ولكن إذا سلمنا بأن هذا تحديد مقنع للقصيدة، فعلينا أن نبحث عن تعريف للشعر? أن كتابات أفلاطون والأسقف تيلور والنظرية المقدسة? &Theoria Sacra لبيرنت تمدنا بأدلة لا سبيل إلى إنكارها، على أن أسمى أنواع الشعر قد توجد دون وزن وبدون الغاية التي تتميز بها القصيدة. وكذلك الإصحاح الأول من سفر أشعيا. بل جزء كبير من السفر كلّه، هو شعر بالمعنى الأكيد لهذه الكلمة. ومع ذلك فمن الغريب بل من الخطل ان نظن ان اللذة، لا الحقيقة، هي الغاية المباشرة لذلك النبي. وخلاصة القول انه مهما يكن المعنى الخاص الذي نحمّله كلمة "شعر"، فانه يستتبع بالضرورة أن أيّة قصيدة مهما يكن طولها لا يمكن بل لا ينبغي أن تكون كلها شعراً. ومع هذا فلكي تخرج القصيدة كلاً منسجماً يجب ان تتلاءم الأجزاء الباقية "غير الشعرية" مع الشعر، ولا ينتم هذا إلا بالاختيار المقصود &والترتيب الفني بحيث تتحقق صفة من صفات الشعر وان لم يكن الصفة المميزة له/ هذه القصة هي إثارة قسط من التنبه المستمر المتكافئ أكبر مما ترمي إليهلغة النثر حديثاً كانت أو كتابة. لقد بيّنت النتائج التي توصلت اليها مما يختص بماهيّة الشعر، بالمعنى الأدق للكلمة، في حديثي السابق عن التوهم والخيال "ما هو الشعّر" انه تقريباً نفس السؤال: "ما هو الشاعر" إذ ان الاجابة على أحدهما مضمَّنة في ايضاح الآخر، لأن التمييز ناجم عن العبقرية الشعرية نفسها التي تحفظ الصور والأفكار والعواطف التي في ذهن الشاعر، وتعدّلها.
والشاعر، في أكمل حالاته، يبعث النشاط في النفس الانسانية بأكملها، بربطه ما فيها من ملكات، الواحدة مع الأخرى، كلاً بحسب قيمتها وشرفها. انه يبعث نغمة وروحاً من الوحدة التي تمزج بل تصهر الأشياء بعضها مع البعض الآخر بتلك التركيبية السحرية التي خصصناها بلفظة "الخيال" هذه القوة حين تساق إلى العمل بالإرادة والفهم وتظل تحت سلطانهما الذي لا يهن، مع انه لطيف خفي ?مسوقة بأعنّة مرخاة. تكشف عن ذاتها في خلق التوازن أو التآلف بين الصفات المتضادة أو المتضاربة، فهي توفق بين المؤتلف والمختلف، والعام والمحسوس، والفكرة والصورة، والفرد والنموذج، والطريف والتليد، وتجمع حالة من الانفعال غير عادية إلى درجة من النظام عالية، وتؤلف بين الحكم المتيقظ دوماً وضبط النفس المستمر من ناحية، والحماسة والشعور العميق أو الطاغي من ناحية اخرى? وبينما هي تمزج الطبيعي بالمصنوع، وتوّفق بينهما، إذ &هي ما تزال تُخضع الفن للطبيعة، والقالب للمادة، وإعجابنا بالشاعر لتعاطفنا مع الشعر. ويمكننا هنا ان نقتبس ما قاله سير جون ديفز عن الروح : "ان ألفاظه بعض التحريف يمكن أن تطبّق، ولعلّها تكون أكثر ملاءمة، على الخيال الشعري"
لا شك ان هذا لا يمكن ان يحدث، على انها تحوّل
الأجسام إلى روح بتسامٍ غريب
كما تحوّل النار الأشياء التي تلتهمها إلى نار
وكما نحوّل نحن الطعام إلى طبيعتنا

انها مجرد أشكال الأشياء من طينتها الغليظة
وتستخلص منها نوعاً من الجوهر
تحوّله إلى طبيعتها الخاصة
لتحمل لها النور على أجنحتها العلويّة

هكذا تفعل هي، حين تجرد من الحالات الفردية
الأنواع العامّة
تلك التي تتسربل بعد بأسماء وأقدار مختلفة
وتتسلل من خلالها حواسنا إلى عقولنا

وأخيراً فإن الفهم الجيد هو جسد العبقرية الشعرية، والتوهم هو بزّتها والحركة حياتها والخيال روحها الذي يوجد في كل مكان وفي كل جزء، ويحوّل الجميع إلى "كل" لطيف ذكي.