&لأبدأ بخلاصة الكلام: مستقبل القراءة، لاسيما قراءة الأدب، سيكون للنساء وليس للرجال. ودعوني أشرح.&

من المعروف أن المرأة لا تقرأ الكتب نفسها التي يقرؤها الرجل وهنا قد ينبري قارئ من الذكور ليقول: هذا أمر مؤكد لأن الرجل رجل ولأن المرأة مرأة وهناك اختلاف في الاهتمامات والمشارب. المرأة مثلا تحب تصفح مجلات الأزياء ومتابعة الأبراج أو المسلسلات التلفزيونية التي تجعلها تبكي أما الرجل فاهتماماته من مستوى آخر.
ثم تنبري امرأة لتقول: دعك من هذا الهراء يا رجل. ماذا تفعل طوال اليوم، عدا ساعات العمل لكسب الرزق؟ أراك تجلس أمام الكومبيوتر لتتابع أخبار العالم ثم لتتابع أحدث الافلام الإباحية قبل أن تنهي نهارك بأحاديث لا تنتهي عن أخلاق وقيم ثم لتشكو التغيرات الكبرى والتحلل الذي تشهده المجتمعات الحالية.&
&
**
توصلت إحصاءات إلى أن النساء لا يقرأن بالفعل ذات الكتب التي يقرؤها الرجال وهذا يعني أن للقراءة جنسا معينا.&
وتشير مسوحات أجراها معنيون بالنشر إلى أن النساء يقرأن أكثر من الرجال وهذا يعني أنهن يشترين الكتب أكثر منهم وينفقن على هذه البضائع مبالغ أكبر. وهذا كلام من وجهة نظر اقتصادية بحتة. & & &
وتشير مسوحات أخرى إلى أن 70% من الرجال الغربيين الذين يستخدمون وسائل النقل العام يمضون الوقت في تتبع ما تنشره الصحف اليومية ومواقع الأخبار. ولكن 69% من نساء من الفئة نفسها يمضين وقت التنقل في قراءة روايات. ونسبة أخرى تظهر أن النساء يشترين 71% من روايات الجيب وليس الرجال.&
ويقول باحثون إن الغرب يشهد حاليا ظاهرة مهمة تتمثل في تأخر سن الوفاة. ثم يضيفون: أغلب المعمرين من النساء وليس من الرجال. أما الظاهرة الأخرى فهي أن المرأة تقرأ أكثر من الرجل. ويدعمون هذا القول بأرقام: 76% من النساء يقرأن كتابا واحدا في السنة على الأقل مقابل 73% من الرجال. و23% من النساء يقرأن أكثر من 25 كتابا في السنة مقابل 20% للرجال، ثم 18% من النساء يزرن المكتبات مرة واحدة في الشهر على الأقل مقابل 13% من الرجال و66% من النساء يقرأن قبل النوم مقابل 58% من الرجال. &
تشير إحصاءات أخرى إلى أن 7 من كل عشرة قراء لروايات هن من النساء وأغلبهن أمهات فيما تشكل المرأة نسبة 80% من أعضاء نوادي الكتب والمنشورات.
تذكر مسوحات أخرى أن الفتيات في الفئة العمرية بين 8 إلى 16 عاما يقرأن أكثر من الذكور وأغلب ما يقرأن هي الروايات. وللفئة العمرية بين 14 و 16 عاما، 79% من الفتيات يمضين فترات طويلة في القراءة مقبل 61% للذكور. &
&
لا مساواة في التركيز
النتيجة النهائية هي أن النساء يقرأن الأعمال الأدبية أكثر من الذكور. وعندما تنظم مناسبة لها علاقة بالكتب ودور النشر تتواجد المرأة فيها بنسبة تقارب نسبة تواجد الرجال في ساحة تجري فيها مباراة لكرة القدم.&
ولكن ترى ما هو السبب أو ما هي الأسباب؟. تشير دراسات ومسوحات إلى أن اهتمامات الرجل خلال النهار تنحصر حاليا وبشكل متزايد بلقاء أصدقاء ومتابعة أفلام الجنس والألعاب الألكترونية وهو ما يستغرق جل وقته بعد ساعات العمل الرسمية.&
ولكن هناك أسبابا أخرى يشير إليها مختصون يتابعون آثار التكنولوجيا الحديثة على المجتمع وهي أن كل الإنتاجات الحديثة جردت الإنسان من القدرة على التركيز على موضوع ما لمدة تزيد على عشر دقائق. هذا عدا الاهتمامات الأساسية سالفة الذكر. والمشكلة هي أن الرجل نفسه أصبح يعتبر التركيز على موضوع محدد لفترة تزيد على عشر دقائق مضيعة لوقته ومسألة متوارثة من العصر الحجري وبالتالي فهي قديمة وبالية. &
بعض الدراسات تظهر أن عقول الرجال، لاسيما الشباب منهن، ممن يدمنون الاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة أصبحت غير قادرة على التركيز أساسا وأصبح الرجل مثل جرذ مختبرات يخضع لمحفزات خارجية بشكل مستمر حتى أنه لا يعود قادرا على فهم حواسه الداخلية وإدراك اهتماماته الحقيقية لأنه يحرم من نعمة التركيز إلى درجة أن الفكرة إن خطرت في ذهنه لا يمكنها الصمود إلا لثوان معدودة ثم ما تلبث أن تتبدد وتختفي وإن حاول استرجاعها وجد صعوبة كبيرة في ذلك.&
وخلاصة الكلام أن الرجل ما عاد يملك وقتا كافيا لفعل أي شئ. فهو ضحية العصر وقد طور آلاف الاهتمامات الصغيرة التي لا طائل من ورائها وتناقض إحداها الأخرى ويبدو كمن يهتم بكل شئ ولكنه لا يهتم في حقيقة الأمر بأي شئ. رجل اليوم يقرض جزيئات من معرفة شاملة ولا يمكن لهذه الجزيئات أن تخلق فكرا حقيقيا في ذهنه وهو ما يؤدي به إلى حالة تقلب وتناقض واضحة.&
بعد كل هذا، من المؤكد أن الرجل لن يمضي ساعات في قراءة كتاب أدبي. فإنسان اليوم (الرجل بالأخص) غارق في صور وأصوات أكثر من المرأة رغم أنها تواجه الدفق نفسه. ولكنها أكثر صمودا لأن المرأة تحب الأشياء التي توحي بالاستمرارية وبالثبات لا بالتقلب والتغيير. ثم لأنها لا تملك وقتا فائضا تخصصه لكل سخافات التكنولوجيا ونتاجاتها التي تعتبرها في كثير من الأحيان طفولية للغاية. إمرأة اليوم تريد أشياء ملموسة وحقيقية لها علاقة بالأزل وبالأبد وقادرة على تغذية روحها لا الاكتفاء بتسليتها. ومن هنا حافظت على حبها للأدب الذي يساعدها على فهم سر الوجود الإنساني وأسرار الواقع المعاش بكل تعقيداته الحالية. وربما يمكننا القول أيضا أن القراءات الأدبية تساعد المرأة على الهرب من الواقع المقرف الذي يحيط بها.
هناك من يقول أن القراءة الأدبية أصبحت مسألة نسائية جدا حتى أن الرجل أصبح يشعر بالخجل إن ضبطه أحدهم وهو متلبس بالجرم المشهود: قراءة رواية !!!