في الوقت الذي يحتدم فيه الجدال السياسي داخل العراق حول مدى جدية وضرورة تصويت عراقيي الخارج وحصتهم في مقاعد مجلس النواب التي يرون أنّها قليلة، يكشف عضو مجلس المفوضية العليا للانتخابات والناطق الرسمي بإسمها سابقًا الدكتور فريد أيار لـ quot;أيلافquot; الكثيرمن الملابسات واسرار عمليتي التصويت خارج البلادوالتقارير المضللة التي اصدرتها منظمة الهجرة الدولية التي نظمت عمليتي الانتخابات هناك مطلع وأواخر عام2005.

يقول أيّار في مذكرات ستصدر قريبًا بعنوان quot;سنوات القدر... رؤية من داخل الانتخابات العراقية 2004-2006 quot; عن اسرار ومجريات وتداعيات عمليتي الانتخابات العراقية في الداخل والخارج، وخص بها quot;ايلافquot; قائلاً إنّ منظمة الهجرة الدولية التي كلفت بتنفيذ انتخابات الخارج التي جرت الاولى منها في 30 كانون الثاني (يناير) عام 2005 والثانية في 15 كانون الاول (ديسمبر) من العام نفسه قد اهدرت اموالاً كبيرة وصرفت مبلغ 75 مليون دولار على انتخابات لا تكلف اكثر من 15 مليون دولار، اضافة الى الارقام المضللة التي قدمتها عن عدد الناخبين والمصوتين فعلاً.

ويشير الى ان المنظمة ذكرت انه تم التخطيط لتأسيس 48 مكتبًا موزعة على 40 موقعًا في 14 بلدًا لخدمة الناخبين والمقدر عددهم بـ1,277,331 ناخبًا.. ويعلق على ذلك قائلاً quot;ينتاب المرء القرف عندما يقرأ هذا الرقم المضلل لأنه قد ظهر في النهاية ان 20% من هؤلاء فقط قد اقترعوا وان المصادر التي ذكرتها المنظمة اما انها غير موجودة اصلاً او انها غير معنية باعداد العراقيين الموجودين في تلك البلدان .

انتخابات الخارج لم ينصّ عليها قانون ادارة الدولة
ويوضح ايار في مذكراته انه لم يدر بخلد واضع قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية وفيه مواد تتعلق باجراء الانتخابات ان يتحدث او يشير بكلمة واحدة الى انتخابات الخارج (Out Country Voting) التي تختلف بشكل كبير عما يجري بالداخل وفيها من التفصيلات والصعوبات التي تؤثر في الكثير من الاحيان على انتخابات الداخل المهمة والكبيرة.

واضاف انه يبدو ان المشرع ادرك هذه الصعوبات فلم يشر إليها في القانون المذكور والذي اعتبر كدستور لتسيير العراق في فترة معينة مواكبة للكثير من دول العالم المتحضر التي لا تعترف بانتخابات الخارج ولا ترى اي جدوى في صرف الاموال والجهود الكبيرة لها، فالمواطن الذي يعيش في الخارج ويود المشاركة في الانتخابات عليه السفر الى بلده وفعل ما يشاء وهذا ما تم مثلاً في الانتخابات اللبنانية التي جرت منتصف عام 2009 ونجحت نجاحًا باهرًا حيث شارك فيها الكثير من اللبنانيين الذين قدموا من الخارج للمشاركة في الانتخابات وزياره اهلهم والاطلاع على احوال بلدهم .

ويشير الى انه اثناء تأسيس المفوضية وبدء عملها لم يتحدث احد من اعضاء المجلس عن هذه الانتخابات لكنه بدأت بعد ذلك تلوح عند بعض القادة السياسيين الجدد مسألة اجراء انتخابات في الخارج ايضًا وبشكل متواز مع الداخل غير مدركين اطلاقًا صعوبات ذلك، ولا سيما لبلد خرج لتوه من نظام توتاليتاري كانت مسألة تهجيره للمواطنين احد مميزات عهده. وقد رأت بعض الاحزاب والكيانات السياسية المؤلفة حديثًا في اصوات عراقيي الخارج دعمًا لها، فالاحزاب الدينية ولا سيما المنضوية تحت راية الائتلاف العراقي الموحد وجدت في المرحلين والمبعدين الى ايران، انكلترا، السويد والمانيا وايضاً المهاجرون الشيعة الى دول الغرب ذخرًا لهم في كسب المقاعد النيابية فيما كانت الاحزاب العلمانية واهمها ائتلاف القائمة العراقية برئاسة الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء تعتقد ان العراقيين الموجودين في بلدان الاغتراب هم من الفئات المثقفة التي ابعدها الرئيس السابق صدام حسين او التي هربت من العراق بعد الاحتلال سيساندون هذه القائمة ويكسبون المقاعد لها.

سياسيون ارادوا انتخابات الخارج لاهداف حزبية
ويوضح ايار ان الكثير من السياسيين كانوا في المراحل الاولى للعملية الانتخابية يتحدثون مع اعضاء مجلس المفوضين عن ضرورة اجراء انتخابات في الخارج ايضاً وبعضهم كان يغلف رغبته الحقيقية في الحديث عن (حق) من هم في الخارج بالمشاركة في العملية السياسية وضرورة اشعارهم بعراقيتهم الى ما شابه ذلك من نظريات مثالية،تقابله حملة صراخ من بعض العراقيين في الخارج وتحت اسماء منظمات وهمية مؤلفة في بلدان الاغتراب بحقهم في الاقتراع، فيما كان الهدف الحقيقي ايجاد مورد عمل لهم ولو بشكل موقت وهذا ما ادركته بشكل واضح في الانتخابات الثانية.

واضاف ان المجلس استدعى بعد ان مال توجه الاعضاء نحو، اجراء مثل هذه الانتخابات، الخبير الدولي كارلوس فلانزويللا لسماع رأيه حيث اشار الى ان الامم المتحدة غير مستعدة للدخول في مثل هذا الامر وهي لا تشجع على اجراء انتخابات في الخارج، وبيّن ان مطالبات تأتي دومًا من الدول التي تتحرر حديثًا وتسير في طريق الديمقراطية المتواضعة وقد حصل الشيء نفسه في افغانستان، اما في الدول ذات الديمقراطيات الراسخة فإنّ الانتخابات تحصل في الداخل فقط، وان اراد شخص أن يعيش خارجًا ان يدلي بصوته فعليه ان يأتي الى بلده ويفعل ذلك .

وقد حسم فلانزويلا الامر قائلاً لو اراد اي عراقي المشاركة في العملية الانتخابية القادمة فالافضل له ان يأتي الى العراق ويدلي بصوته، ذلك لأن هناك الكثير من الاسباب التي تحول دون السير في هذا الاتجاه وكرر ان الامم المتحدة لا تحبذ فكرة اجراء مثل هذه الانتخابات في الوقت الحاضر على الاقل. ويضيف ايار ان الامم المتحدة كانت تكرر القول بأن التصويت خارج العراق في اطار الانتخابات المقرر اجراؤها في كانون الثاني-يناير 2005 ليس خيارًا محبذًا، وكان التحفظ الرئيس هو تأثير مثل هذه العملية في الظروف الراهنة باتجاه النيل من شرعية العملية الانتخابية الكبرى في الداخل اذ يمكن ان تحصل في عمليات التصويت في الخارج اعمال تزوير يمنح الكيانات السياسية المتنافسة مسوّغًا للطعن بنتائج الانتخابات ككل.

تكليف منظمة الهجرة الدولية بإنتخابات الخارج
ويضيف ايار في مذكراته ان الاجتماعات التي عقدها مجلس المفوضين بحضور العضو الدولي كارلوس فلانزويللا لم تصل الى نتيجة بشأن انتخابات الخارج فقد بقيت اكثرية اعضاء المجلس على موقفها بشأن عدم اجراء مثل هذه الانتخابات التي ستتحمل نتائجها المفوضية وهنا اقترح فلانزويللا حلاً وسطياً بتكليف منظمة الهجرة الدولية IOM القيام بهذا العمل بعد استبعاد امكانات قيام المفوضية بذلك وحيدة او تكليف السفارات العراقية بهذه المهمة وهذا ما سيفقد استقلالية المفوضية والسماح لدوائر حكومية تابعة للدولة التدخل في اهم شؤون المفوضية المستقلة للانتخابات. وقد كان دأب الامم المتحدة ابتعادها عن اي شأن او عملية لا تتأكد من نجاحها 100% ولأن انتخابات الخارج كانت عملية فيها مخاطر عديدة، فإنَّ الامم المتحدة اعتذرت عن ذلك.

ثم عقد مجلس المفوضين مع هذا الشخص اجتماعات عدّة صباحية ومسائية، واتذكر أنّه كان يتحدث بطريقة متعالية ويكرر أنَّ هذه المهمة مستحيلة، ليبعث الرعب في قلوبنا، ثم يطرح حلولاً للخروج من هذه الاستحالة... كان يكرر ان الوقت لا يسمح باجراء الانتخابات في الخارج ثم يقول قد نستطيع اجراء الانتخابات في عدد من الدول وهكذا كان يناور ويؤثر نفسيًا على اعضاء المجلس للوصول الى ما يريد . لكنه وخلال ايام قليلة وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2004 وقّع الطرفان مفوضية الانتخابات ومنظمة الهجرة مذكرة تفاهم لتحكم عملية التعاون في تنظيم برنامج التصويت خارج الدولة من اجل انتخابات المجلس الوطني ومن خلال اعادة التأكيد على حق الشعب العراقي بموجب قراري مجلس الامن الدولي رقم 1483 ورقم 1511 في تحديد مستقبله السياسي بحرية تامة.

وقد طالب اربن في مفاوضاته بمبلغ 92 مليون دولار لاجراء الانتخابات في (14) دولة اعتبر ان فيها مجموعات عراقية اكثر من غيرها وقدر عدد الناخبين باكثر من مليون وربع المليون في هذه الدول. وحددت المذكرة دفع هذا المبلغ الطائل على اقساط مختلفة في الفترة ما بين 22 تشرين الثاني نوفمبر 2004 على ان ترسل المفوضية القسط الاخير في 1 كانون الثاني- يناير 2005 وان اخفقت المفوضية في السداد فإنّ ذلك يعني التأثير على قدرة المنظمة على تحقيق اهداف البرنامج .

منظمة الهجرة اهدرت اموالاً من دون رقابة عراقية
ويوضح ايار ان من المسائل التي لم تتضمنها المذكرة هذه عدم وجود بنود لمراقبة عمليات الصرف من قبل الجانب العراقي وهذا ما سيظهر فيما بعد، حيث اهدرت المنظمة بشكل لا يوصف وصرفت مبلغ يقارب (75) مليون دولار على انتخابات كان يمكن الا يصرف عليها اكثر من (15) مليون دولار .

ويؤكد ايار قائلاً quot;بالنسبة إلي ينتابني الحزن كلما عادت الى ذهني هذه المسألة علمًا بان مجلس المفوضين لم يجد اي منفذ سوى الاعتماد على هذه المنظمة التي جاءت بتوصية من قبل الامم المتحدةquot;. ويشير الى انه في تقرير اصدرته منظمة الهجرة الدولية بتاريخ 1 شباط/فبراير 2005 فإنها قد اشادت باعمالها اشادة لا مثيل لها وعكست الاخطاء والحسابات غير الواقعية في عدد الناخبين وغيرها وكأنها نجاحات كبرى وهي محاولة واضحة لتبرير مدى الفشل الذي رافق عملية الانتخابات في الخارج.

ويضيف ان مذكرة موازنة انتخابات الخارج للمنظمة قد اعتمدت على اعلى تقديرات لتعداد المواطنين العراقيين في (14) دولة وتبلغ تلك التقديرات نحو 3 مليون نسمة وتزيد اعمار نحو 50% من هؤلاء العراقيين عن 18 عامًا بما يمثل نحو 1.5 مليون ناخب محتمل... ويمثل الناخبون الذين يحضرون مراكز الاقتراع 66% من ذلك اي نحو مليون ناخب. ويشير الملحق ان الكلفة التقديرية للناخب تبلغ نحو 50 دولارًا اميركيًا من دون عملية التأمين مما يجعل الكلفة الاجمالية للعملية تصل الى 50 مليون دولار. كما قالت المنظمة ان متوسط تكلفة تأمين العملية في كل دولة تبلغ 3 مليون دولار اميركي مما يجعل التكلفة الاجمالية للتأمين في 14 دولة تصل الى 42 مليون دولار وهكذا باضافة هذا المبلغ الى الـ50 مليون تكون الكلفة الاجمالية لبرنامج التصويت خارج العراق 92 مليون دولار.

واضاف ان منظمة الهجرة الدولية قد اختارت الدول التالية لاجراء الانتخابات فيها وهي (استراليا، كندا، الدنمارك، فرنسا، المانيا، ايران، الاردن، هولندا، السويد، سوريا، تركيا، الامارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الاميركية). اما مفوضية الانتخابات فلم يكن امامها الا القبول بما تفرضه وتمليه عليها هذه المنظمة، وان كل ما استطاعت فعله ان غيرت النرويج الى فرنسا التي ظهر فيها ان عدد المصوتين كان الاقل بين الدول المختارة.

وعما اذا كان التصويت خارج العراق قد حقق اهدافه، يؤكد فريد ايار انه اثناء عملية التصويت في الخارج التي استمرت ثلاثة ايام وتم اغلاق الاقتراع فيها في 30 كانون الثاني- يناير 2005 دارت العديد من النقاشات في مجلس المفوضين او بين اعضاء المجلس منفردين، فبالنسبة إلي كنت اؤمن وما زلت بان هذا البرنامج الذي ظهر فيما بعد انه كلف خزينة الدولة مبالغ طائلة، لا اهمية له سواء بالنسبة إلى العملية الانتخابية برمتها او بالنسبة إلى البلد ككل وان انتخابات الخارج مضيعة للوقت والمال ايضاً.

منظمة الهجرة ظللت في اعداد الناخبين
ويشير ايار في مذكراته الى انه وعلى الرغم من ان التقرير الذي اصدرته منظمة الهجرة الدولية بتاريخ 1 شباط - فبراير 2005 ذكر ان برنامج التصويت شهد اقبالاً بلغ 265 الفًا و148 ناخبًا او ما يساوي 93,6% من اجمالي المسجلين، فإنَّني اعتبر هذا القول نوعًا من التمويه على القارئ او المسؤول الذي يقرأ هذا التقرير ذلك لأن عدد الذين صوتوا هو حوالى 265 الف مقترع في 14 دولة هو عدد قليل جدًا قياسًا لما وعدت به المنظمة المذكورة وصرفت الملايين من الدولارات من خزينة الدولة اذ كانت هذه المنظمة قد اشارت الى ان عدد المقترعين هو مليون و277 الفًا و331...

ويضيف انه ولأن المال العراقي كان متوفرًا وسائبًا بيد هذه المنظمة فقد افتتحت اولاً وكما جاء في التقرير الذي اصدرته مراكز لاستقبال مليون و200 الف من العراقيين للتسجيل وعددها 807 مراكز ولكنها عادت فقلصت هذه المراكز الى 358 مركزًا بعد ان ظهر ان عدد المسجلين هو 280 الفًا و303 ناخب. وبذلك هدرت الكثير من الاموال نتيجة الاخطاء في حساباتها.

ويضيف ايار انه وفي تبرير غير مقبول وفي محاولة من المنظمة القاء اللوم على مجلس المفوضين، فإنَّها وضعت في تقرير لها المسؤولية على مفوضية الانتخابات حيث اشارت الى انها اعلمت المفوضية بالمخاطر الكبيرة والعيوب التي تصاحب اجراء عملية كهذه في كافة انحاء العالم وفي هذه الفترة الزمنية، وعلى الرغم من ذلك، قررت المفوضية ان توفّر فرصة انتخاب العراقيين في الخارج يتعدى هذه المخاطر والتحديدات. ويوضح ايار انه quot;لا يمكن للمرء الا ان يستنتج مما قالته هذه المنظمة الا كونه نوعًا من التملص من المسؤولية والقاء تبعاتها على المفوضية ولكن وفي الوقت ذاتهيعتبر ايضًا اقرارًا منها بفشل العملية برمتها، على الرغم من تكرار ادعاء التقرير بنجاحها، اذ لا يمكن لأي عاقل ان يقر بنجاح عملية شارك فيها 265 الف ناخب في حين كان المتوقع ان يكون العدد مليون و277 الف ناخب تقريبًاquot;.

حـالات تـزوير متعـددة
ويقول ايار ان المنظمة اعترفت في تقريرها حول انتخابات الخارج بوجود حالات من التزوير المتعمد منها محاولة محو الحبر من الاصبع بعد الاقتراع نظرًا لاستعمال حبر سيئ الجودة، ومحاولة بعض موظفي الاقتراع لبس زيهم الوطني اثناء عملهم في مراكز الاقتراع حيث يعتبر ذلك نوعًا من التأثير النفسي على الناخبين، وكذلك محاولة التصويت بالانابة اذ حصل في دولة الامارات العربية المتحدة ان اقبل شخص ومعه (100) جواز سفر عراقي للتصويت بدلاً عنهم الا ان هذا الطلب رفض من قبل موظفي ذلك المركز وكذلك قدوم ناخبين تقل اعمارهم عن سن التصويت المحدد وقد تم تسجيلهم في سجل الناخبين اولاً وحدد ما مجموعة 39 حالة من هذا النوع وقالت المنظمة انه في اثناء عملية الاقتراع اجريت مقابلة لهؤلاء وقد تم الغاء تسجيلهم من سجل الناخبين.

ويعطي فريد ايار عضو مجلس مفوضي مفوضية الانتخابات والناطق الرسمي باسمها سابقًا مثالاً على عدم صحة الارقام التي ساقتها المنظمة بالقول quot; من المفارقات ان عدد الناخبين في فرنسا بلغ 981 ناخبًا في حين كان عدد الموظفين هناك حوالى (500) موظف يشرفون على اقتراعهم وهذا يدلّ وبشكل واضح على عدم صحة تقديرات هذه المنظمة وصرفها الاموال العراقية الطائلة دون اي حساب او مراقبةquot;.

منظمة الهجرة والمحاولة الاخيرة
واضاف ايار انه بعد الانتهاء من التصويت واعلان النتائج وبدء مرحلة السكوت عن الادعاءات التي ساقتها منظمة الهجرة بنجاح البرنامج، بذلت بعض الجهود لابقاء علاقتها بالمفوضية بهدف الاستمرار في الحصول على المبالغ والتمتع بها اولاً ولئلا يبدأ كشف الحساب بالظهور ومعرفة ما بذخته من اموال عراقية على انتخابات فاشلة. وفي نقاشات جانبية مع اعضاء مجلس المفوضين اظهرت ولمرات عديدة ان هذه المنظمة لم تكن صادقة معنا لا في تزويدنا بارقام واقعية (ولتكن تقريبية) بعدد المصوتين في الخارج ولا بالمصروفات التي صرفتها وفيها من المبالغة الشيء الكثير.

ويشير الى انه في احد جلسات مجلس المفوضين خلال شباط فبراير 2005 حضر بيتر اربن مدير منظمة الهجرة الدولية ذلك الاجتماع وحاول فيه تبرير صرف المبالغ الطائلة (حوالي 74 مليون دولار) على اساس ان استعدادات المنظمة كانت مهيئة لاستقبال ما يقارب المليون ناخب ربعهم فقط ادلوا باصوأتهم. ومما طالب به في ذلك الاجتماع دراسة امكانية ابقاء مكاتب المنظمة مفتوحة في كل الدول المشاركة في التصويت في الخارج وابقاء الآنسة تيهانا بارتلوك التي فرزتها المنظمة الاميركية للانظمة الانتخابية (ايفيس) لتعمل مع منظمة الهجرة الدولية بعد ان تسلمت ايفيس مبلغ ثلاثة ملايين دولار من عقد مع المنظمة لاستقدام خبراء للعمل في انتخابات الخارج. لكنه وبعد النقاش اتخذ المجلس القرار القاضي باغلاق برنامج منظمة الهجرة الدولية .


الـدولارات مقـابل الانتخـابات
ويوضح الناطق الرسمي باسم مفوضية الانتخابات انه بعد خطوة مجلس المفوضين اغلاق هذا البرنامج، وكانت هذه بنظري، خطوة مهمة على الرغم منمحاولة بعض المنتفعين عدم القيام بذلك، بدأت عملية التدقيق الحسابي والكلفة التي بلغتها هذه العملية. وقامت المفوضية بتكليف شركة Ernest and Young من كبريات شركات التدقيق في العالم بهذه المهمة وبعد فترة قصيرة بدأت روائح الصرف غير المبرر من قبل منظمة الهجرة الدولية تزكم الانوف .

ويشير الى انه بعد اطلاع مجلس المفوضين على نتائج التدقيق التي اجرتها الشركة عن حسابات منظمة الهجرة الدولية وناقش ارقام المصروفات المذهلة وغير المبررة، كلف المجلس في قرار اتخذه اثنين من المفوضين هما الدكتور عبد الحسين الهنداوي والدكتور فريد ايار اعداد الوثائق اللازمة لتقديمها الى الامم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية لمعرفة الاسباب التي ادت الى قيام منظمة الهجرة الدولية صرف مبلغ 74 مليون دولار في انتخابات الخارج لكانون الثاني 2005 في حين ان الانتخابات ذاتها التي اجراها مجلس المفوضين في كانون اول 2005 كلفت اقل من 18 مليون دولار .

وقدمت منظمة الهجرة الدولية موازنة تخمينية غير واقعية و فيها كثير من المبالغة مما ادى الى تحمل المفوضية اعباءً مالية كبيرة اضطرتها الى تحويل مبلغ (92) مليون دولار لصالح منظمة الهجرة الدولية خصوصًا انَّ المنظمة اشترطت تحويل المبلغ اليها كاملاً وهو امر غير مبرر ويطرح العديد من الاسئلة كما انه لم تجر اثناء عملية التنفيذ اي مراجعة للموازنة التخمينية لمعرفة مدى الحاجة الفعلية إلى إتمام تحويل المبلغ.

مثال حي على التبديد
واضاف ايار ان منظمة الهجرة الدولية ادعت انها دفعت الى شركة SMG Security مبلغ (3) ملايين و327 الفًا و32 دولارًا للخدمات الامنية للانتخابات في الولايات المتحدة فقط الا ان الملاحظ ان العقد مع هذه الشركة ووصولات الدفع لم تتضمن ساعات العمل او ساعات الخدمة، وبالتالي فأنه من الصعب حساب كلفة الخدمات المقدمة والمدفوع ثمنها بموجب العقد كما انه لا يوجد تبرير منطقي او تقييم مسبق من قبل القسم المعني للتعاقد مع هذه الشركة وبهذه القيمة الكبيرة والذي تم استناداً الى عرضها السعري الوحيد. اما بشأن الايجارات فيلاحظ ان منظمة الهجرة الدولية صرفت مبلغ 6 ملايين و344 الفاً و816 دولارًا كإيجارات في حين بلغت مصروفات الايجار في انتخابات الخارج الثانية مبلغ مليون و273 الفاً و310 دولارات اي بفرق يزيد عن خمسة ملايين دولار.

ايفيس وعقد الـ3 ملايين دولار
ويقول ايار في مذكراته ان تقارير تدقيق حسابات منظمة الهجرة الدولية قد كشفت عن حالات القصور في المستندات الحسابية فقط بل وايضاً مراوغة بعض المنظمات الاجنبية التي عملت في المفوضية اثناء العمليات الانتخابية الثلاث مدعية انها تعمل تحت راية الامم المتحدة في حين تلتف هي للحصول على عقود ثانوية وعلى حساب المال العراقي.

ويضيف ان عقد منظمة الهجرة الدولية مع (ايفيس) لم يكن واضحاً وقد ابدت شركات التدقيق الكثير من الملاحظات عنه منها عدم وضوح وكفاية التفاصيل الخاصة بالخدمات التي تقدمها (ايفيس) بموجب العقد الذي تضمن تشغيل واستئجار ونشر عدد من الاداريين المتخصصين في عملية التصويت لم يتضمن مسؤوليات الاشخاص الذين تم استئجارهم كما ان تكليف منظمة IOM لتنفيذ برنامج الانتخابات كان على اساس وجود خبرة وخبراء لديها في هذا المجال وهو امر ينفي اي سبب للتعاقد مع (ايفيس) لشراء خبرة لفترة قصيرة بقيمة 3 ملايين دولار، والامر الاخر فإن التعاقد مع IFES تم استنادًا الى عرض سعري واحد وليس هناك استدراج عروض وهو شرط لمثل هذه الكلفة الكبيرة.

ويوضح ان تقارير المحاسبة قد اكدت انه في حال جمع رواتب ومعيشة الخبراء والمستشارين الذين عينتهم منظمة الهجرة الدولية والتي بلغت 18 مليوناً ونصف المليون دولار ومستشاري (ايفيس) بمبلغ 3 ملايين دولار لبلغت كلفة الخبرة والاستشارة 21 مليوناً ونصف المليون دولار وفي حال مقارنة هذا المبلغ بإجمالي رواتب الخبراء في انتخابات الخارج التي تمت في 15 كانون الاول-ديسمبر 2005 وبأيد عراقية والبالغة فقط (204) الاف دولار فقط يكون الفرق الذي صرفته منظمة الهجرة الدولية كزيادة مبلغ 21 مليونًا و296 الف دولار.

وضـاعت الـ54 مليـون دولار
ويشير الناطق الرسمي للمفوضية انه على الرغم من تصريحاته المتعددة حول ضرورة اعادة مبالغ تقدر بـ(54) مليون دولار الى الموازنة العراقية من منظمة الهجرة الدولية، الا ان صرختنا ذهبت ادراج الرياح بل وان الدكتور عبد الحسين الهنداوي ابلغني في تلك الفترة ان احد ممثلي منظمة الهدرة الدولية ابلغه انهم سيقيمون دعوى في المحاكم ضدي معتمدين على اساس ان التصريحات التي ادلي بها حول سرقة الاموال العراقية تعتبر تشويه سمعة المنظمة (النظيفة جداً) وهنا اجبت السيد الهنداوي (يا ريت يفعلون ذلك) لأن الامر سيكون مقدمة لاثارة ذلك على صعيد اكبر واوسع.

ويشتغرب ايار من عدم التقاط اي دائرة من دوائر الدولة العراقية هذه الصرخة ولم تعمد الجهات المسؤولة عن المال في العراق باتخاذ قرار بمفاتحة الامم المتحدة حول الموضوع ولا حتى وزارة الخارجية، اما نحن في مجلس المفوضين فقد توصلنا بعد مخاض الى ارسال رسالة وقعها الدكتور عبد الحسين الهنداوي رئيس مجلس المفوضين الى السيد غريغ غينيس(1) مسؤول دائرة الانتخابات في الامم المتحدة حول التباين الهائل في مصاريف منظمة الهجرة الدولية وهي تابعة بشكل وبآخر إلى الامم المتحدة، وطالبت الرسالة الامم المتحدة بالتدخل لاسترداد عشرات الملايين الى الخزينة العراقية المركزية .

ويؤكد فريد ايار انه منذ ذلك التاريخ وحتى انتهاء ولاية مجلس المفوضين الممددة حتى 7/ ايار مايو /2007 لم يصل اي جواب من الامم المتحدة وقد حولنا جميع اوراق هذه القضية الحساسة الى المجلس الجديد للمفوضين الذي لم يتخذ اي اجراء مع الامم المتحدة ولم يثر هذا الموضوع وهكذا اصبحت اوراق هذه القضية فوق الرفوق العالية في مفوضية الانتخابات حيث يعلوها الغبار والنسيان ويضيع مبلغ (54) مليون دولار كما تضيع الملايين الاخرى دون ان يلتفت اليها احد للاسف الشديد.