عندما نتحدث عن الكون هنا فنحن نقصد حصراً الكون المرئي أو المنظور والمرصود الذي نعيش فيه ونعرفه وليس الكون العظيم المطلق&اللامتناهي&الذي يضم عدد&لامتناهي&من الأكوان ، سواء المتوازية أو المتداخلة&أو المتعايشة جنباً إلى جنب كالتوائم.&ولكل كون منها زمنه الخاص ، وقوانينه الخاصة، وثوابته الخاصة، المختلفة كلياً عن بعضها أو المتشابهة في البعض&الآخر&منها. أما الزمن فهو بالتأكيد الزمن &المندمج مع المكان في نسيج واحد هو&الزمكان&في كوننا المرئي على وجه التحديد، وهو ليس زمن واحد بل عدة أزمان وليس متجانس وثابت بل مضطرب ومتغير ومرتبط بالحركة والسرعة والاتجاه والهندسة المكانية.&ولكن هل هناك حقاً " مرور للزمن؟" وهل هناك حقاً "&إتجاه&محدد للزمن؟ " لا يوجد في علم الفيزياء مفهوم&إسمه&مرور&أو تدفق الزمن،&فالعلماء يقولون إنه "على&إفتراض&وجود الزمن حقاً "&فهو لن يمر أو&لا&يتدفق.&فبعض الفلاسفة يعتقد أن مجرد التفكير بأمر يتعلق بمرور الزمن شيء عبثي ومبني على فكرة زائفة وخاطئة، فكيف أمكن &لجانب أولي بسيط وبديهي لمفهومنا عن العالم الفيزيائي أن يكون خاطئاً على هذا النحو؟ هل للزمن خصائص مميزة له وميزة&مفتاحية&لم يشخصها العلم بعد؟

من البديهي القول أننا في حياتنا اليومية نقسم الزمن إلى ثلاث فترات : الماضي والحاضر والمستقبل. وإن البنية اللغوية تتمحور حول&هذا التمييز الوقتي الجوهري ، وإن الحاضر مرتبط بالواقع الحياتي والماضي هو&ما كان موجوداً وتوقف وجوده&أي قابل للوقوع في طي النسيان ،&أما المستقبل&فهو في أطراف&ما لم يحدث &بعد، أي لم يصبح بعد كينونة موجودة،&أي هو موجود وغير موجود في آن واحد فكل لحظة من الحاضر &تتحول إلى ماضي &وكل لحظة من الحاضر تصبو لأن تغدو مستقبلاً حاضراً في الواقع. ، أي أن &مفهوم " الآن " الذي نعيه، ينزلق باستمرار وعلى الدوام نحو المستقبل ويحول أحداث&المستقبل غير المؤكدة إلى واقع حاضر ، ملموس لكنه عابر قبل أن ينزله أو ينقله إلى منزلة الماضي المحفور في صخرة الوجود.&

يبدو&هذا&الإدراك المشترك والحس الجمعي كأنه بديهي&إلا أنه يتعارض مع الفيزياء المعاصرة . ففي رسالة بعثها آينشتين لصديق له عبر عن هذا الوضع بصورة صريحة لا لبس فيها وقال:" إن التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل ما هو إلا مجرد وهم متشبث ودائم &بعناد في التفكير البشري"" إن هذا الاستنتاج المدهش والغريب &لآينشتين مستمد على نحو مباشر من نظريته &النسبية التي تنكر أي معنى &مطلق &وشمولي أو كوني &لفكرة اللحظة الحاضرة فهي تقول إن التزامن أمر نسبي . فحدثين يقعان في نفس اللحظة عندما تتم مشاهدتهما أو رصدهما في إطار مرجعية ما، يمكن، إذا ما نظر إليهما من إطار آخر، أن يقعا في وقتين مختلفين. فلو طرحنا سؤال عما يحدث الآن أو في الوقت الحاضر&أو في هذه اللحظة،&على سطح المريخ&،&لن يكون له جواب قطعي. فهناك مسافة كبيرة تفصل بين الأرض والمريخ تصل إلى 20 دقيقة ضوئية ، أي ما يقارب 360 مليون كلم والحال أنه ليس بمستطاع المعلومة أن تنتقل بين الكوكبين بأسرع من هذه المدة الزمنية&فلا شيء يمكنه أن ينتقل بأسرع من سرعة الضوء فالمراقب الموجود على سطح الأرض لا يمكنه أن يرصد الحدث على المريخ ويعرفه في نفس الوقت الذي يراه ويرصده مراقب موجود على سطح المريخ أو على القمر التابع لكوكب المريخ الذي هو أقرب بكثير من الأرض للكوكب الأحمر فالمراقب الأرضي يحتاج لعشرين دقيقة لكي يعرف ما يحدث "حالياً " على سطح المريخ بعد وقوع الحدث بعشرين دقيقة عندما يقطع الضوء المسافة بين الكوكبين ويحمل المعلومة للمراقب الأرضي.&فالأحداث التي تقع تعتمد كذلك على سرعة المراقب &وحركته واتجاهه ، والحال &هناك شعور بأن الماضي والمستقبل ثابتين بينما الحاضر متحرك لذلك يأخذ العلماء عامل الزمن بكليته&واكتماليته&باعتباره مروراً&مشهدياً&أو عرضاً&زمانياً&تجتمع فيه الأحداث الماضي والمستقبلية وهو مفهوم يطلق عليه العلماء تسمية " الزمن-الكتلة&temps-bloc"&أو كتلة الوقت&أو الأبدية&étérnalisme&أي ديمومة الزمن. إن هذا الوصف لطبيعة " الزمن" يستبعد كل ما يميز لحظة خاصة ، كالحاضر، وكل&السيرورات&التي تحول &الأحداث المستقبلية إلى أحداث&ماضوية&، وبتعبير أوضح ، إن الزمن كما يتصوره العلماء لا يمر ولا يجري ولا يتدفق.

فمفهوم التدفق مرتبط بمفهوم الحركة، فهل الزمن يتحرك فيزيائياً؟&قطعاً كلا.&&فالحركة تخص الكينونة الفيزيائية مثل السهم الذي ينطلق من القوس ، فهل يمكن تشبيه سهم الزمن بسهم&النشاب&أو القوس ؟ فنحن نشاهد تغيرات موقعه عبر فترات وقتية زمنية.&فبالنسبة إلى ماذا " يتحرك الزمن" لو اعتقدنا أنه ينتقل؟ فالحركات والتنقلات الأخرى مقترنة&بسيرورة&فيزيائية لجسم أو كينونة فيزيائية أخرى ، فما هي سرعة الزمن بالمقارنة بسرعة الضوء مثلاً، وهل لديه سرعة؟&

هناك الكثير من الظواهر في الطبيعة&لايمكن&عكسها &كتحطم بيضة مثلاً ، فالقانون الثاني للديناميكا الحرارية أو&الثرموديناميك&يلعب دوراً أساسياً بصبغه العالم بغياب التناظر أو التماثل&asymétrie&&وعدم التناسق على نحو واضح بين الماضي والمستقبل على محور الزمن . رغم شعورنا بأن سهم الزمن يؤشر نحو المستقبل لكن ذلك&لاينطوي&على أن السهم ينتقل أو يتحرك&نحو&المستقبل . فسهم الزمن يمثل عدم تناسق العالم داخل الزمن ، وليس عدم تناسق أو&لاتماثل&، أو تدفق ، للزمن نفسه.&فتعابير&&ماضي ومستقبل يمكن أن تطبق على&إتجاهات&أو إحداثيات&زمانية&على غرار &فوق وتحت التي تطبق على&إتجاهات&مكانية،&فتعابير&أو مفاهيم فوق وتحت المجردة بذاتها&لاتعني&شيئاً إلا إذا قرنت بمكان محدد، كأن نقول&فوق الطاولة أو تحت الطاولة مثلاً.&هناك الزمن الأرضي &الصالح &للأرض &فقط ويحدد بالثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع &والشهور والسنين، وهو نفسي ، معنوي ، سيكولوجي ،&وفزيولوجي،عصبي، وهناك زمن النظام الشمسي حيث تختلف الأيام والأسابيع والشهور والسنين بطولها ومدتها عما هي عليه على الأرض ، وهناك الزمن&الكوني المحدد بكوننا المرئي وهو المتداخل والمندمج مع المكان&–&الفضاء &في نسيج&الزمكانالآينشتيني، وهناك الزمن المطلق الذي لا نعرف عنه شيئاً الذي يحكم منظومة الأكوان المتعددة&اللامتنماهيةالعدد.&وهكذا يبدو لنا نحن البشر أن الزمن مفهوم ذاتي وليس مفهوم موضوعي.&

يتبع