المتأمل لنشاط النشر الأدبي في مصر لابد وأن يستوقفه أداء دور النشر الخاصة؛ لما تتسم به من تنوع في الرؤى، وقدرة على ابتكار حلول تسويقية... أحد أبرز دور النشر الخاصة الجديدة دار (ألف ليلة) لصاحبها الروائي والقاص (عبد النبي فرج)، استطاعت في أقل من عامين أن تبرز بشخصية وأداء مميزين، وصار القراء المهتمون بالأدب يترقبون إصداراتها التي جمعت بين الإنتاج الأدبي لأدباء يكتبون بالعربية وأعمال أدبية مترجمة، في مجالات الشعر والقصة والرواية والنصوص الفلسفية... ومن المفارقات الجميلة أن فكرة الدار جاءت امتدادا لمدونة على شبكة المعلومات أسسها الأديب (عبد النبي فرج)، تحمل ذات العنوان ألف ليلة، حيث نُشِرت نصوص لأدباء عرب وأجانب... مما يذكرنا بنشاط الأديب والناشر أستاذ (خلف علي الخلف) بمدينة الإسكندرية في العقد الأول من الألفية، حين أسس موقعا أدبيا ودارا للنشر باسم جدار، تميزت أيضا بإصداراتها الهامة وإخراج طباعي لافت، وقد توقف - مع الأسف - نشاطها بعد رحيله عن مصر! بالعودة إلى دار ألف ليلة، وبنظرة سريعة على إصداراتها التي بلغت حتى الآن أكثر من ستة عشر إصدارا في أقل من عامين، وبمجهود رجل واحد، صاحب الدار ومؤسسها؛ ندرك مدى العبء والجدية والجهد الفكري والإبداعي الكامن خلف العمل، والذي تتجلى ملامحه على مستويين: الأول مستوى العناوين المقدمة، والثاني مستوى الإخراج الطباعي الذي حفظ للدار من البداية شخصيتها وخصوصيتها، ومن الإصدارات:
التكعيبي مختارات للشاعر بيير ريفيردي
هناك فراشة تائهة في المدينة، مختارات شعرية &عن الفارسية، للشاعر علي رضا بهرامي
عم صباحا ايها السارد للقاص محمد شمخ
قلب على طاولة للشاعر سامى الغباشى
محراب فى كل روح للشاعرة نوميديا جروفى
الهو بوريقاتي للشاعر اللبناني جوزف دعبول
مجنون الصنم للشاعر محمد عيد إبراهيم
يبقى لكنه لم يحدث - الشاعر احمد صابر
ليليي عريي للشاعر جورج باتاي
متاع ايرين للشاعر أراجون
محراب فى كل روح للشاعرة نوميديا جروفى
بعد الظلام هاروكي ماروكامي
يجب على المرء أن يكون طويلا حتي يري عرف الديك لأحمد صابر
شتاء أخضر دافي للكاتب احمد الشريف
يحلم بالموت للكاتبة أميمة عز الدين
يد بيضاء مشعة للكاتب عبدالنبي فرج
هواء العائلة للشاعر شريف رزق
جنوب الوادي غرب الشمس، وبعد الظلام للكاتب هاروكي ماروكامي.
&
قائمة تبرز ما للدار وما عليها، فمن حيث المضمون، قدمت أول إصدار بالعربية لأهم شعراء قصيدة النثر، الشاعر الفرنسي (بيير ريفيردي)، الذي صدرت ترجمات لقصائده في مجلات ومواقع أدبية، لعل أبرزها ما قدمه الشاعر عبد القادر الجنابي في عدد مجلة فراديس المخصص لقصيدة النثر العالمية، بيد أن التكعيبي أول كتاب يصدر بالعربية مخصصا لهذا الشاعر، مما يسد بعض النقص في المكتبة العربية الأدبية، ومن وجهة نظري سيبقى هذا النقص قائما إلى أن يعكف أحد مترجمينا على ترجمة الأعمال الكاملة للشاعرين (بيير ريفيردي) و(ماكس جاكوب)، رغم الخطوة المحمودة لدار (ألف ليلة)، كما يحمد لها جرأتها على إصدار عمل آخر، لـ (لويس أراجون)، رائعته (متاع إيرين)، وأظن للناشر كامل العذر – إن اعتبرنا الأمر يستوجب الاعذار – لتعديل العنوان بما لا يصدم حراس الفضيلة والذوق العام، وهو الإصدار الأول للعمل بالعربية أيضا، ومن الإيجابيات الحرص على وضع مقدمة لكل كتاب مترجم، مع مقدمة تكون - في الغالب - مقالة نقدية حول العمل، في كتاب (التكعيبي) ثمة مقدمة للمترجم بعنوان (كالوحيد في ظله)، تتبعها مقالة بعنوان( شاعر سري لقراء سريين ) للشاعرة والناقدة الأمريكية ماري آن كاوس. وقد شمل الإصدار ديوانا كاملا للشاعر عنوانه (قصائد نثر) مع مختارات متفرقة من دواوينه الأخرى التي بلغت ثلاثة عشر ديوانا خطت حدود النوع لفن قصيدة النثر، مقصية عنه كتابة التأملات والخواطر والنثر الإيقاعي دون رجعة. وإصدار (متاع إيرين) لـ (لويس أراجون) تصدرته مقدمة الشاعر والناقد الإنجليزي (الكسي ليكيار) مع جهد المترجم في تتبع رحلة الكتاب، منذ إصداره الأول عام 1928 غفلا من اسم المؤلف، ثم طبعات لاحقة بإخراج طباعي ذي ثراء تشكيلي، وعدد قليل من النسخ، راصدا نشاطا أقرب إلى المطاردات بين الناشرين الطليعيين والرقابة الحكومية!
يحسب للدار أيضا الإخراج المتميز للكتاب، حيث شارك أكثر من فنان تشكيلي ومصمم أغلفة في وضع تصاميم ذات قطع واحد وتناسق لوني يبرز ما للجهة الناشرة من شخصية وتميز.
&وبشأن الحلول التسويقية المبتكرة التي أشرت إليها في مطلع كلامي، بادر الناشر إلى توظيف مواقع التواصل الاجتماعي وقدم عروضا بسيطة منها خصم على طلب جميع الإصدارات وتكفل الدار برسوم البريد للتوصيل، كما تتوفر الكتب في العديد من المكتبات ومنافذ البيع بالقاهرة وبعض المدن، مع وضع سعر متدنٍ للنسخة في حال شراء القارئ لأكثر من إصدار. يؤخذ على (ألف ليلة) إصدارها ترجمات لكتب مترجمة ومتوفرة من سنوات مثل روايتي (هاروكي موراكامي) الصادرتين في طبعات عدة عن المركز الثقافي العربي، كان أولى توجيه الأمر لإصدار مؤلفات للكاتب لم يسبق ترجمتها للعربية، وليس عددها بالقليل، أما الترجمة عن لغات وسيطة، فما دامت الترجمة ذات مستوى جيد وحافظة لروح النص؛ فسيكون من باب المصادرة والتزيد رفض الأمر هكذا بصورة مطلقة. جزيل الشكر لكل ناشر جاد، يسعد القراء ويجعلهم في حالة ترقب لكل ما يقدمه. & &
&