كان الجواهري وشلة الغجر المتنقل -اهلي- &قد غادروا الشام قبل قرابة العام عائدين الى مرابعهم في العراق.. الجواهري تحت سقف خيمة (أم عوف) في (علي الغربي) وبقية الشلة في اعظمية بغداد.. أنا في عربة االغجر التي انفصلت عن الركب، في حارة (دق الباب) بدمشق.&
غرفة صغيرة ظريفة بايجار عشرين ليرة شهريا نتقاسمها وعبد الكريم البوريني
طالب الحقوق ( وسفير الامم المتحدة لشؤون الحركة السكانية لاحقا) كما نقتسم كل شيء من علبة النقود التي نضع فيها ايراداتنا، انا من دروس معهد النجاح الدراسي للبنات وهو مخصصاته التي يبعثها اليه الاهل في عمان وخابيات الزيتون والمكدوس والجبن المضفور.. حتى القمصان والاحذية وهي بمقاس واحد نقتسمها.. وفي الطرف الآخر من حوش الدار المكشوف، (فؤاد)، النحات المصري الذي يعيش مع الحصان في اسطبله اكثر مما يعيش معنا في الدار.. ذلك الحصان العربي الاصيل الذي اراده نموذجا لتمثاله القادم.. كان يعود بعد اربعة ايام او ثلاثة فتعبق الدار برائحة الاسطبل زمنا غير قليل وحين يحضر لتناول االشاي معنا بعد ان يغتسل ويبدل ثيابه، تنتشرفي ارجاء الغرفة عطوره المصننة، ورماد سكائره المعلقة ابدا على زاوية فمه.&
.. الغرفة ورغم الخابيات العديدة والالبسة المعلقة بمسامير على الحائط والكتب الكثيرة وعلب الالوان ومذيباتها وحزم ورق الرسم وقماشه، تحظى بشيء متواضع من الترتيب، وهي مهمة البوريني الذي يقوم بها بصبر كبير ودون تذمر.&
الزيارات النسوية محذورة، فربة البيت تطل على االباحة المكشوفة ببرقعها من حين الى آخر، وكانه شيء عفوي حين ترتب وتسقي اصص الزهور على افريز نافذة غرفتها في الدور العلوي وهذا السقي والترتيب يتكرر اكثر من عشرين مرة في اليوم، اضف الى ذلك انني غريق الغرام حتى ذقني، والبوريني الهاديءالرزين منشغل بقوانينه وشرائعه واحكامه، وفؤاد النحات لا يغادر عش غرامه في الاسطبل الا نادرا.&
&
تهتز دمشق بزلزال المظاهرات الصاخبة في شوارعها وجامعتها والمدن السورية كلها "وحدة، &وحدة".. &"جمهورية عربية متحدة".. &"عاشت الوحدة بين البلدين" "عبد الناصر زعيمنا".. ناصر ناصر هو الناصر.. &سوريا ومصر بلد واحد شعب&
واحد.. &عاش عاش..&
نخرج من الجامعة بتظاهرات وشعارات واعلام.. انشراح تهتف مع رفاقهاالحزبيين &" ديمقراطية، اشتراكية، اتحاد فيدرالي".. &انا اهتف بالقرب منها مع الحشد الاكبر "وحدة وحدة"، "جمهورية عربية متحدة"، "سورية ومصر بلد واحد"، "عاش جمال،عاش جمال".. &&
.. تسخن النقاشات بين حملة الافكار اليسارية والقومية والدينية في اروقة الجامعة
.. &لم تسجل حالة اشتباك اواعتداء واحدة.. البعض يشارك في النقاش بحماس في هذا التجمع،.. لينتقل بعدها ويشترك بحماس اكبر في تجمع طلابي قريب آخر.&
.. نهرع من قاعات المحاضرات مجنونين، محمومين، مختنقين بعبراتنا ونحن ننطلق، تاركين كتبنا وكراريسنا، متنادين فلعل هنالك أصم لم يصله الخبر " عبد الناصر في دمشق.. عبد الناصر هنا معنا.. عبد الناصر.. &"&
.. من تحت الشرفة أقف مع انشراح يداً بيد ننظر باحداق دامعة غير مصدقين الى هذا الرجل الاسمر الجميل المشرق الوجه، الذي يحيي الحشود الصاخبة التي سدت كل شارع وزقاق واكتضت بها سطوح البنايات والشرفات في المنطقة الوسيعة التي امام الشرفة وامتدت الى اجزاء قصية منها في العاصمة.&
.. &لم تنفع اصوات مكبرات الصوت المطالبة بالهدوء والصمت لكي يستطيع عبد الناصر ان يوصل كلماته الى الحشود المكتضة الصاخبة بفرح وجنون بهتافاتها وشعاراتها.. تكررت النداءات مرات عدة قبل ان يتخافت الصخب ثم يعقبه سكون في انتظار الكلمة..&
- ياشعب سوريا المناضل..&
.. ما أن انطلقت كلمات عبد الناصر الاولى هذه، حتى اهتز الكون من جديد بالهتافات والشعارات وتدافعت الحشود وكانها تريد ان تصل الى جواره على الشرفة..&
&
رئيس الجمهورية شكري القوتلي واقطاب القيادة العسكرية السورية عفيف البزري وعبد الحميدالسراج وهشام العظم وآخرون.. &يتوجهون الى القاهرة ويسلمون عبد الناصر العلم السوري وشعار الدولة.. عبد الناصر يعلن وحدة مصر وسورية ويصبح القوتلي ( المواطن الاول في الجمهورية العربية المتحدة).&
&
.. &اقترب موعد الامتحانات.. أنا وانشراح نقضي كل الاماسي، حتى ساعات متأخرة من الليل في مكتبة الجامعة.. عشاءنا وفنجان قهوتنا في مطعم ونادي الجامعة.. استراحاتنا بين اوقات المطالعة نقضيها في التمشي والحديث في ممرات الجامعة المزدانة باشجار الحور والصفصاف ومشبكات الورود او الجلوس فوق احدى المصاطب المشرفة على مدرج الجامعة وبردى من تحتنا.. &&
& & & & & & & & & & & & & & & & * & & &* & & &*
-.. اسمعني جيدا يا فلاح وفكر قبل ان تجيب.. لو حصلتَ على زمالة دراسية على حساب الحكومة السوفياتية لاكمال تعليمك الطبي في موسكو فهل تذهب ؟.. الجواهري يتحدث على الطرف الثاني للهاتف من بغداد.&
- وهل هنالك اي مجال للتفكير.. سأكون مجنونا لو رفضت.. انه خبر هائل.. بالطبع اذهب، بالطبع.. اشكرك.. اشكرك كثيرا.. اشكرك..&
- اذاً هيء حقيبتك.. راجع السفارة السوفياتية للحصول على تاشيرة الدخول&
&والترتيبات الاخرى، فهم الآن على علم بذلك.. إنها زمالة الجواهري.&
&
إنشراح تبكي لقراري.. &تطميناتي لها لا تجد نفعا في البداية، ولكن لاني سأذهب&
الى الاتحاد السوفياتي، وهي رفيقة حزبية، فقد خفف ذلك من اثر الصدمة.&
في صبيحة اليوم السابق لسفري اصحبها الى احد الصاغة في سوق الحميدية..&
نختار حلقتين ذهبيتين.. يخط الصائغ اسمينا عليهما.. البسها خاتم الخطوبة.. اقبلها&
.. تلبسني خاتمي.. نرتاد الاماكن التي كنا نعشقها والتي كان لنا بها ذكريات عزيزة علينا، مصاطب الجامعة المطلة على المدرج وعلى بردى، غابة الحور في ضاحية قريبة.. نجلس دقائق متقاربين في قاعة المكتبة.. فنجان قهوة في نادي الجامعة حيث لقاءنا الاول.. نهبط المسار الذي كنا نأخذه سوية في طريقنا الى الجامعة كل صباح.. نأخذ المصعد في وزارة الزراعة واقبلها كما المرة الاولى ونحن نزور بهاء ليشاركنا فرحة ثورة العراق.. ها نحن على سطح العمارة ذاتها لنقترب كما اقتربنا من قبل ونحن نطل على الشارع حيث كانت مظاهرات الاحتفاء بثورة العراق تحتشد من تحتنا.. اوصلها قرب دارها مودعا.. تمسح دموعها.. تخلع الحلقة االذهبية قبل ان تدفع باب الدار وتنظر الي وهي شاردة الذهن قبل ان تغلق الباب ورائها..&
في المساء وانا منشغل باعداد حقيبتي اسمع طرقا على الباب.. اجد إنشراح &واقفة مطرقة الراس شاحبة الوجه.. رفيقتها تمسك بذراعها.. تدخلان.. تجلسان على حافة االسرير.. دموعها تنهمر بصمت.. تنظر الى اصبعي فتجد انه لا يزال يحمل الحلقة الذهبية.. تبكي بحرقة اكبر.&
اخرج بصحبتها نهيم في الشوارع والازقة دون هدف.. ها نحن ومن حيث لا ندري في الزقاق الذي كنت اسكن فيه مع الجواهري والاهل.. إنشراح تعرف البيت جيدا.. نرفع اعيننا حيث نافذة غرفتي االصغيرة &ثم الى نوافذ صالة الاسقبال ..&
& & & & & & & & & & & & & &&
& & & & & & & & & * & & & & & &* & & & & & & &*&
وصلتُ من بيروت بحقيبة تكتظ بملابس لم تعرف الغسيل اشهرا.. بضع هدايا رمزية غير ذات قيمة اقدمها لنجاح وخيال وظلال وأم نجاح.. رباط حريري ثمين للجواهري. &
حين عاد الى المنزل مبتسما، وقد عرف بوصولي وهو في بناية مجلة الجندي القريبة ، نظر اليّ بصمت وهو يجتاز عتبة الباب وعلت وجهه ابتسامة ساخرة مرحة.. أخذتُ كفيه وقبلت ظاهريهما ووضعتهما على جبيني.. &&
- واخيرا عدتَ الى صوابك وقدمت.. &مرحبا بك.. انها دمشق !.. اليست احسن من بلد المداخن والضباب.. ينادي "هل جهزت يا أم نجاح وجبة تليق بطبيب المستقبل؟".. نعم كلية &الطب بانتظارك ولا مهرب جديد آخر منها بعد الآن. &
&تمر الايام رخية حلوة.. &اصحبه في الكثير من امسياته في مقاهي المهاجرين فوق سفوح جبل قاسيون.. اسعد كثيرا حين اجده ولاول مرة لا ينوء بحمل همومه كما هو الحال في بغداد.. هو شخص آخر، شاب في منتصف الخمسينات، رغم "وخط المشيب" الزاهي لفوديه.. انيق الملبس، واثق الخطى وسيعها كعهده ابدا، يشرق وجهه في الغالب بابتسامة متخفية نصف ساخرة، يدندن كثيرا بمرح، غير دندناته الغضوبة الحارقة في الاجواء المسعورة التي عشناها سابقا.. معه انا الان في مقهى بقاسيون وهو يبدء همساته، التي تكاد لا تسمع بدءاً، والتي تتحول بالتدريج الى همهمة فحدو بدوي خافت.. &انسحب من المقهى لاتركه لعالمه دون (عذول).. اعود لاجد بصحبته الشاعر شوقي بغدادي.. يسمعنا بصوته الجذل شاكيا غروب شبابه.. & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & مشى وخط المشيب بمفرقيهِ & & & & وطار غراب سعدٍ من يديهِ &&
وراحتْ من زهاها امس حباً & & & & &تقول اليوم وأسفا عليهِ&
تبدلَ غير رونقه ولاحـتْ & & & & & & &تضاريس السنين بأخدعيهِ&
رماداً خلــتهُ لولا بقايـا & & & & & & & & توقّـد جــمرتيـن &بمقلتيــهِ &&
&مشى وخطُ المشيب به فالوى & & & بأيكـتهِ &وعاثَ بوجنتيـهِ &
وئيدَ خطىً كأن عذاب جيلٍ & & & & تخيّـره فحــطّ بـمـنكـبيهِ &
وقـرّب من منيتهِ وخوفٌ & & & & & لقرب الموت شرُّ منيتيهِ&
مشى وخطُ المشيب به فرنّتْ & & &مناحةُ ثاكليه بمسمعيهِ &
وراح يُصيخ عن ألمٍ ورعبٍ & & &الى واهٍ مرجّعتٍ وويهِ&
&
&شوقي بغدادي يتمايل برأسه مع انغام قراءة القصيدة.. &ينظمّ احيانا الى مجموعته في سفوح قاسيون الشاعر محمد االحريري.. ضخم الجثة &سمح الوجه كالطفل.. &شوقي بغدادي يدعوه بـ(الفيل الضخم).. الجواهري يدعوه ب(البلبل الصغير) ويفتح كفه الوسيعة &وكانه يحمل بلبلا صغيرا على راحتها. &
يُطلب من الجواهري ان يَنظم نشيدا للشباب السوري وجيشه الشعبي المتصدي للعدو الصهيوني، الذي تدك مواقعه المدفعية السورية من الجولان من حين لاخر.. &تنشر القصيدة في مجلة الجندي بعنوان & & & (دارة المجد) ومطلعها : & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & يا جبهة المجد لا تُراعي & & & & & &وانتفضي حرةً وقوم
. &ادور &في البيت عصراً وانا اردد منغما ابيات القصيدة ومقلدا اصوات الجوقة المسيقية المصاحبة.. & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & &"يا دارة المجد لا تراعي.. &وانتفضي حرة.. يا دارة المجد.. يادارة.. &".. الجواهري يخرج رأسه من الغرفة ناهراً.. "كفى يا زنيم.. لقد وصلت اليّ رسالتك الغثيثة".. ومن يومها لم تنشر القصيدة في اي صحيفة او ديوان. &
البيت لا يخلو ابدا من ضيف او زائر.. &اقوم مرات عديدة بواجب الاستقبال والمحاورة والضيافة حتى يتواجد الجواهري.. &لا يقتصر الحضور على الجنس الخشن، فكثيرا ما يتواجد العنصر الناعم ايضا، وهنا تكون انطلاقته في ذروتها، وكنت اكثر الناس حظاً بان اكون مشتركا بهذه الاجواء فأم نجاح ستكون منشغلة بواجبات المطبخ، او انها لاتجد الحديث الدائر منسجما معها . &
.. &بقدوم صفاء الحافظ ( اغتاله البعثيون بعد قدومهم الثاني الى السلطة في العراق ) &بعد اكماله دراسة الدكتوراة في جامعة السوربون بباريس يصبح اكثر الناس تردداعلى الدار وتتعمق الصلة بحيث يدخل دون موعد، وقد يبقى الى ساعة متأخرة من الليل.. وسيم انيق منطلق الحديث والنكتة مع الجواهري، خصوصا حين يتعلق الامر بالحديث عن المراة وعن ذكريات باريس.. &الجواهري يميل براسه منصتاً ".. لالا.، هي من عائلة محافظة من الحله.. &ودعوتها الى شقتي في الحي اللاتيني.. &وقالت وهي بجانبي في السرير.. سنضع الوسادة بيننا فلابد ان يكون هنالك حاجز في النوم بيني وبينك.. فأجبتها بالطبع ياحلوتي.. سيكون المانع المطاطي حاجزاًبيني وبينك " يقولها صفاء الحافظ بما يشبه الهمس مقرباً فمه من اذنه &يضحك الجواهري.. يكركر ويكاد يشرق بالضحك.. ".. والله انه اكثر الحواجز امانا.. " وينطلق من جديد في موجة ضحك اخرى. & & & & & & & & & & & & & &عبد الجبار وهبي –ابوسعيد- ( اغتاله البعثيون في مجزرتهم الاولى عام 63 ) وزوجته &المحامية نظيمة وهبي وابنه الصغير سعيد ونادية ابنته ذات الاربعة عشر ربيعا ( المطربة انوار عبد الوهاب لاحقا ).. &(ابوسعيد) احلى الناس خُلقا وطيبة ولطفا وانطلاقا.. يحبه الجواهري اكثر من اي &عراقي آخر في الشام، لاتحسه الا ذلك الانسان المتواضع الوديع الدمث الاخلاق.. لا ذلك القيادي الشيوعي الكبير.. يترددون على الدار كما الاهل ونزورهم بمعية الجواهري في دارهم الشرقية المكشوفة.. &تعيد نظيمة اليّ كتاب (الحي اللاتيني) الذي استعارته ابنتها نادية وهي غاضبة " هل تريد ان تفسد اخلاق ابنتي ؟ !".. &&
.. يزوره قياديون شيوعيون كبارآخرون.. جورج تلو وعبد القادرالبستاني وآخرون.. وتختلف مقابلته عما هي مع ابوسعيد.. فهو هنا في غاية الادب(الثقيل) مقابل التحفظ ( الثقيل) الذي يتحدث به الرفاق.. & يعم البيت جو رسمي.. نتنفس الصعداء بمغادرتهم.&
احمد الصافي النجفي يفد الينا من لبنان ابي يقابله بسرور صادق غير انه سرعان ما يضيق بمزاجاته القلقة واحاديث الزمن العتيق.. &لا يظهرها ولكني احس بملله.. انسحب بالصافي غالبا بحجة تهيئة مكان نومه وراحته.. &اعرض عليه غرفتي وسريري.. &" افضل النوم على فراش فوق الارض.. ".. آتيه بفراش ووسائد وارتبها في مكان مناسب من الصالة.. "لالا.. ضعها في هذه الزاوية.. انا لا اطيق ان اكون قريبا من الجدار.. " اُبدل موقع الفراش.. فيقتنع لحين.. " لالا.. المكان الاول كان افضل.. " اعيد الفراش لموقعه السابق.. " لا تزعل مني يا دكتور.. هل لديك مانع ان نضعه قرب باب الشرفة.. &هل تعلم يافلاح انني كنت احملك على كتفيّ صغيراً وادوربك في ازقة باب الطوسي في النجف.. &.. "هل لك ان تفتح النافذة رجاءً.. لالا ليست هذه القريبة بل تلك".. &"هل يمكنك ان تغلق النافذة يا فلاحي احس تيار هواء بارد".. "اتركْ باب الصالة مشرعاً فانا اختنق في الغرف المغلقة".. "لالا اغلقها رجاءً فلا احس بخصوصية مكاني وهي مشرعة.. ".. كل ليلة من وجوده معنا يتكرر المشهد ذاته.. &ولكن بعد ان يخلع غترته وعقاله ويسترخي نصف مستلقٍ ومستند على كوعه يبدء حديث الذكريات الحلوة المطعمة بهذا المقطع الشعري او ذاك.. لا يتمكن منه النوم.. &ولا احس انه قريبا سيستلم للنعاس، فاحضر له كأساً من الماء وانسحب بحجة تحضيرمواد دراسية للغد. &
عبد الرحمن الخميسي الذي اعشق قصصه القصيرة في دارنا.. هو في دمشق في مؤتمر للادباء، وهي مناسبة ان يزور الجواهري في داره وان يقدم له مجموعته القصصية الجديدة (رياح النيران)، والتي يشيد فيها بالجواهري ويضمنها ابياتا من شعره النضالي.. الجواهري اكثر من سعيد بلقياه ويسترجع معه ايام طه حسين والخمسينات و(قاهرة الجواهري).. لا اغادراللقاء حتى يغادر. &&
.. محمد شفيق غربال الطيب ذو الوجه الباسم &المتواضع الذي يرى انه قد انجز شيئا كبيرا بلقاءه بالجواهري.. يعرض على الجواهري مشروع حلمه (الموسوعة العربية)، "سابدأها يا استاذنا بـ(الموسوعة الميسرة) & &واعقبها بعد حين بـ(الموسوعة العربية االشاملة ).. ".. &"هذا هو الذي سيكتب عنك وعن جدك (صاحب الجواهر) في الموسوعة.. اقرأه وارجو ان ينال رضاك ".. &الجواهري يطري المشروع ويثمنه ويثمن جهد غربال العظيم.. &يغادر الرجل شاكرا فرِحا محييا جميع من في الدار.&
.. الجواهري في طرابلس بدعوة من كبار ضباط الجيش السوري.. في الجلسة الأحتفائية والكل منطلق، والكؤوس تدور. يطلب منه ان يروي غزلياته.. النسوة الملهمات ورائها " وماذا عنك استاذ جواهري.. وجميلات سورية من حولك ؟!".. ينطلق وهو يروي بمرح بعض غزواته للحسان في دمشق.. الكل منشرح يعلق بظرف واستحسان وطالبا االمزيد، إلا احدهم يجلس صموتا، ثم مطرقاً برأسه واخيرا يحتقن وجهه &. & & & & & & & & & & & & & – استاذ انت تتحدث عن نساءنا السوريات.. هن عنوان الشرف.. هن كراماتنا استاذ!.. يقولها الضابط محتقن الوجه مطرقا براسه. & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & & – النساء هن النساء في اي بقعة من الكون يجيب الجواهري بمرح. & & & & & & & & & & & & – (ياغريب كن اديب) ! يجيب الضابط وهو لا يزال مطرقا براسه. & & & & & & & & & & &– هل تريد ان تعلمني الادب ايها الغر.. يا قليل الحياء. &
& – تسكت وإلا ( أطخك بالفرد ) نهض الضابط واخرج مسدسه من قرابه. &
&قفز ( نخله كلاس ) واحتضن الجواهري مهدئا، ودفع آخرون بالضابط خارج الصالة. &
.. الجواهري يجلس صموتاً.. يهز براسه سارحاً " إيهْ دْنيـــــــــا !.. " يطلقها بحسرة،.. ينهض بتصميم "اودعناكم !" يقولها بحزم مودعاً الحاضرين هازاً ذراعه المرفوعة ويخرج. &
&زاد الطين بلّة دعوة الرئيس شكري القوتلي للجواهري.. &
.. بعد جلسة ترحيب وحديث في القصر الجمهوري، يشير القوتلي الى أحد المرافقين في قاعة الاستقبال فيحضر مظروفا يأخذه القوتلي ويقدمه الى الجواهري. &– هذه هدية الرئاسة استاذنا العزيز ارجو قبولها.. &يتردد.. القوتلي يكرر العبارة " هدية الرئاسة والهدية لا ترد.. ". &&
في غرفة التشريفات يتوقف الجواهري قبل مغادرته.. ياخذ ورقة من المظروف &من فئة المائة ليرة، ويكتب على ورقة صغير بضعة ابيات &راجياً من القوتلي فيها أن يوقع المائة ليرة &ليحتفظ الجواهري بها كذكرى عزيزة.. يعيد الى التشريفات المظروف الذي يحمل الهدية النقدية شاكراً..&
سيديي لا يسؤك ضيقي بما اوليت &ذرعــا &ولايَـرمكَ إنزعــــاجُ&
انا والله راكـــعٌ في ذرى لطفكِ & & & مابــي الى سواكَ احتياجُ
انا والله ضيفُ ساحتــكِ الغناءْ & & & فيـــها سُـــــرايَ والإدلاجُ&
غير أني بالمـــالِ أَضــــوَي & & & وإن اُسمنَ غيري إن النفوس مزاجُ&
&وتأتي ذكرى المالكي.. &ويحتشد الملعب البلدي بالمنصتين الى الجواهري ويضج بين حين وآخر بالتصفيق والاستحسان. &&
.. &يعود الى الدار بعد القصيدة مبتسماً.. &ويقول بصوت مرتفع : &
" شدي الرحال يا أم نجاح !.. &سنعود الى بغداد "&
كل من في البيت كان يتوقع هذا القرار ولم يفاجأ به أحد &
***
" كانت مفاتيح دمشق جاهزة كي تسلم للرئيس جمال عبد الناصر وقد سلمه اياها الرئيس شكري القوتلي فيما بعد مكتفيا ان يحظى بلقب (المواطن الاول) ثم كان ما كان وانتهى امر الارتجال في اول وحدةعربية الى ماهو معروف :&
.. في هذا الجو احسست انني رجل شبه ثقيل على من بيدهم امور القيادة وكانت ظلال تلك الثقالة ترفرف فوقي واحسها اينما ذهبت لانني مبتلى برهافة الحس كما يعرف القاريء وذلك لمجرد انني عراقي وابي عراقي.. &
.. &بلغت المضايقات حدها عند لحظة تكاد تكون حاسمة وذلك فيما كان بيني وبين صديق –هشام صديقي، وهو احمد الحنيدي الذي سيصبح بعد ذلك وزيراً في حكومة الوحدة الموقتة والمحدودة للاسف، فقد كان منه وانا في شبه نزاع عابر معه، أن شهر مسدسه عليّ ويده على الزناد وكان ذلك خلال زيارة الى طرابلس وفي احد الاديرة التي كانت محطتنا الاولى.. &لولا تدخل الصديق نخلة كلاس وهو يفصل فيما بيننا بان يضع صدره مكان صدري لكنت أنا في الابدية والحنيدي في السجن على اقل تقدير. & &
المفارقة العجيبة في هذا الموقف أنني كنت في صميم نفسي ومنذ اللحظات الاولى التي تعرفت فيها على الحنيدي من المعجبين به وبقوة شخصيته، فأن تكون هذه النهاية بعد تلك البداية فذلك من سخريات القدر ليس إلا.. & & &
من هذه الضروف ومن هذا الواقع.. &ومن منطلق إنني الرجل الذي لا يساوم على المواقف، بخاصة تلك التي تتعلق بالكرامة.. &فقد بدأ العد التنازلي، فيما بين هذه السنة الثانية وتلك الاولى، يأخذ مجراه وبحدة حتى حانت ساعة انفجار الغضب المكبوت في يوم الذكرى الثانية لاستشهاد" عدنان المالكي. & &
ترنّـحت من شكاة بعدك الدارُ & & & & & &وهبَّ بالغضبِ الخلّاق اعصارُ &
وأرعدَ الوطن الغالي وقد ثَـقلت & & & & &عليه مما جنى الجـانونُ اوزارُ
هنا بجلّـق عملاق على بردى & & & & & &وثَمَ في مصر يحمي النيل جبارُ&
إسلمْ جمال لنا &نسلم فقد عرفت & & & & & بك الكرامة في الشرقين أمصارُ
جُزيت عن أمّـةٍ أنعشتَ تربتها & & & & & &خيراً كما جُزيت سمحاء مدرارُ&
حتى اذا الغيبُ ابدى حُرّ صفحته & & & &وحان للأجلِ المضروبِ مقدارُ
تنفس الصبح عن مصريةٍ ولها & & & & &في المهد شبلٌ قبيل الزأر زئّارُ
دمشقُ: لم يأتِ بي عيشٌ اضيق به & & &فضرعُ دجلةَ لو مسّحت درارُ &
لو شئتُ كافأ مثقالاً اصرّفه & & & & & & شعراً من الذهب الإبريز قنطارُ&
يا سادتي إن بعض العتبِ مَنبهةٌ & & & لغافلين وبعض الشِـعر إشــعارُ
أنا العراق لساني قلبه ودمي & & & & &فراتـــه وكيــاني منه اشطــار
&
التعليقات