عبد الرحمن الماجدي من بغداد: تقول نكتة عربية قديمة ( تشكلت لجنة عالمية للاستطلاع اراء الناس في كل من مجاهل افريقيا واوروبا ودولة عربية عن رأيهم بنقطاع الكهرباء؛ فاجاب الافارقة "كهرباء؟ مامعنى كهرباء؟" فيما اجاب الاوروبيون " انقطاع؟ مامعنى انقطاع؟" وأجاب العربي " رأي مامعنى رأي؟".

ترى لو سالت أي عراقي نفس السؤال عن رايه بانقطاع الكهرباء فبماذا سيجيب؟

سيصب، بالتأكيد، جام غضبه على الحكومة والاميركان. دون ان يستذكر حتى الانقطاعات التي كانت تحدث ابان عهد صدام بالكهرباء والرأي وسواهما.

العوجة

يقول جارنا انه صار يضبط ساعته على وقت انقطاع وعودة التيار الكهربائي حيث التقنين 2 في 4 الذي يعني ان التيار الكهربائي ينقطع ساعتين ويعود اربع. وهكذا طوال اليوم. انما هذا التقنين لاينطبق على جميع احياء العاصمة العراقية. حيث ينعم الكرخيون والقليل من احياء الرصافة بكهرباء طويلة الامد بلا انقطاع منذ منتصف الليل حتى الثامنة صباحا ليدخاوا اوقات التقنين 2 في 4 نهارا.

هذه القسمة جعلت سكان الاحياء التي لاتنعم باستمرار التيار ليلا (كما يفعل سكان الاورفلية تجاه حي الشماعية) يطلقون على الحي الذي لاتنقطع فيه الكهرباء ليلا "العوجة" نسبة لقرية العوجة مسقط رأس صدام حسين التي كانت تنعم بما يحرم منه معظم سكان العراق.

حفلة شواء

درجة الحرارة اليوم تزيد على الـ 55 درجة مئوية في بغداد والحر يشوي الوجوه تحت شمس نبهني احد سواق التاكسي الى بقائها عمودية منذ العاشرة صباحا حتى الرابعة عصرا الامر الذي لم يكن ليحدث قبل سقوط نظام صدام. فأجبته ان شمس بغداد تحررت من الخوف مثل اهل العراق فراحت تطيل فترات خروجها من المنزل السماوي.

المراوح اليدوية راجت تجارتها فبات صاحب البيت يقدم لضيفه مروحة يدوية قبل أي ضيافة اخرى ليجاهد بها موجة الحر اذا توقفت مبردة الهواء او المكيف الذي تملأ اسواق بغداد الكثير من احجامه وبأسعار تشجع الكثيرين على شرائه.

معظم السيارات مزودة بجهاز تبريد لايحبذ العراقيون تشغيله خشية ان يؤثر على محرك السيارة كما يجيب معظم السائقين!

فتضطر لفتح نافذة السيارة لتستقبل رياح السموم الذي يسقط شعر الشارب (المقدس لدى معظم العراقيين) كما اخبرني جليسي كبير السن لشدة حرها ومدى تأثيرها في الوجه الذي تلفحه بلا رحمة فتشويه وتجففه في ثوان معدودات.

فلا مناص من شراء مولد كهرباء يتفاوت حجم تزويده بالطاقة اثناء فترة التوقف فراجت تجارة المولدات التي ينسب البعض اعمال تخريب المحطات الكهربائية لتجارها اذ استمرار الانقطاع سيلجيء الناس لهم. وهي ذات التهمة التي تنسب لاصحاب شركات النقل البري للمسافرين في مهاجمة مطار بغداد الدولي كي يضطر المسافر لاستخدام باصاتهم وتاكسياتهم عبر الحدود وضمن اسعارهم.

نوم السطح

في الليل لامشكلة لدى البغداديين ومعظم العراقيين مع الحر اذ المبيت على السطوح يكسب النوم بهجة اثناء هبوب نسمات الهواء التي تزداد برودة كلما تأخر ساعات الليل. انما القلق على محتويات الثلاجة المنزلية التي قد يفسدها انقطاع وعودة التيار الكهربائي التي حل مشكلتها اقتصار تشغيل المولد عليها اثناء النوم ليلا.

توضيحات

وزارة الكهرباء تحاول جاهدة توضيح اسباب الانقطاع للمواطنين الذين يصر الكثير منهم على قصدية الحكومة قطع التيار الكهربائي من اجل اشغال الناس بمشكلتها ولاتفكر او تنتقد الحكومة دون ان يتنبه احد الى ان الانقطاع يثر حقد وانتقاد العراقيين تجاه الحكومة. فحين يقول احد المسؤولين في وزارة الكهرباء ان اسباب الانقطاع ناتجة عن اعمال التخريب يقول العراقيون ارونا تلك الاعمال لنصدق. او اجلبوا لكل حي مولدة كبيرة غير مبالين بالاصوات التي تنتجها المولدات والوقود ومخلفاته التي تنتج عنها.

العويسات والروس

محطة اليوسفية اكبر محطة توليد الطاقة الكهربائية ومن المقرر التي توفر الكهرباء لكل العراق وربما يتم تصدير الفائض منها للخارج حيث تضم 12 وحدة كان العمل جاريا لاستكمال الوحدة الاولى منها واعطاء عقود باطن لشركات المانية وفرنسية لاكمال الوحدات الاخرى. لكن ماحدث للخبراء الروس المشرفين عليها اوقف امكانية تخفيف و استمرار التيارر الكهربائي بانسيابية كبيرة.

تقع المحطة في منطقة عشائرية قامت عشيرة العويسات بحمايتها ابان احداث السلب والنهب بعد سقوط النظام في العام الماضي. وقد اشترطت تلك العشيرة ان يكون العمال من افرادها من اجل السماح للخبراء بمزاولة اعمالهم فيها. فكان لهم ذلك لكن واجهت الخبراء مشكلة تشغيل الاختصاصيين العراقيين اذ ان كل افراد العويسات في تلك المنطقة، التي ترتبط اجتماعيا مع قبائل الرمادي، من الاميين ولا يصلحون سوى للاعمال التي لاتتطلب مهارة فاضطرت ادارة الشركة الروسية لاستحصال موافقة العويسات لتشغيل أي مهندس او مترجم عراقي معهم.

يعمل في المحطة الالاف من العراقيين معظمهم من القبائل التي تحيط بها خاصة العويسات التي جاء احد افرادها ذات يوم حاملا معه حقيبة ملئية بمادة التي ان تي ووضعها اسفل كرفان المدير الروسي صارخا بالمترجم " ليشغلني فورمان او افجر المكان" فتم تشغيلة مدير عمال حسب رغبته التفجيرية. وكثيرا ماتتم مهاجمة المحطة بالهاونات ليلا ، التي كادت الوحدة الاولى منها ان تكتمل لولا خطف وقتل بعض الخبراء الروس تحت تهديد مغادرتهم العراقز فتوقف كل شيء بالمحطة وانقطعت ارزاق المهندسين والعمال والمترجمين فيها ليتوسل العويسات عودة الخبراء بعد ان ضاقت عليهم المعيشة. انما الخبراء طالت فترة مغادرتهم ويأملون ان تساهم اكثر من وزارة عراقية في تسيير عملهم كما ابلغني المترجم محمد كاظم الذي اتصل بالمدير الروسي هاتفيا.

حديث الكهرباء يبدا به العراقيون يومهم وينهونه. فكم من الاحاديث المؤجلة بعد حل مشكلة الكهرباء سيطرقها العراقيون؟