الصينيون حاولوا الحصول على موقع في المنطقة العربية:
ما بين بكين و الرياض شيء من التاريخ
د.عبدالله المدني:حاول الصينيون بحماس منذ خمسينات القرن الماضي إيجاد موقع قدم لهم في المنطقة العربية من اجل تأسيس نفوذ سياسي في مواجهة النفوذ الغربي أولا ثم النفوذ السوفياتي لاحقا. و شملت محاولاتهم منطقة شبه الجزيرة العربية، و تحديدا المملكة العربية السعودية باعتبارها الكيان المستقل الوحيد في الخليج و الدولة الأكثر نفوذا و تأثيرا فيه.
وتذكر المصادر التاريخية أن أولى محاولات الغزل تجاه الرياض كانت قيام وسائل الإعلام الصينية الرسمية بإبراز دعم بكين للمملكة ضد بريطانيا حول قضية واحة البريمي. وقد تكرر هذا الغزل مرة أخرى في عام 1962 حينما أفردت الوسائل نفسها حيزا كبيرا لتثمين الموقف السعودي من الحرب الحدودية الهندية ndash; الصينية و التي امتنعت الرياض فيها عن التنديد ببكين رغم سياساتها المناهضة للأنظمة الشيوعية عموما.
و كان قد سبق كل هذا محاولة صينية لإقامة روابط مع الرياض تحت ستار بحث أمور الحجيج الصينيين، و ذلك حينما طلب رئيس الحكومة الصينية الأسبق quot; تشو اين لايquot; وساطة مصر من اجل جمعه بوزير الخارجية السعودي الأمير (الملك فيما بعد) فيصل بن عبدالعزيز على هامش قمة باندونغ 1955 .
غير أن كل هذه المحاولات لم تجد آذانا صاغية في المملكة التي كانت قد اعترفت بتايوان و بدأت بتعزيز روابطها معها كممثلة وحيدة للشعب الصيني، انطلاقا من سياساتها المناهضة للأنظمة الثورية الراديكالية المسببة للقلاقل. و مع محاولات الأخيرة مد نفوذها في الجزيرة العربية عبر مساعدة الحركات اليسارية في ظفار و تعزيز موقعها في العالم العربي عبر دعم الفصائل الفلسطينية الراديكالية، لم يكن بالامكان حدوث أي تطور ايجابي ما بين البلدين. بل حتى حينما تخلت بكين عن بعض من خطابها الثوري الراديكالي ndash; و بما انعكس سلبا على مساعداتها للجماعات الثورية العربية ndash; و بدأت بسياسة جديدة قوامها التعايش مع الآخر المختلف أيديولوجيا، فان ذلك لم يثمر مباشرة عن زوال شكوك الرياض تجاهها، وان سمح لها بتواجد دبلوماسي و نشاط تجاري في الخليج عبر البوابة الكويتية.
وهكذا استمرت حالة القطيعة ما بين الطرفين إلى أن جاء وقت احتاجت فيه المملكة إلى امتلاك صواريخ باليستية لتعزيز دفاعاتها الجوية في مواجهة أخطار الحرب العراقية ndash; الإيرانية، و التي لم يكن بامكان المملكة أن تحصل عليها من الغرب كنتيجة لمعارضة اللوبيات الصهيونية في واشنطون. فكانت الصفقة السعودية - الصينية التي فاجأت الجميع في منتصف الثمانينات، و التي قيل أن الصين زودت المملكة بموجبها بستة و ثلاثين صاروخا بقيمة 3.5 بليون دولار.
هذه الصفقة كانت البداية للمزيد من الاتصالات الثنائية التي توجت بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة في يوليو 1990، ليتبعها نشاط محموم في الاتجاهين، تمثلت في تبادل الزيارات الرسمية على مستوى الوزراء و نوابهم (بدءا بزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى بكين في سبتمبر 1990 ) و إقامة المعارض التجارية و تأسيس جمعيات الصداقة و تشكيل اللجان المشتركة حول التجارة و التعاون الاقتصادي و التبادل التكنولوجي. و جاءت الزيارة التاريخية للرئيس الصيني جيانغ زيمين إلى الرياض في أكتوبر 1999 ، و زيارتا الملك عبدالله (حينما كان وليا للعهد) و ولي العهد الأمير سلطان (حينما كان نائبا ثانيا لرئيس الوزراء) إلى بكين في أكتوبر 1998 و أكتوبر 2000 على التوالي لتعطي دفعة قوية لعلاقات البلدين و لتنقلها إلى آفاق أرحب في مختلف المجالات، لعل ابرز تجلياتها هو الاتفاقية التاريخية التي وقعتها المملكة مع شركة سينوبيك الصينية العملاقة في مارس 2004 حول السماح للأخيرة بالتنقيب عن الغاز و إنتاجه في صحراء الربع الخالي.
*باحث و محاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي
التعليقات