الانتخابات العراقية نسخة 2018 وجدل تشكيل الحكومة وتولي الرئاسات الثلاث زاد من تعقد المشهد السياسي الطائفي المفكك منذ نشأته في 2003 ، بعد صراعات تشكيل الكتلة الكبرى وصراعات القوى الشيعية المتقاتلة على منصب رئيس الوزراء من جهة وصراعات القوة السنية المتصارعة على منصب رئيس البرلمان من جهة اخرى، برزت على السطح الخلافات الكردية التي لم تعد سرا ولكنها انفجرت لسبب غير متوقع حول منصب رئيس الجمهورية، وهو المنصب الشرفي الذي لم تكن توليه القوى الكردية اي اهتمام وخاصة انها اتفقت على ان يتولى هذا المنصب مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني ويحتفظ الحزب الديمقراطي برئاسة الاقليم. &

الصراع بين الحزبين الكرديين لم يكن حديث العهد بل هو نتيجة مجموعة تراكمات اعقبت الانفجار الذي حدث بين الكرد بعد الاستفتاء على استقلال اقليم كردستان الذي ايقظ الشياطين في عقول الزعماء الاكراد. ايضا ساهمت احداث ما بعد هذا الاستفتاء وخاصة الصراع على كركوك في زرع بذور الخلاف العميق الذي وصل الى مستوى دموي خطير وقاد الى خسائر مادية اعادت حكومة اقليم كردستان الى نقطة الصفر وجردتها من كل المكتسبات الجيوسياسية التي حققتها عبر سنوات الصراع مع الحكومة المركزية في بغداد. ومع هذا بدت الاحزاب الكردية موحدة في ادائها في مرحلة ما قبل الانتخابات وما بعدها من سجالات تشكيل الحكومة، ولكن يبدو ان هذا الاتحاد كان صرحاً من خيال فهوى في اول اختبار سياسي. الازمة الكردية انفجرت عندما رشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح لرئاسة جمهورية العراق وهو مرشح لم يتم طرحه للتداول مع الحزب الديمقراطي -حسب ادعاء الحزب الديمقراطي الكردستاني- بل كان ترشيحه مفاجأة غير سارة للبرزاني الذي اعتبرها خرقا للاتفاق الكردي لمنصب الرئاسة في بغداد، على اعتبار على ان هذا المنصب حتى وان كان من حصة الاتحاد الكردستاني &الا انه يجب ان يكون بالاتفاق المسبق بين الطرفين. ورداً على هذا الفعل الذي اثار غضب اربيل قدم مسعود البرزاني السيد فؤاد حسين مرشحاً لرئاسة الجمهورية في سابقة كشفت حجم الانقسام بين الاطراف الكردية وان عهد الوفاق بينها في بغداد لم يعد موجود.

في ظل هذا المشهد الكردي المنقسم على الذات ماهي المشاهد المطروحة لحل ازمة الرئيس العراقي؟

قبل ان نطرح توقعاتنا للمشاهد المطروحة لاختيار رئيس جمهورية العراق لابد من ان نذكر ان الرئيس العراقي الكردي القادم هو خلاصة ثلاث معطيات اساسية :

اولاً:التوافق الكردي الشيعي وتحديداً مع كتلة الفتح وهذا التوافق الذي ترسخ من خلال الاتفاق بين البرزاني والعامري واثمر عن انتخاب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي, مقابل ان يقف الفتح مع باقي الاطراف الشيعية مع مرشح الاكراد الذي كان من المفترض ان يوافق ويتفق عليه الحزبان الكرديان وخاصة وتحديداً مسعود البرزاني باعتباره الراعي الاساسي لهذا الاتفاق.

ثانياً: الدور الايراني الذي دخل على خط المفاوضات الكردية لتسمية مرشح لرئاسة الجمهورية. فقد اجرى قاسم سليماني في الايام الماضية مباحثات مكثفة مع الحزبين الكرديين لاقناعهما بالذهاب الى بغداد بمرشح واحد وهو برهم صالح، وبالتالي فان الرئيس القادم سيكون مديناً للوسيط الايراني الذي هو بدوره يفضل مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني الذي له تنسيق طويل الامد وعميق مع الايرانيين في نفس الوقت فان الايرانيين يدركون ان البرزاني رقم صعب في المعادلة العراقية وليس من السهل تجاوزه او تحجيمه.

ثالثاً: يبدو ان الامريكان ايضا يدعمون مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، ولكن مسعود البرزاني يصر على عرقلة الدور الامريكي انتقاماً من موقفهم من استقلال الاقليم الذي اعتبره سيفا غادرا قطع اوصال التحالف الامريكي - الكردي الذي لطالما كان متيناً حامياً للاستراتيجية الامريكية في العراق وايضاً النفوذ الكردي في بغداد. وبالتالي فان المهمة المستحيلة امام الرئيس القادم ليس فقط ان يكون توافقياً بين الاحزاب الكردية، بل كذلك ان يكون حليفا مقبولا للولايات المتحدة وان لا يغضب تحالفه مع الامريكان الايرانيين او مسعود البرزاني .

وبناءاً على المعطيات السابقة، فان هنالك ثلاث مشاهد متوقعة لانتخاب الرئيس العراقي المقبل &:

المشهد الاول : هو ان يرضخ الحزب الديمقراطي الكردستاني لضغوط ايران والولايات المتحدة ويسحب مرشحه ويقبل بمرشح الاتحاد الوطني الديمقراطي مرشحاً وحيدا لمنصب رئيس الجمهورية. هذا المشهد تعززه دلائل عديدة من ابرزها ان البرزاني الذي طرح اسم فؤاد حسين الذي هو شحصية مقربة وموثوقة من عائلة البرزاني وهو في نفس الوقت ليس من قيادات الصف الاول وبالتالي فان سحب ترشيحه لن يعرض الحزب لانقسام داخلي. قبول الحزب الديمقراطي لن يكون مجانياً بل سوف يكون مقابل الحصول على امتيازات في مناصب سيادية في بغداد او مقابل مكاسب في كركوك -عقدة الحل واساس الاشكالية الكردية – .

المشهد الثاني : &&ان يرضخ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني لضغوط بغداد وتحديداً الفتح والقوى الشيعية التي تعهدت للبرزاني بانها سوف تقف مع المرشح الذي يقترحه كما وقف الى جانب مرشح تحالف الفتح لمنصب رئاسة البرلمان. وهذا المشهد يبدوا صعباً جداً خاصة وان قيادات كتلة الفتح لا تستطيع ان تضمن قبول اعضاء الكتلة لمرشح الحزب الديمقراطي عراب الانفصال. ومن جهة اخرى فان تمرير مرشح البارزاني يعني نهاية التحالف بين الاحزاب الكردية وانها لن تكون كتلة واحدة ولن تكون ممثلة لمصالح الكرد المشتركة في بغداد.

المشهد الثالث : في حال عدم قدرة الحزبيين الكرديين على اجراء انتخابات داخلية والخروج بمرشح توافقي، فانهما يذهبان الى الخيار المعاكس وهو تعنت كليهما بموقفه ويتمسكان كل بمرشحه وبالتالي يذهبان الى بغداد بمرشحين او اكثر ويتركون التصويت داخل البرلمان في جلسة الثاني من اكتوبر /كانون الاول هو الفيصل بينهما. ولان منصب رئيس الجمهورية يحتاج لاغلبية الثلثين لهذا فانه على الاغلب سيكون من الصعوبة بمكان ان يحسم اسم واحد من الجلسة الاولى. وهذه الطريقة قد تنقذ موقف كتلة الفتح من تعهدها للبرزاني، فاذا مالت كفة التصويت لصالح مرشح البرزاني صوتوا في الجولة الثانية معه واذا كان العكس فلا يكون هنالك عتب عليهم ويكونوا قد اوفوا بتعهدهم للبرزاني ولكن سقوط مرشحه سببه الانقسام الكردي وليس لانهم تخلوا عنه.

اخيرا ، كل المشاهد المطروحة لاختيار رئيس الجمهورية العراقية السادسة تؤكد ان هذا الرئيس سيكون مرشح لاحزاب كردية متناحرة منقسمة انقساماً جوهريا متصارعة صراعات عميقة ومع هذا فانها مصرة على ان تقدم للعراق رئيس جمهورية من المفترض انه يوحد العراقيين ويمثل هيبة الجمهورية روح التوازن السياسي فيها. ربما ستنجح في مسعاها ولكن هذا الرئيس لا يمكن ان يكون بمستوى التحديات التي تواجه العراق ليس لانه لا يريد بل لانه ومنذ اليوم الذي اتفقت فيه القوى السياسية على تقسيم الرئاسات الثلاث على اساس قومي وطائفي انهت في ذات الوقت اي امكانية للحصول على رئيس وطني ،لذلك سوف لن يكون رئيس جمهورية العراق سوى منصب سياسي كردي وليس منصبا سياديا عراقيا .