الرباط - المتابع لتطور الشان الثقافي في المغرب، يلاحظ في المدة الأخيرة، أن هناك توجها بدأ يفرض نفسه، وإن عن استحياء وخجل، نحو البحث في جوانب الخصوصية المغربية، تاريخا وحضارة وعادات وتقاليد.

في هذا السياق، صدر اخيرا كتاب جديد بعنوان" المسهب في أسرار المغرب، أو المغاربة كما هم" من تأليف الدكتور صالح شكاك ، الذي أوضح في المقدمة، إن المتأمل في الرصيد المصدري والكتبي للمغرب سيلاحظ غياب المؤلفات التي تخصص للخصوصية المغربية ما تستحق من وقفات وتأملات.
وباستثناء كتب التراجم والسير وكتب التاريخ، لاحظ المؤلف أيضا غياب عناوين تبسط للطرائف والمستملحات المغربية ركنا أو حيزا يستحق أن يكون اعتبارا، متسائلا: هل يعود الأمر إلى غياب هذا النوع من التراث من ذاكرة المغاربة، وهو أمر مستحيل في هذا البلد الذي يتنفس المستملحات وينتجها باستمرار، أم مرد ذلك إلى كون المؤلفين المغاربة كانوا جديين فوق العادة، فلم يلتفتوا إلى هذا النوع من الآثار التي تعبر عن الشخصية المغربية ومواقفها من الأحداث والتقلبات والوقائع، فاعتبروا الأمر مضيعة للوقت وهزلا لا يعتد به، أم دسوا ذلك فيما كتبوه بين السطور فاكتفوا تارة بالإشارة وبالتلميح وتارة مروا مرور الكرام؟.
وأضاف شكاك ، في مقدمة الكتاب " إن هذا الواقع يحمل أكثر من دلالة ويدعو إلى التفكير الجدي. فلماذا لم يؤلفوا على غرار" العقد الفريد" لابن عبد ربه، و"الأغاني" للأصفهاني، و"حدائق الأزاهر" لابن عاصم الأندلسي، و"المستطرف" للإبشيهي، إلى غير ذلك من المؤلفات التي حاول أصحابها جمع المواقف الطريفة والأحداث الظريفة مما تصبو إليه النفس للمعرفة والاستمتاع الهادف في اللغة والموضوع ؟".
وأشار شكاك إلى أن الكتاب هو عبارة عن رحلة في ذاكرتي المكان والزمان، في تفاعل الإنسان المغربي مع محيطه، مع تقلبات الدهر ونكباته، بين الرفض والقبول والحياد، في الإقبال على الدنيا بالأريحية والتفاؤل أو بإعطائها الظهر وعدم الالتفات إلى غواياتها..بين عويل وهمس وصمت مكنون، بين تصريح وتلميح، وكشف بكافة أشكال التعبير المباحة والممنوعة، الظاهرة أو المقموعة، بين كل هذه الثنايا تبرز الأفكار والأسرار والقناعات وتتضارب الرؤى والاتجاهات والميولات.
وابرز الكاتب أن المجتمع تراوحت فيه الأفكار بين الاندفاع والتراجع وتناقضت فيه ردود الأفعال بين الاستكانة والتهور، بين التقهقر والإقدام،وتعددت فيه المشارب والسلوكات والمسالك.. بين السذاجة والذكاء، بين الصفاء والنفاق، بين الغدر والوفاء، بين الكرم واللؤم..مجتمع اصطاد لحظات عسيرة للفرح فيما كان ضحكه مؤجلا أو مخيفا مجهولا في تبعاته، مجتمع سكنه الغم والهم والحزن الدفين، مجتمع تقلب بين غياهب الجهل وعوالم العلم ،بين موائد الغنى و سراديب الفقر ،بين أنياب الأوبئة والمجاعات والعافية والكفاف والغنى والإسراف، وتعرض لشتى صروف الدهر من ظلم ذوي القربى ، و تعسف الحكام وغضب الطبيعة، على حد تعبير المؤلف.
وأعتبر شكاك هذه التناقضات بأنها عكست طبيعة الإنسان،وعكست ذاكرة مجتمع مثقل بالتاريخ والتراث، مولع بالكلام، منبهر بالجغرافيا، مفعم بالنغم، مرتبط بالأمكنة، مسافر دوما في رحاب الكلمات والرموز. لذلك اكتسب خصوصياته التي انفرد بها عن باقي الشعوب والأمم، واشترك مع شعوب العالم في الكثير من الأحاسيس والتعابير والمواقف ذات الصبغة الإنسانية.
وأردف المؤلف في مقدمة كتابه: "في هذا المستطرف ما هو مقتبس من ذاكرة الناس سمعا أو رواية مباشرة أو بشكل غير مباشر، صنفناه في خانة التراث الشعبي، وما هو مقتطف من كتب ومقالات ومخطوطات إما بشكل مباشر بالعودة إلى الأصول أو بالاقتباس ممن سبق وأن اطلع على ما رمنا الإطلاع عليه إلا أن الظروف لم تسعف... ومن الحكايات التي اعتبرت في الكتاب تراثا شعبيا هي في الأصل نصوصا مدونة ومن المدون ما كان في الأصل تراثا شفويا قبل أن يجرفه المداد نحو الورق. وقد حاولنا فيه أن نغرف من كل بحر جرعة وأن نجني من كل حقل زهرة وأثتنا هذا السفر بصور تختزل المشاهد وتقرب الخلاصات".