&
دائما ما ينظر إلي العلاقة بين الشعر و الفلسفة علي أنها علاقة تصادم و تناقض و جذب ، و ليس علاقة توافق و انسجام و ربما يكون السبب في هذا الانطباع هو اختلاف طبيعة كل من الفلسفة و الشعر ، فطبيعة الفلسفة قائمة علي التفكير المجرد و البراهين العقلية ، أما الشعر فيعتمد علي الخيال و مخاطبة الروح لذا يبدو من الوهلة الاولي البون شاسع بينهما و لا وجود لعلاقة بينهما ، و هذا واضح علي مر التاريخ . لكن بنظرة فاحصة و موضوعية شديدة نري أن هناك خيط رفيع بينهما في العلاقة رغم المقولة الشهيرة التي تقول ان موت الفلسفة يلازمه موت الشعر. و يجب أن نوضح ان الانسان مركب من عقل و روح و جسم و يجب أن يوجد الاثنين لمخاطبة الجانبين أي العقل و الروح ، الفلسفة تخاطب العقل و الشعر يخاطب الروح ، و كلاهما يكمل الاخر ،بمعني ان هناك جانبان في الطبيعة البشرية الشعر يخاطب جانب العاطفة و الروح و الوجدانات ، و الفلسفة تخاطب العقل و التفكير ، و لا غني عنهما في بناء الطبيعة البشرية. و يوجد عدد كبير من الفلاسفة و المفكرين الذين يوكدون علي وجود هذه العلاقة الوطيدة أو بمعني أدق علي وجود الخيط الرفيع بين الشعر و العقل ، فالفلسفة في أحد تعريفاتها هي محاولة لمعرفة الروح . و من هنا ينتمي الفيلسوف الي مملكة الشعر اكثر من انتمائه إلي أي شخص أخر ، اليس الشعر هو محاولة لمعرفة الروح. و لا يقف الامر عند حد التعريف فقط ، بل يبدو ان للفلسفة و الشعر منبعا واحدا. فافلاطون نفسه يقول ان منبع الفلسفة هو الدهشة ، و يقول أرسطو أن الدهشة التي اعترت الناس يعزي أنهم الان يبداوان الان كما بداوا أول مرة الفلسفة ، و من ذا يماري في أن الدهشة هي المنبع الاصيل لكل شعر حقيقي ، و إذا كان الفيلسوف الالماني كارل ياسبرز يقول أن من طبيعة الفلسفة ذاتها أنها لابد ان تستغني في اي شكل من أشكالها عن الاعتراف بها اعترافا يعتمد عليه الاجماع ، اليست هذه طبيعة الشعر أيضا. و ربما كان أرسطو هو أول من انتبه إلي الخيط الرفيع و العلاقة بين الفلسفة و الشعر بقوله أن الشعر اكثر تفلسفا من التاريخ. لان الشعر ينطوي بطبيعته علي الكشف. و كما يقول ( كولردج) أن الشاعر هو فيلسوف علي نحو ضمني.أما (شيللي) فيقول أن الشعراء فلاسفة بلغوا أسمي درجة من القوة و أن الشعر هو مركز كل معرفة و محيطها.فالفلسفة و الشعر هما خطابان معرفيان ليس من السهل فصلهما . و ليس اهتمام الفلسفة بالشعر بالشي الجديد بل يمكن القول أنها المجال الذي ترعرعت فيه نظرياته الكبري و الحقل الذي يتامل فيه ذاته و يتعقلها بوصفها ممارسة انسانية دالة علي نشاطه العقلي و الوجداني. بالتالي يوجد خيط و لو رفيع يجمع بين الشعر و الفلسفة في مركب واحد رغم تباين طبعتهما و اختلافهما ، لكن كل من الشعر و الفلسفة يخاطب مجال في الطبيعة البشرية و يعمل علي تطورها ، الشعر يخاطب الوجدان و الروح ، و الفلسفة تخاطب العقل و التفكير و كلا المجالين يوجدان في الانسان و لا يمكن الفصل بينهما.&
&