توفي يوم الأحد، 22 من ديسمبر/ كانون الأول 2024، رجل الأعمال المصري والقيادي في جماعة الإخوان المسلمين، يوسف ندا، عن عمر ناهز 94 عاما.
كان ندا قد غادر مصر منذ عقود لكن استمرت علاقته بالجماعة، وتوفي حيث كان يقيم في بلدة "كامبيوني" بمقاطعة "كومو" الإيطالية، وكان يحمل الجنسية الإيطالية، إلى جانب جنسيته المصرية.
ونعت جماعة الإخوان المسلمين، بجناحيها المتصارعين، القيادي الراحل الذي شغل سابقا منصب مفوض الشؤون الدولية والعلاقات الخارجية بالجماعة، والذي يلقبه البعض بـ"مؤسس الإمبراطورية المالية" لجماعة الإخوان.
يشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين مصنفة من قبل الحكومة المصرية جماعة إرهابية منذ عام 2013، وعلى خلفية الأزمة التي تعيشها الجماعة - منذ إزاحة الجيش المصري للرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي للجماعة استنادا لمظاهرات شعبيه ضده - انقسمت قبل سنوات إلى جناحين: جبهة اسطنبول التي يقودها محمود حسين كقائم بأعمال المرشد العام للجماعة، بينما يقود صلاح عبدالحق الجناح الآخر، جبهة لندن أو ما كان يعرف سابقا بجبهة إبراهيم منير، كقائم بأعمال المرشد العام في الوقت ذاته.
من هو يوسف ندا؟
ولد يوسف ندا في مدينة الإسكندرية شمالي مصر عام 1931، في أسرة ميسورة الحال حيث كان والده يملك مزرعة ومصنعا لمنتجات الألبان.
تلقى تعليمة الابتدائي والثانوي في مدارس حي الرمل، والتحق بكلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، ليتخرج منها في الخمسينيات من القرن الماضي.
انضم لجماعة الإخوان في مرحلة مبكرة من عمره، وكان ذلك عام 1947، وانخرط في "أعمال المقاومة المنظمة ضد الاحتلال البريطاني في منطقة قناة السويس عام1951"، وفقا لما ذكرته جماعة الإخوان.
اعُتقل مع كثير من عناصر وقادة الجماعة، بعد اتهامهم في قضية محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل، جمال عبد الناصر، في ميدان المنشية بالإسكندرية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1954، وهي الحادثة التي يقول معارضو عبدالناصر إنه اصطنعها في مسعى لتصفية الجماعة وتعزيز قبضته على السلطة آنذاك.
قضى يوسف ندا ما يقرب من عامين في السجن، وأُفرج عنه في أبريل/ نيسان من عام 1956 دون توجيه أي اتهام أو صدور أي حكم عليه.
بدأ ندا نشاطه الاقتصادي بعد خروجه من السجن مباشرة في عام 1956، حيث تعاقد مع بعض الشركات النمساوية والسويسرية لتصدير منتجات الألبان.
في عام 1960 قرر نقل نشاطه المالي من مصر، حيث توجه إلى ليبيا ومنها إلى النمسا ثم دول أوربية أخرى، وتوسع نشاطه في التجارة الدولية، ولُقب في نهاية الستينات بـ "ملك الإسمنت في منطقة البحر المتوسط".
كان ندا يتمتع بعلاقات دولية واسعة، وله صلات قوية بالعديد من المراكز الإسلامية في أوربا والمنظمات الخيرية والحقوقية حول العالم.
استقر به الحال في نهاية المطاف في إيطاليا، التي حصل على جنسيتها وتوفي بها.
دوره الاقتصادي
اشتهر ندا في عالم المال والأعمال وأسس العديد من الشركات، حيث أسهم بالتعاون مع الأمير محمد بن فيصل، نجل ملك السعودية الراحل فيصل بن عبدالعزيز، في تأسيس بنك فيصل الإسلامي المصري في سبعينيات القرن الماضي، وكان صاحب أكبر حصة فيه بعد وزارة الأوقاف المصرية، كما أسس بنك التقوى الإسلامي في جزر الباهاما عام 1988 وأصبح رئيسا لمجلس إدارته.
وكان بنك التقوى أول بنك إسلامي يعمل خارج الدول الإسلامية، واستطاع تحقيق مكاسب كبيرة في سنواته الأولى.
لكن الحكومة الأمريكية اتهمت بنك التقوى وشركات أخرى بدعم الإرهاب، على خلفية هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ومن ثم وضعت اسم يوسف ندا على قوائم داعمي الإرهاب.
وفي سبتمبر/ أيلول من عام 2009، شطب مجلس الأمن الدولي اسم يوسف ندا من قائمة الداعمين للإرهاب، بناء على طلب من سويسرا، وذلك بعد عدم توافر أدلة ضده.
ورغم أن مجلس الأمن شطب اسمه من الداعمين للإرهاب، لكن الإدارة الأمريكية رفضت شطبه من "القوائم السوداء".
تلقى حكما غيابيا بالسجن لمدة 10 سنوات من السلطات المصرية عام 2008، في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، في محاكمة عسكرية استثنائية مع 39 من قيادات الإخوان.
جاءت تلك المحاكمة على خلفية العرض الرياضي الشهير، الذي أقامه طلاب الإخوان في جامعة الأزهر الشريف، وهم يرتدون ملابس وصفت بأنها ملابس عسكرية.
وفي عام 2012 أصدر الرئيس الراحل محمد مرسي عفوا عاما عنه.
استبعدت الحكومة المصرية اسم يوسف ندا من قوائم الإرهاب، ضمن 716 شخصا، في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، الأمر الذي أثار انتقادات من قبل خصوم جماعة الإخوان، لكن ما لبثت أن أعادته مرة أخرى على قوائم الإرهابيين بعد أقل من شهر، وذلك في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الجاري 2024، حيث أدرج على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات إلى جانب 76 متهماً آخرين، استنادا لحكم من إحدى محاكم الجنايات المصرية.
تمويل الجماعة
مع توسع نشاطه، أصبح يوسف ندا شخصية بارزة في عالم الاقتصاد والمال في أوروبا، ودول العالم الإسلامي.
وتفيد تقارير بأنه أسس عدة شركات وأدارها لحساب جماعة الإخوان المسلمين، وكان له دور بارز في تمويل أنشطة الجماعة.
وعقب وفاته، وصفته وسائل إعلام مصرية مؤيدة للحكومة بأنه "مؤسس الإمبراطورية المالية" للجماعة.
أدين يوسف ندا بتهم تمويل عمليات إرهابية في مصر لحساب جماعة الإخوان، لكن منتقدين يشككون في نزاهة القضاء المصري ويعتبرون تلك الأحكام سياسية بالأساس.
في مقابلة مع تلفزيون بي بي سي عربي عام 2009، نفى يوسف ندا تماما تمويله للجماعة في أي يوم من الأيام، لكنه أكد في الوقت ذاته "أن كل دولار في جيبي ملك للإخوان إذا أرادوا".
وأكد ندا أن الجماعة لم تطلب أي أموال من أفرادها خلال 60 عاما " فترة تواجدي بالجماعة"، وأن لا أحد في الجماعة طلب منه سابقا أي أموال.
إلا أنه شدد على استعداده الدائم لتمويل الجماعة، إذا احتاجت ذلك.
من سيخلفه في إدارة أموال الجماعة؟
يرى مراقبون أن رحيل يوسف ندا سوف يسبب ارتباكاً، بشأن إدارة الأنشطة الاقتصادية للجماعة خارج مصر، خصوصاً في ظل ما تعانيه من مصادرة أموال وتضييق عليها واعتقال قياديها في الداخل.
وليس من الواضح بعد الشخص الذي سوف يحل محل ندا في إدارة الأنشطة الاقتصادية، وهل سيكون من بين أبنائه، أم من قيادات أخرى تابعة للجماعة.
يرى اللواء محسن الفحام، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق في مصر، أن هناك من يقوم بالفعل بهذا الدور حالياً ولكن بشكل غير معلن - حتى في الوقت الذي كان ندا يتصدر فيه المشهد - وهو القيادي الإخواني، أسامة فريد عبد الخالق، المقيم في لندن، والذي يعتبر "المسؤول عن إدارة أموال الجماعة وخزائنها في أوروبا، وكافة أنشطتها الاقتصادية هناك"، حسب قوله.
وقال الفحام، في تصريحات صحفية، إن "أسامة فريد عبدالخالق هو المرشح الأقوى لتولي إدارة أموال الجماعة خلال المرحلة القادمة، نظرا لدائرة علاقاته واتصالاته الواسعة في أوروبا".
التعليقات