يستهدف هذا الكتاب "الموالد القبطية: مولد الأنبا شنودة نموذجًا" للدكتور أشرف أيوب معوض، والصادر عن مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية، محاولة التعرف علي نشأة الموالد القبطية، تقديم صوره واضحة عن الممارسات الشعبية في المولد المسيحي ومحاولة رصد مظاهر الاحتفال بمولد الأنبا شنودة. أما المنهج العلمي الذي أسهم في جمع المادة وتحليلها كان المنهج الفلكلوري بأبعاده الأربعة التاريخي، الجغرافي، الاجتماعي والنفسي. كما تمت الاستعانة بالمنهج الأنثروبولوجي في الجمع الميداني.
وتأتي أهمية البحث باعتبار أن ظاهرة الموالد هي ظاهره فلكلورية تحافظ علي التراث الشعبي، كما أنها مناسبات للترويح والتسلية والرواج التجاري والاقتصادي. ويرجع الباحث أسباب اختيار مولد القديس الأنبا شنودة الواقع في محافظة سوهاج إلى عدة أسباب منها: قلة الأبحاث والدراسات التي أجريت حول موالد القديسين وخاصة مولد الأنبا شنودة، تجلي ظاهرة تكريم القديسين وخاصة القديس الأنبا شنوده في محافظة سوهاج (منطقة البحث)، وزيارة مولد القديس من جميع أنحاء القطر المصري.
مجتمع البحث وهو (الدير الأبيض) حيث كانت هذه المنطقة في العصر الفرعوني تسمي أدربية وبالقبطية أثريبة وهي غرب سوهاج ويتبع الدير قرية أولاد عزاز التابعة لمركز ومدينة سوهاج. ويذكر أيضا أن هناك كنائس وأديره أخرى بمحافظة سوهاج باسم القديس مثل دير الأنبا شنودة الأثري ببلدة عربان بني واصل مركز أخميم وكنيسة الأنبا شنودة ساحل طهطا كوم غريب مركز طهطا.
يرصد الباحث تاريخ الموالد القبطية وطبيعتها، مشيرا إلى المصادر التاريخية تخبر أن بداية الموالد المصرية كانت مع بداية العصر الفاطمي، أما د.فاروق أحمد مصطفي في دراسته عن الظاهرة فيرجعها إلى عصر الإخشيد حيث كانت من المناسبات الاجتماعية الكبرى التي يشترك في إحيائها الحكام والشعب في الأعياد فتقام وتمد الأسمطة، كما لم يقتصر الأمر علي الاحتفالات الدينية الخاصة بالمسلمين بل والمسيحيين أيضا مثل الاحتفال بيوم الميلاد وخميس العهد.&
ويلفت الباحث إلى عبادة الأولياء والشهداء في العصر البطلمي حيث أنه بدراسة متون العهد الديموطيقي والبطلمي نجد أن هؤلاء الأولياء والشهداء كانوا يعاملون معاملة الساده والآلهة وكانت تقدم إليهم القرابين وتقام لهم الصلوات. أما الموالد في العصر القبطي فيشير إلي ما كتبه مكفرسون بأنه من الصعوبة القول بأن الموالد قد أصبحت عاده قوميه في مصر مع مطلع القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي أو اعتبارها شيئا من ذلك كلية. والمشتغلون بالحفريات والآثار يخبروننا عن مجموعات هائلة من القناديل الفخارية والزجاجية والبرونزية التي وجد عليها كتابات تفيد أنها من استخدام الكنائس وتزدحم بها متاحف أوروبا مثل مصباح قنديل مصري مكتوب عليه "الأنبا القديس سرجيوس" وآخر مكتوب عليه "الأنبا القديس سيرياكوس" وهذه المصابيح موجوده حاليا بالمتحف البريطاني.
ويضيف "أما إذا تحدثنا عن الموالد المصرية في القرن الخامس الميلادي فهي إذن موالد قبطية مسيحية كانت موجوده بصوره حية حيث لا تختلف كثيرا عن عصرنا الحالي إذ كانت تقام أساسا على تكريم القديسين والشهداء وبهذا تظهر بصورها الدينية.&
ويتساءل الباحث عما إذا كانت الموالد الإسلامية هي امتداد الموالد المسيحية، ويقول "إذا اعترفنا بوجود المسيحية بصورتها الحية قبل مجيء الإسلام مصر، فإذا لابد أن تكون الموالد الإسلامية امتدادا بل موازية للموالد المسيحية مع الأخذ في الاعتبار أن الموالد المسيحية لها طبيعة خاصه حيث أنها علي سبيل المثال يتم الاحتفال بها طبقا للتقويم القبطي مثل الاحتفال بمولد الأنبا شنودة في 7 أبيب من كل عام، كما أنه يتم الاحتفال بمولد القديسين في ذكري (نياحتهم) وفاتهم كما أن الاحتفال بمولد القديسين يكون غالبا ذو موعد ثابت ومحدد من كل عام فهو تاريخ وفاه القديس أو استشهاد القديس. مع ملاحظه هامة وهي أن القديس في الدين المسيحي لا يحتاج إلى رسامة أو ترخيص من جانب القائمين على الدين حيث أنه يكتسب مكانته بطريقه عرفية من خلال إظهار المعجزات والكرامات ولا تعلنه الكنيسة قديسا إلا بعد مرور خمسين عاما علي وفاته".
وعدد الباحث أهمية الموالد في عدة نقاط منها: الموالد تعمل علي تدعيم الاعتقاد في الأولياء أو (القديسين)، تقوية الاعتقاد وبالتالي تحافظ علي استمراريته عبر الأجيال المتعاقبة، المولد تعتبر مناسبه اجتماعيه لتوطيد العلاقات بين الأهل والأقارب والأصدقاء، فرصه مناسبة للمصاهرة.
ويتطرق الباحث لتعريف مفاهيم نظرية مثل مفهومي المعجزة والبركة. فيرى أن "المعجزة فهي عمل تجريه القوه الإلهية، لغرض إلهي وبوسيله ليست في متناول البشر، والمعجزة سميت هكذا لأن الإنسان يعجز عن صنعها من ذاته بدون الاستعانة بالقوة الإلهية. كما تعرف المعجزة أيضا باعتبارها حادثه غير عاديه وتخرج عن المألوف، فتثير في الإنسان العجب وتوقظ فيه الإحساس بالرهبة وقد تعددت أهداف المعجزة، فمنها إعلان الله عن ذاته في العهد القديم وتقريب الناس من الله وتعتقد المسيحية أن الذي يجري المعجزات هو الله بذاته أو بواسطه ملائكته أو رجاله القديسين. ولم يرد مصطلح قديس بصوره المفرد في الكتاب المقدس إلا مرتين وهي تطلق علي الذين حصلوا من البشر على شيء من القداسة". ثم يذكر الباحث مورفولوجيا المعجزة (التحليل البنائي للمعجزة ) وتتكون من أربعة مراحل: الحياه الطبيعية، بداية الأزمة، طلب القديس، وحدوث المعجزة.&
أما مفهوم البركة فأنها "ترتبط ارتباط وثيق بموالد القديسيين. والبركة في مفهومها الشعبي تعني زياده في الخير وسعة في الرزق وشفاء من الأمراض والحمل والإنجاب وذريه صالحة واتقاء الشر والمرض. &وحيث أن القديس مصدر من مصادر البركة فكل ما يتعلق بالقديس مكانه وصورته وجثمانه وأيقونته وملابسه وأشياؤه التي كان يستخدمها كلها مصدر بركة".
وعن حياة القديس الأنبا شنودة، ففي البداية يذكر الباحث العديد من الرؤى التي تنبأت بمولده مثل: رؤية والده أبجوس وأمه دروبا رؤيا، القديس هرساسيوس المتوحد، ورؤيا البابا أثناسيوس. ويقول "قد ولد الأنبا شنودة لوالدين مشهورين بالتقوي والورع ثم انتقل بعد ذلك إلى الدير الأحمر الذي يترأسه خاله الأنبا بيجول وقد ظهرت على الصبي علامات الزهد والتقشف وبدأ حياته الرهبانية منذ سن مبكره. وقد أبدي الأنبا شنودة اهتماما بالغا باللغة القبطية حيث اشتهر بفصاحته وتمكنه منها، وكان ذلك الاهتمام هو نواه لنشأه الأدب القبطي. كما أن الأنبا شنودة قد جعل من الدير الأبيض معهدا دينيا واجتماعيا واهتم بالمؤمنين جميعا وفتح لهم الدير. بلغ القديس عند نياحته المائة والعشرين سنه تقريبا وقد بقي تابوت القديس موجودا بمكانه حسب وصيته إلي أن جاء شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي وكسر الصندوق ونقل الجسد منه وأخفاه في أرض خربه. أما عن الدير الأبيض فيذكر الباحث أن البناء القائم حاليا هو في الحقيقة لم يكن إلا كنيسة الدير القديمة ويسمي بالأبيض لأنه مبني من الحجر الأبيض وتميزا له عن الدير الأحمر وهو دير الأنبا بيشوي القريب منه. ويشتمل الدير على كنيسة الدير الأثرية وبها: المائدة (الجناح القبلي)، صحن الكنيسة، الهيكل الأثري ، المعمودية، القطعية والمغارة. ويعرف الباحث الرهبنة القبطية بأنها هجر العالم والاعتكاف علي ممارسة الفضيلة والتقوي لتهذيب النفس وترقيتها. وقد ازدهرتا في مصر حيث أن المصري بطبيعته يميل إلي التدين وتصبو صفوة المتدينين إلى حياة روحيه أعمق وقد كانت لرهبنة الأنبا شنودة نظاما خاصا من حيث شروط القبول، زي الرهبنة، نظام الصلاه، الصوم، التعليم، نظام العمل، الإدارة ورعاية القديس للرهبان".
وحول مظاهر الاحتفال بمولد القديس، يقول الباحث "يعتبر المولد السنوي هو المناسبة الأساسية التي يعبر فيها المؤمنون للقديس عن احترامهم له، وتتم الزيارة في المكان الذي يدفن فيه جسد القديس، وقد كان جسد القديس موجودا حتى منتصف القرن الثامن الميلادي وبعدها اختفي &إلا أن الناس تزوره وكأن جسده موجود في هذا المكان. ويستعد عامة الناس للزيارة بالتجمع مع الأهل والأصدقاء وتعم البهجة على الجميع إن كانوا راكبين سيارات أو راكبين جمالا كما كان في الماضي وهم يغنون الأغاني الشعبية في مدح القديس. ومن مظاهر الاحتفال بالمولد زفة الأيقونة وهي من أهم مظاهر المولد القبطي والطقوس الدينية داخل الدير مثل الصلاة والتشفع، الصلاة والتشفع أمام أيقونة القديس، إيقاد الشموع أمام أيقونة القديس، كتابة رسائل للقديس والقداسات اليومية كما يتم أيضا تعميد الأطفال في المولد وتقديم النذور والأضاحي وهناك أيضا نشاط اقتصادي وهو من أبرز مظاهر المولد وذلك لأن آلاف الزوار يأتون من شتي أنحاء البلاد ويبيتون هناك عدة ليال لذا يستلزم وجود مطاعم وتجارة للمواد الغذائية. كما أن هناك أنشطة أخري ترويحيه مثل الفرجة علي المولد، الألعاب، المغنيون الشعبيون ونشاط ترويحي ديني. كما أن هناك أيضا نشاط علاجي يتمثل في (معجزات القديس) مثل طرد الأرواح الشريرة، العلاج من العقم، الوقاية من العقارب والزواحف والوشم".
ويخصص الباحث فصلا للأغاني والحكايات الشعبية حول القديس حيث تعرف الأغنية الشعبية بأنها الأغنية المرددة التي تستوعبها حافظة جماعه، تتناقل آدابها شفاها وتصدر عن وجدان شعبي ويميزها عن سائر أشكال التعبير الشعبي بأنها تتكون من عنصرين هما: النص الشعري واللحن الموسيقي ويغلب عليها اللهجة العامية وترتبط بدوره حياة الإنسان ومعتقداته. ويعتجر المولد مكانا مناسبا تتجمع فيه النسوة ويغنين أغاني للقديس ومن خلالها نستطيع الكشف عن مدي ارتباط هذه الأغاني بالمعتقدات الخاصة بالقديس وكذلك ارتباطها بمظاهر المولد.
&وقد قسم الأغاني والحكايات الشعبية الباحث إلي: أولا أغان فلكلورية قديمة (شفاهيه): وتقصد بها الأغاني التي كانت تغنيها الجماعة الشعبية قديما ولم تعد تؤدي الآن إلا نادرًا، واحتفظت بها الذاكرة الشعبية ومنها الأغاني التي تردد عند زيارة القديس، بناء الدير، بطولة الأنبا شنودة، معمودية الأطفال في المولد ،النذور والأضاحي.
ثانيا: الهتافات للقديس في زفة الأيقونة وهو لا يعتبر غناء بمعني الكلمة، بل نوع من الهتافات للقديس حيث يقوم بهذه الهتافات مجموعة كبيرة من الشباب المتحمس في صوره انفعاليه وقد ذكر الباحث خصائص هذه الهتافات فهي تتكون من شطرتين متقابلتين لهما إيقاع موسيقي والسجع هو الغالب عليها، لا تظهر هذه الهتافات إلا في أوقات الحماس الديني وخاصة الموالد، وتعتبر هذه الهتافات نوعا من الغناء لما لها من إيقاع موسيقي شعبي كما أنها تعتبر نوعا من الغناء الشعبي المعلن في الموالد بعد اختفاء شاعر الربابة والمداحين في الموالد القبطية.
أما عن الحكايات الشعبية فيذكر الباحث أنها عباره عن المعجزات وهي ظاهره منتشرة في المعتقد المسيحي علي أيدي القديسين ويشتهر القديس بكثرة معجزاته وعظمة معجزاته أيضا مثل شفاء الأمراض المستعصية كالسرطان وكثيرا ما نسمع عن إجراء القديس لعمليات جراحية للمصابين أثناء النوم. وقد تكون صورة القديس أو كتاب &من معجزاته &أو بعض حنوطه أو زيارة كنيستة كافية لإحداث المعجزة.
&