فلسطين تفتقر لكفاءات قادرة على التثقيف الجنسي
التحذير من ثورة جنسية عارمة


خلف خلف من رام الله: موضوع الثقافة الجنسية موضوع خطير وحساس وشائك للغاية يتحاشى الجميع التحدث فيه لتشابك عناصره المهمة وتداخلها، ولذلك يبقى عند المراهقين سرا يسعون بجهد لفك رموزه ونزع ما يغلفه من أوهام وخيالات، ونحن نقصد هنا التثقيف الجنسي Sex education للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام وذلك لتعليم الأطفال والمراهقين ما يسمى بالجنس الآمن Safe sex، ولكن عوائق عدة في مجتمعنا تقف في وجه هذه المسألة منها الخجل، الخوف والتقاليد الاجتماعية، والعادات المتوارثة، وثقافة "العيب"، والحرام.
ويقال أن إدراك وجود المشكلة هو نصف الحل، بينما تجاهلها يمكن أن يؤدي إلى تفاقمها بصورة لا يصلح معها أي حل عند اكتشافها في توقيت متأخر، لذلك سارعت الكثير من الدول إلى السعي قدما وبدأت بالاهتمام في هذا الموضوع، وسنحاول نحن هنا الوقوف على أعتاب هذه المسألة لمعرفة مفهومها، وكذلك لمناقشة خطورة تجاهلها، ومعرفة الوقت الزمني الذي يجب أن تبدأ فيه هذه العملية البسيطة بمفهومها، والمعقدة بتطبيقها.

المقصود بالتثقيف الجنسي
تعرف أنها عملية اكتساب المعلومات وتشكيل المواقف والأفكار التي تدور حول الجنس، والهوية الجنسية، والعلاقات والألفة، كذلك تتعلق هذه الثقافة بتحسين وتطوير مهارات الشباب من الجنسين كي تتوفر لهم خيارات مفتوحه حول سلوكهم ويشعروا بالراحة والمقدرة على تنفيذ هذه الخيارات.
أما في قاموس علم النفس تعني: استخدام الوسائل المساعدة في معرفة وتوضيح الخصائص الإنسانية المرتبطة بالجنس.


لماذا التثقيف؟
الإنسان كائن يحتاج دائما للإجابة على أسئلته التي تشغل تفكيره في معظم الوقت، ولذلك إذا لم يجد أحد يجيبه على تلك الأسئلة سيحاول الحصول على إجابات من أي مكان يتسنى له، وهذا تحديدا ما يحصل مع المراهقين الذين قد يلجؤون إلى المجلات والأصدقاء للحصول على الثقافة الجنسية، والذين قد ينقلون إليهم معلومات خاطئة ومشوهة.
ومن هنا تنبع أهمية وجود ثقافة جنسية مدروسة ومبنية على أسس علمية تكون بمثابة دليل ومرشد للشباب من كلا الجنسين، حتى يتسنى لهم بناء حياة مطمئنة، ولأن العملية برمتها تدور حول تطوير قدرات الشباب على اتخاذ قرارات طوال حياتهم، لذلك يعتبر التثقيف الناجح هو ذلك التثقيف الذي يساهم في تحقيق هذا الهدف العام.
ولعلنا نلحظ في اغلب الأحيان أن الشباب والشابات يعتريهم حالة من القلق الشديد، والتي قد تقود بدورها إلى التوتر والاضطراب نتيجة الأسئلة التي تدور حائرة باحثة عن جواب، ويجمع معظم الأطباء النفسيين أن علاج هذه الاضطرابات يعتمد في جزء كبير منه على التثقيف الجنسي وإعطاء معلومات طبية وعلمية حول الوظائف الجنسية الطبيعية للإنسان، وأيضاً على تعديل أفكار الخاطئة عن الأداء الجنسي وعن عدد من الأساطير الشائعة المرتبطة بالجنس، وكل ذلك يتم أما من خلال جلسات تثقفيه أو من خلال كتب معينة، والتي تسهم معلوماتها بتخفيف القلق الجنسي والشعور بعدم الاطمئنان.
كذلك يوفر التثقيف الجنسي للشباب فرصة سانحة لمعرفة الأسباب وراء رغبة البشر في الجنس والتفكير كيف أن ذلك يتضمن الأحاسيس والعواطف، احترام الإنسان لنفسه والناس الآخرين وأحاسيسهم، قراراتهم وأجسامهم، يجب أن يتوفر للشباب فرصة لمعرفة الفرق بين (الذكر والأنثى) وكيف أن العرقية والعملية الجنسية يؤثران على مشاعر البشر وخياراتهم، كذلك يجب على الشباب أن يكونوا قادرين على التحديد من خلال أنفسهم ما هي العلاقات الإيجابية.
ويقول الدكتور عبد الله عيسى مشعل أخصائي العلاج الجنسي والزوجي وعضو الجمعية الإسرائيلية للعلاج الجنسي أن الوضع الآن يقف على أعتاب ثورة جنسية عارمة، ونحن في مفترق طرق، إما انفلات على الطريقة الأمريكية، أو نور على الطريقة الإسلامية.

فترة التثقيف
يحددها البعض بأنها تبدأ من الست سنوات وما فوق، ولكن علماء النفس والتربية يختلفون في تحديد السن المطلوبة لبداية هذه العملية، ويدور الجدل الحاصل حول أمرين: تقديم المعلومات في سن مبكرة، وآخرين يعتقدون أنها يجب أن تبدأ العملية في سن متأخر قليلا، ولكن رغم هذه الاختلاف إلا أن الجميع يرى أنه يجب تقديم معلومات مبسطة وبلغة هادئة بعيدة عن الإثارة والابتذال ضمن إطار ما يعرف باسم (حقائق الحياة).
منير قزاز عميد شؤون الطلبة في جامعة بيرزيت تحدث في هذا الموضوع قائلا: "العملية التربوية يجب أن تبدأ في المدارس، لان الطالب يقضي وقتا ليس بالبسيط في المدرسة، وخاصة عندما يبدأ في سن المراهقة، يفترض انه بدأ تأهيله كعنصر فاعل في المجتمع، ولكن الواقع مخالف لذلك، حيث تعاني المدارس والجامعات الفلسطينية للخبرات المؤهلة في هذا الجانب، كذلك بعض الأساتذة يعتبرون هذا الموضوع "عيب".
ويشير أن حالات وإحصاءات كثيرة تدل على وجود مشاكل جنسية، لكن معظم الناس تداري عليها، رغم وجودها على ارض الواقع، وينوه انه يجب متابعة مثل هذه القضايا وتوضيح الأمور.
ومن المهم هنا الإشارة إلى انه من الضروري الحفاظ على علاقة مفتوحة مع الأطفال من شأنها تزويدهم بالفرص لطرح الأسئلة عندما تكون لديهم.


أمور ضرورية
يتساءل البعض عن ماهية المعلومات التي يجب على الشباب معرفتها، لكي نحقق لهم استقرارا نفسيا، وحسب رأي علماء التربية فأن هذه المعلومات تتخلص في المواضيع الآتية: "التطوير الجنسي، والتكاثر، وموانع الحمل، والعلاقات الجنسية.
والمقصود هنا أن الأطفال بداية بحاجة إلى معلومات أولية حول كيفية التكاثر الجنسي، وتحديد نوعية الجنس، ومع الزمن يتم تعريفه بالتغيرات الجسدية والعاطفية والمتعلقة بالبلوغ، التكاثر بما في ذلك التلقيح ومفهومه والأمراض التي تنتشر عن طريق الجماع بما في ذلك الإيدز، ومن ثم نصل إلى مرحلة تثقيفه حول موانع الحمل وكيفية استخدامها وآلية الحصول عليها.
وفيما يتعلق بالمعلومات حول العلاقات، يحتاج الشباب إلى المعرفة حول السلوك والعلاقات بالإضافة إلى تشكيلة من الآراء الدينية والثقافية حول الجنس، العملية الجنسية وتعددها.


حلول
يرى البعض أن الحل الوحيد للخروج من هذا الحقل الذي يوصف بأنه شائك بالألغام، يتم من خلال إيجاد قاعدة سليمة تبدأ من البيت الذي يتكون من الوالدين، الذي يتوجب عليهم إقامة علاقات مفتوحة مع أولادهم لكي لا يضطروا بدورهم للحصول على معلومات من الخارج والتي من الممكن في أحيان كثيرة أن تكون مشوهة ومضللة، ولا يعني هذا أن المدرسة بعيدة عن هذا الحقل بل أن دورها يأتي مكملا، وهذا يتطلب إعداد ناس مؤهلين وذو خبرات جيدة قادرين على القيام بهذا الدور، كما أن الإعلام بكافة وسائلة مطلوب منه تقديم برامج تثقيفية هادفة، بعيدة عن البرامج الخلاعية التي تعج بها المحطات بلا هدف، وكما أن الأمر يحتاج لعقد دورات وندوات توعية وإصدار نشرات، وتزويد الأهالي بمعلومات عن الكيفية التي يجب إيصال المعلومات الصحيحة إلى أولادهم بالشكل السليم.