث عبرت تلك المحاولة الأنقلابية قبل ثلاثة سنوات عن أنتفاض تلك النواة الصلبة ومعها شرائح عديدة على هيمنة السيد رجب طيب اردوغان وسياسته الساعية الى التفرد والهيمنة والأستحواذ وهوسه بالسلطة الى حد سعيه الدؤوب الى وضع كل مفاتيح السلطة في جيبه وهو ما تحقق له اخيرا في تعديل الدستور التركي ليصبح نظام الحكم رئاسي بصلاحيات مطلقة .
والمتابع للشأن التركي يستطيع ان يستدل بسهولة على ان حجم الأعتقالات الخيالي بعيد المحاولة الأنقلابية بساعات يشي بشيء مكنون في نفس اردوغان بضرورة تقييد جميع القوى والعناصر والهيئات التي يمكن لها ان تلعب دورا في عرقلة مشروعه في التفرد والسيطرة والا فمن غير المعقول ان يصل عدد المعتقلين الى أكثر من سبعون الفا بضمنهم قادة وضباط كبار وصغار وعرفاء بل طلبة كليات عسكرية وشرطة وقضاة ومحامون وموظفون في الضرائب والإدارات المالية والمعاهد الدينية واساتذة جامعات وسواهم الكثير وكلنا سمعنا عن محاولات انقلابية ِعديدة في منطقتنا والعالم تنتهي ببضعة عشرات او مئات من العسكريين وينتهي الأمر الا في عهد اردوغان فأنت متهم لطالما لا تبيع ولاؤك لحزب العدالة والتنمية &كما ان اهتزاز وتلاشي تحالفات تركيا الدولية والأطلسية واهتزاز صورة الحكم في الساحة الدولية والقوى الكبرى المؤثرة وقفزات اردوغان الحرة بين الشرق تارة والغرب تارة اخرى جعل منه السياسي غير الموثوق وذي النزعات الدكتاتورية وشهيته المنفتحة للسلطة تحت عباءة الديموقراطية اسهمت في اهتزاز مكانته وابرزته بصورة الحاكم المرتبك والمتهور.
تركيا في عهدها الجديد لا هي دولة مدنية علمانية ولا دولة او قل نظام إسلامي واضح المعالم ومن يزور او زار تركيا يتيقن من صحة هذا الكلام على ما يشاهد من مظاهر الفسوق والأنحلال وشواطيء العراة وانتشار الحانات والبارات في كل مكان ويأتي من يقول لك كمثل رجل الدين المصري والمتجنس قطريا الشيخ يوسف القرضاوي ان الله وملائكته والرسل واولياء الله والصالحين كلهم يقاتلون الى جانب اردوغان؟
ولست ادري هل ان اندفاعة منظر الأخوان الروحي القرضاوي ومعه جوقة من الأخوان المسلمين والذين نجحوا في تضليل جزء كبير من الرأي العام بأن اردوغان هو المنقذ والمخلص للعالم الإسلامي السني وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا هو النموذج الإسلامي المعتدل والذي يصلح ان يكون قدوة لأنظمة الحكم الناجحة في الأمة الإسلامية وسوقوا بعض النجاحات التي حققها اردوغان في احداث بعض مظاهر النمو وارتفاع دخل الفرد واطلاق السياحة على نطاقها الأوسع ما هو الا معجزة لن تتكرر وقالوا لنا ان تركيا تحولت في عهده الى واحد من اقوى اقتصادات العالم الستة عشر حتى جاء خبر احتجازه القس الأمريكي وتغريدة من ترامب ليتبخر كل ضباب اردوغان وسحره .
&نحن لا ننكر ذلك وصحيح ان الرجل حقق اصلاحات واضحة وشجع الاستثمار الأجنبي لكن هذا الرجل تقمص دور السلطان العثماني واوهمه منظر عهده داوود اوغلوا وزير خارجيته السابق بأن نظرية صفر مشاكل والعمق الأستراتيجي لتركيا ستحقق له استعادة الزعامة للعالم العربي والإسلامي بروح عثمانية لكنها بلباس اخواني وهب الأخوان في كل زوايا العالم ليناصرو هذا السلطان الى حد انهم صوروا أخطاءه ابداع ونجاحات فتوغل هذا السلطان العثماني في منطقتنا مستغلا دعايات وارتباطات الأخوان به للتسلل تحت جنح الدخان فيما يسمى بالربيع العربي فتجد ان اردوغان توغل في ليبيا وتونس واراد &ان يصادر ارادة شعب مصر الحرة عندما كبت كبوتها في عصر الأخوان ومرشدها بديع &ثم توجه الى الجار سوريا واطلق اليها عشرات الالاف من انصار القاعدة وداعش لتكون تركيا لهم بوابة العبور وما حصل في اماكن اخرى انهك حكم اردوغان ولم يعد نظامه السياسي قادرا على تحمل كل هذه الأكلاف السياسية باهضة الثمن &فتعثر في برنامجه لأن المنطقة لا تريد الأخوان ولا تحمل ذكريات طيبة عن اسلافه ابناء عثمان فقد اذاقوا الوطن العربي كل صنوف الذل والأستعباد والتخلف ونصبوا لأحرار العرب المشانق في بيروت والشام واسطنبول ولم يكن هذا التلميذ النجيب للطموحات العثمانية الا عنصرا اخوانيا صرفا ليس له الان حلفاء بعد سلسلة اخطاءه وسياساته الكارثية في المنطقة لم يجد له كما هم الأخوان الا حليفهم نظام الولي الفقيه في طهران وكما قال الشاعر &( أن المصائب يجمعنا المصابينا )...
&فأنعقد حلف التأخي بين التومان الإيراني والليرة التركية في اروع صور الأنهيار والسقوط والذي يخفي وراءه فكرة واحدة هي اخطاء النظام السياسي التي لا تغتفر واليوم اختفى من جنب اردوعان منظره اوغلوا صاحب نظرية صفر مشاكل والعمق الحيوي ليجد نفسه رجب طيب بلا حلفاء اقوياء سوى الحكم الخميني ويتخبط بعشرات المشاكل .
- آخر تحديث :
التعليقات