طالما تثير المقدمات في الكتب الفضول ،سواء التي يكتبها المؤلفون انفسهم او النقاد والادباء الذين يستعين بهم المؤلف، وطالما يحاول البعض ان يعرف الغرض منها لاسيما انه امام نص مكتمل باستطاع القاريء وحده تفسيره او الحكم عليه.
& & ربما يتساءل احدنا : لماذا تكتب المقدمات للكتب؟ هذه التي نراها واقفة على ضفاف اغلب متون المؤلفات الابداعية راسمة نفسها باشكال شتى كدعوة للدخول الى العوالم التي تليها ،ولماذا لا يترك المؤلف نصوصه للقراء من غير استهلال توضيحي لما يحدث داخلها فيكون رجع الصدى من دون اي تدخل خارجي ،حيث ان المقدمة تدخل خارجي ربما يؤثر على تصورات القاريء .
&تساؤلنا هذا يجعلنا ننظر الى وجه المؤلف، نتخيله وابتسامة غامضة مرتسمة على محياه تحاول ان تجذبنا الى عالمه الابداعي عبر تلك المقدمة فيحاول المؤلف ان يحركنا باتجاه ما كتبه لاسيما ان الذي يكتب المقدمة له لابد ان يكون شخصية معروفة ،ومن هنا تساءلنا ايضا &هل ان مقدمات الكتب ..رسالة نجوى ام حديث معلم ؟، اذ ان هناك من يراها ضرورية بينما هناك من يراها غير ضرورية .
باب موارب للمؤلف
هذا الكلام وعبر التساؤل اعلاه جعلني ابحث عن اجوبة ، فقد سبق لي ان طرحت السؤال على الاستاذ الراحل محمد الجزائري، الناقد الادبي والفني، فأجاب عنه قائلا : تتفاوت مقدمات الكتب عادة بحسب الكاتب والموضوع، بعضها كما في مقدمات اطاريح الدكتوراه والرسائل الجامعية، يحدد فيها منهج الرسالة وخلاصة لفصولها واقسامها ومحاورها ويقدم الشكر لاساتذته الذين عاونوه.
&واضاف: اما الكتب الاخرى فتختلف وجهة نظر منتج النص حول طبيعة مقدمته، بعضهم يشكل المقدمة استهلالا للمنهج ومفتاحا للقراءة والتأويل وموجها للقاريء، وبعضهم يعتبر المقدمة جزء من نسيج الكتاب كأنه الفصل الاول منه،ولا كتاب بدون مقدمة &او فاتحة بدء من القرآن الكريم الى اخر الكتب،عدا دواوين الشعراء، بعضهم يكتفي بمقتطفات هي منصات للدخول الى عالم القصيدة وبعضهم يلغي ذلك كله فيدخل جنة الشعر او جحيمه من دون بوابات او مقدمات عدا العناوين ،اذا اعتبرنا العنوان في القصيدة،كاجتهاد، مقدمة مكثفة جيدة مكتفية بنفسها ،فتكون المقدمة مصدا اوليا لامتصاص ردة فعل القاريء حين يتوغل في القراءة وكأن الكاتب يخشى فتح ابوابه على مصاريعها كي لا ينكشف تماما من الوهلة الاولى، فيلجأ الى باب موارب مفتوح قليلا .. قليلا حتى يتدرج في الانتقال من خارج المكان الى داخله .
&
بوابة المعرفة الاولى
اما الناقدة الادبية اشواق النعيمي، فقد اكدت ان المقدمة تعد بوابة المعرفة الاولى للقاريء، وقالت : &تعد المقدمة المدخل الرئيسي الذي يستعرض فيه المؤلف رؤاه وافكاره واسلوبه في الطرح ونهجه الذي سار عليه في تناول المادة ومبررات تأليف الكتاب اضافة الى عرض اقسام الكتاب واهم مصادره .
واضافت: اما بالنسبة للقارىء فيعد بوابة المعرفة الاولى والعتية الاهم لولوج فضاء الكتاب المعلوماتي والنصي .
وأوضحت : بالنسبة لي المقدمة مهمة جدا للتعريف بالكتاب ومن خلالها يمكن للقارىء تكوين فكرة اولية للمحتوى الكلي
ضرورية للكتاب ولكن
من جانبه اكد الكاتب والروائي جابر محمد جابر ، انها ضرورية للكتاب اذا ما تصدى لها كاتب جيد،وقال : انا اعتقد انها لاضاءة المادة التي يحتويها الكتاب كان تكون قراءة تحليلية او تواصل قرائي لما سبق واصدره الكاتب ، ومن الطبيعي ان يكون كاتب المقدمة على دراية ومعرفة تامة بمنجز الكاتب واحيانا تكون المقدمة مستلة من كتاب رائج ومعروف يرى فيها المؤلف توأمة لمنجزه او تطابقا مع خط سير كتابه .
&واضاف: عموما المقدمة احيانا تكون ضرورية لكتاب ما اما بتعريف الكاتب ومنجزه الجديد &ونادرا ما تكون المقدمة &تعشيقا او سدا لفراغ تركه المؤلف &لكن كل مقدمة تتوقف على نشاط وفاعلية كاتبها ومرجعياته النقدية او الفكرية كونها تعبر عن حالة ابداعية تتسم بالوضوح والجدية .
&وتابع: هناك مقدمات &تسيء للكتاب والكاتب &يقع فيها بعض راكبي الموجة من انصاف المثقفين بفعل الطفرة الماهوية التي &اوجدها بعض الطارئين على المشهد الادبي &،فنجد ان كاتب المقدمة يفتقر لابسط شروط الكتابة الادبية لغة وانساقا معرفية ويتعكز في مقدمته على نصوص الكتاب بينما نجد مقدمات لكتاب تضيف لها روعة لما يحمله اسم كاتب المقدمة من وزن معرفي وثقافي مشهود له بالنضج وعمق التجربة خصوصا ادا كان من الاكاديميين المعروفين والبارزين في منهجية الدرس.
ليست ضرورة منهجية او فكرية
& & اما الكاتب حيدر سعيد فقال : يبدو لي ان ما نسميه (مقدمات الكتب) اعني تلك الفقرات التي تتصدر الكتاب بعد العنوان وتشرح دواعي التأليف واهميته والمنهج المتبع فيه وكيفية تقسيم الكتاب ،ينتهي الى ما ارغب ان اصطلح عليه هنا (طرق التأليف المعاصر) ، اي ان مقدمات الكتب لايمكن ان تشكل ضرورة منهجية او فكرية او تأليفية بالقدر الذي تكون فيه قانونا عرفيا او جزء من سنن التأليف، وانها ايضا تنتمي الى نظام تأليف خاص.
&واضاف: واذا كنا هنا نكشف ،بقدر ما، عن تاريخية (المقدمة) فإن علينا ان نشير الى حركة اخرى تتعرض لها،بل يتعرض لها مفهوم الكتاب اصلا مع انتهاء عصر غوتنبيرغ وبداية العصر الالكتروني هذا الذي كان ليعيد بناء (المقدمة) داخل الكتابة لا داخل الكتاب، حين كان شيئا (خارجيا) نتوسم به الوصول الى (الغاية) و (الموضوع)، انها الان عنصر في نظام كتابتنا لا يشرح دواعي التأليف واهميته والمنهج المتبع فيه وكيفية تقسيم الكتاب .
فن التلخيص
&الى ذلك اكد الناقد الادبي زهير الجبوري ، ان المقدمة هي فن التلخيص وقال : ربما هو تقليد منهجي ..أو هو وجه ملخص لكل عمل علمي داخل كتاب ..وله أهمية كبيرة بوصفه الزبدة العلمية التي تحوي الموضوعة برمتها بخلاصة وافية،كما أجد من الضروري تقسيم المقدمة وفق بناء علمي سليم ..لا كما يحصل الآن حين نمسك بمقدار ذات بناء ضعيف من الناحية الفنية.
واضاف: المقدمة هي فن التلخيص ..تعتمد على كثافة المعلومة وتقديمها بالشكل الذي يناسب الجهد الذي يناسب المحتوى، ويمكن تسمية المقدمة بفن الاسترسال الملخص أن صح التعبير ..بمعنى تقديم الوجه الملائم والمشذب للمحتوى .. وإذا كان لفن الكتابة شروط ..فإن لفن تقسيم الكتابة داخل مشروع ثقافي أو فكري أو فني معين ضوابط لابد العمل بها ..فتكون المقدمة &وحدة من هذه الضوابط،لذا أصبحت بكل أهميتها ضرورة فنية ..نتعامل معها بوصفها (ميديا) المنجز الإبداعي برمته ..حتى وإن كان المنجز بصري أو مرئي.
&
التعليقات