ضمن ندوات المؤتمر&الرابع لـ"بلاتفورم دابران" والمؤتمر الثاني&للحركة النسوية التنويرية، اللذان&عقدا في اقليم كردستان&العراق/ محافظة السليمانية في 21و22 من&شباط، قدمت&(د.لينا&جميل جزراوي)،&الباحثة&من جامعة بترا/ عمان للأبحاث المعنية بحقوق الإنسان، ورقة بحثية مُميزة بعنوان (صورة المرأة بين الأسطورة والدين). وقد&أستنتجت&فيها، بصورة عامة،&على أن المرأة وصورتها بل وموقعها المجتمعي، كلها،&هي في النهاية،&أضحت&ضحية لأحكام&وتصورات&اسطورية وقيم&ومعتقدات&دينية&متزمتة، ومرد ذلك&كله،&برأيها،&التفسيرات المغلقة للدين من قبل الفاعلين الإجتماعيين&المعنيين&وتأويلاتهم المتهافتة،&التي تنتج&عن&هيمنة الأعراف والتقاليد وتغليب هذه الأخيرة على حساب التفكير العلمي بلحتى على&حساب&النصوص الدينية نفسها.&

&وبالفعل لايسع المرء إلا ان يتفهم ويشاطر&مثل هذه المقاربات&النقدية، وذلك&بإعتبار أن الإشكالية الأساسية في العالم العربي والإسلامي،&في&تناول&الكثير من القضايا السياسية والمجتمعية والثقافية&وليس قضية المرأة وحدها،&تكمن في إنعدام الرؤية العلمية الموضوعية المجردة من التفكير الإسطوري والديني المتطرف،&وغياب&الإحتكام الى العقلانية والحوار الهاديء والهادف&في&الوقوف على&معظم&قضايا الأمة الإسلامية.&

&&حتى هذه النقطة ليست ثمة&جدال&ما، ولكن المشكلة تبدأ عندما نقدم العلم،&في المقابل، وبشكل ضمني أو صريح، على أنه&الرهان&في&تدعيم قضية المرأة في كل كبيرة وصغيرة ويحقق&كل ما تتطلع اليه الحركات النسوية دون&أي حاجة&للتشكيك وفحص&فرضية&كهذه،&فحصاً&نقدياً.

&&&ولا&مراء&من&ان&العلم والتفكير العلمي، أمران في غاية الأهمية&في جملة من الأمور، أهمها&تصحيح&الأحكام والتصورات الخاطئة،&الناتجة عن&الأنماط المتزمتة من&التفكير الديني والأسطوري&حول المرأة، وتداعياتها&على العلاقات الإنسانية والحياة المجتمعية وأستقرارها، ولكن، مع ذلك، يقتضي أن نفهم أيضاً،&ان العلم،&لايمكنه&ان&يتخطى&مساره المرسوم،&أي الإشتغال على&المعطيات المحسوسة والمادية&والطبيعية،&التي&يخضعها للدراسة والفحص،&أو&الإستنتاج والكشف، فما بالك بتعاطيه&مع&ما يسيء اليه والى التفكير العلمي&ومناهجه&من قبيل الهواجس&الذاتية،&أو العواطف الأنسانية، أو&الطروحات الآيديولوجية، أو تلك الهموم الجندرية/النسوية التي تصدر&الكثير منها&عن خطاب راديكالي&وإنفعالي&حول قضايا المرأة ومكانتها الإجتماعية&دون&إيلاء الإهتمام المطلوب بمعرفة&طبيعة العلم&نفسه&وطرق إشتغاله ومآل&أهدافه.

&بمعنى آخر،&لا يمكن للعلم ان يواجه&القدر البيولوجي&والخصائص البيولوجية،&التي&تُشكل المصدر الرئيس لبعض الإختلافات المؤثرة على موقع&و وضعية&كلا الجنسين في&خارطة&الحياة الإجتماعية، وحتى&إذا ماافترضنا&تدخل&العلم&لصالح المرأة،&لا يرقى&الأمر&الى مستوى محو&ذلك القدر،&أو رفضه، أو عدم الإقرار به، وإنما المساعي الرامية، كلها،&لتحقيق المساواة بين الجنسين،&لا تصل، في النهاية،&الى&مرمى&ما&إلا من خلالطرق أخرى،&أبرزها، هي&النشاطات المدنية،&والعمل على&تنشيئة إجتماعية&حديثة&قادرة&على الحد&من&شوائب&التقاليد ومظالم&الإعراف والتفسيرات الدينية&الذكورية&المتجذرة،&التي تقلل من شأن&المرأة&ومكانتها الإجتماعية والإنسانية.&وهذا يعني، بجملة،&إذا&ما&اردنا&حقاً،&من العلم&ان يتدخل&تدخلاً ناجعاً&بخصوص&أي&قضية&من قبيل هذه القضايا، فلا&يكون&إلا&من هذا المدخل، أي&جعله&سنداً وحجة&موضوعية&في&تعرية ونقد&البنىالخرافية والأعرافية للخطاب الأسطوري والديني عن المرأة،&وبالتالي&إعادة صياغة الأدوار والوظائف الإجتماعية الموكلة على الجنسين من خلال اخذ خصوصياتهما&النسبية&بنظر الإعتبار وكشف&أي خطاب مبالغ فيه&قائم على أستغلال هذه الخصوصية لضرب المساواة الممكنة بين الجنسين.

&من جانب آخر، ينبغي أن نعلم أيضاً بأن أي استراتيجية لتغيير العقل الأسطوري والديني والذكوري تجاه المرأة، هي اليوم أمان تحدٍ كبير،يتمثل&هذا التحدي&أولاً&في كيفية تفكيك&بناء أزلي، بل&ميراث قُروني مُتراكم من التمييز المؤسس&والمتأسطر&بل المُتَفَلسَف منذ افلاطون(427 ق.م. - 347 ق.م) الى يومنا هذا..!، هذا&فضلاً&عن&التحدي المرتبط بتعدد الجبهات السياسية والمجتمعية المُدافعة عن هذا التمييز!.

& &&والعلم، بوصفه مقاربة واقعية ومادية لعالم الأشياء والظواهر وإدراك الأشياء&بحقيقتها وإنتاج المعرفة عنها، غير قادر على أن يؤدي&هذه المهمة خارج الإطر المسموحة التي تحافظ على&ماهيته&ووظائفه المتعارف عليها، كما&علينا&أن&لاننسى أيضاً ان&شروط مواجهة التمييز تجاه المرأة في عالمنا الإسلامي،&هي الأخرى،&غير متوفرة لا من قِبَل الأنظمة السياسية والإجتماعية&السائدة&ولا في مؤسسات التربية والتعليم والتعليم العالي،&والسبب واضع&للعيان،&هو أن دساتيرنا وقوانينا، عموماً،&قائمةأصلاً&على&توفيق&مخادع&بين الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والتقاليد المجتمعية المتوارثة، وسبب&الصورة المشوهة للمرأة في التصورات الأسطورية والدينية،&عائد&أساساً&الى هذا التناقض&في بنية مصادر النظم والقوانين المعمولة تجاه الحياة المجتمعية وصراعاتها ومشاكلها،والتي أدت في النهاية الى&تجذر&قواعد إجتماعية وثقافية عريضة&لممارسة شتى أنواع المآسي&والمظالم&بحق المرأة وفي المقابل&تسييد الخطاب الذكوري&على&مجمل&نظام التفكير والسلوك المجتمعي&في مجتمعاتنا.

&بعبارة أخرى،&ان&العلم،&هو،&في النهاية، وبطبيعة الوظيفة&والهدف،لا&يتخذ سوى موقفاً محايداً&أمام&الظواهر&إلا&بإستثناء&حالات، هي&ان تسود&طروحات وممارسات غير علمية في تقييم وتقدير الأمور&والأشياء،&وحتى على هذا المستوى،&الأمر مشروط&دوماً&بوجود علماء ومفكرون يتمتعون بالحد الأدنى من الجرأة والقدرة&لمواجهة الملفات والقضايا واثارتها، بما فيها&قضية المرأة طبعاً،&وذلك&بالحجج المعرفية والبراهين العلمية، لاسيما إذا ما أُستُهدفت&المرأة وقضيتها&بتسويغات مخادعة قائمة على أحتكار الحقيقة، أو بأسم العلم الشرعي،&أو التقاليد والأعراف، أو الموروثات الإجتماعية البالية.&وهذا يعني، من جملة ما يعنيه،&أن العلم لا&ولن&يدعي&التساوي والمساواة المسبق والمطلق بين الجنسين،&بل&ربما على العكس، يؤكد الإختلافات&بينهما&ولكن&من دون&مرامٍ استغلالية مُسبقة كما هو الحال مع دعاة الأصالة والخصوصية الثقافية في الحديث عن المرأة&وحقوقها.

&نعم&هناك&اليوم&العديد من النظريات حول إختلافات&الجنسين، ولعل الأشهر منها ما ذكره المؤلف والطبيب النفسي الأمريكي "جون غراي"&في&كتابه&المعنون"&Men Are from Mars, Women Are from Venus"، أي"&الرجل من المريخ والمرأة من الزهرة".&الذي صدر في&عام&(1992م)،&والذي&تناول&فيه المؤلف&المشاكل التي قد تحدث بين&الجنسين&نتيجة الاختلافات بينهم.&وقد&سلط الضوء في&هذا الكتاب&على معظم الاختلافات المعيشية والذهنية وأسلوب التفكير والاستجابة للمؤثرات الخارجية بالنسبة لكلا الجنسين.&ولاشك ان ثمة&كتب أخرى علمية على هذا المنوال&والإستنتاج&أيضاً، مما يعني أن العلم لايمكن أن يُشَكل الرهان الأول والأخير&لدعم مشروعية الدعوة الى المساواة،&أو&يمثل&الوسط&المنحاز لطرف ضد آخر، وانما&كل ما في إمكانه لا يتعدى&المساهمة&فقط في إصلاح وتصحيح الخطابات والممارسات التي بنيت على طريقة غير علمية.

& وهذه&المسلمة، بحد ذاتها، كافية&اليوم&لتوجيه الحركات&النسوية&بإتجاه&إعادة النظر في سياساتها ونشاطاتها، أو فرضياتها ومراهناتها، وبالتالي التوجه نحو العمل&على مشاريع ثقافية وتوعوية&في مجتمعاتنا وأقامة علاقات&وطيدة مع مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية&التقدمية، اليسارية منها والديمقراطية، وكذلك التنسيق مع&القوى الإجتماعية الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الإعلام الجماهيري والأعلام الجديد"New media"،&وكل ذلك&لتوفير متطلبات&الحصول على الدعم المجتمعي وتحقيق&العمل الجماعي وتوحيد الرؤى والمساعي والمشاريع الخاصة والمشتركة بإتجاه تغيير الواقع المزري الذي يعيشه المرأة في العالم الإسلامي.

•&كاتب واكاديمي- كُردستان العراق