أمل خان من الكلاكلة (السودان): رقدت امرأتان متدثرتين بالاغطية على سرير خشبي فيما أخذ الشيخ محمود يصرخ في أذنيهما لابعاد الشياطين التي تقولان انها تدمر حياتهما الشخصية.تلا الشيخ محمود آيات من القرآن وضرب المرأتين بسوط على أرجلهما. وصرخت احداهما وأخذت تلوي يديها من الالم.وقال الشيخ محمود وهو رجل ضخم البنية يرتدي جلبابا أبيض وطاقية بيضاء ذو لحية كبيرة تصل الى أعلى صدره "يمكن ان اعقد جلسات مع خمسين شخصا لكن كلما كان العدد أقل كان أفضل لاركز على كل واحد منهم."

ويقول معالجون روحانيون مسلمون في السودان ان عدد من يتوافدون عليهم يتزايد يوميا بحثا عن حل لمشاكل بدءا من الخلافات الزوجية الى الصداع النصفي والجذام الى السرطان.

وذكر مسؤولون من منظمات الصحة الدولية ان قلة المال والتعود وراء اللجوء الى المعالجين الروحانيين في السودان حيث يشكل المسلمون نحو 70 بالمئة من السكان.

وجاء في تقرير التنمية البشرية للامم المتحدة ان هناك 16 طبيبا فقط لكل مئة الف نسمة في السودان وهو أكبر دولة افريقية من حيث المساحة وعانى من حرب اهلية في الجنوب لاكثر من عشرين عاما الى جانب الصراع الدائر في اقليم دارفور الغربي.

ويقول مسؤولون في الامم المتحدة ان اعمال العنف دمرت البلاد وانه ينبغي اعادة بناء المستشفيات والمدارس والطرق في الجنوب بينما ادى القتال في دارفور لفرار نحو مليونين من ديارهم الى جانب مقتل نحو 180 الفا.

ولم تفلت العاصمة السودانية الخرطوم من العجز ايضا. ويقول مسؤولو منظمة الصحة العالمية ان هناك نحو 2500 طبيب فقط وان عددا كبيرا منهم انهى التدريب الاساسي دون خبرة تذكر في مدينة يقطنها خمسة ملايين نسمة.

وذكروا ان الحكومة لا تغطي تكلفة جميع الخدمات الصحية تقريبا وان التأمين الصحي نادر جدا.

في منزل الشيخ محمود بأحد ضواحي الخرطوم على بعد 15 كيلومترا من وسط المدينة ترقد مريم وعائشة في ركن مسقوف باعواد الخزيران في ساحة مكشوفة.

قالت مريم بصوت عال وهي تتلوى على السرير "ضعيف .. ضعيف. كنت شيطانا كبيرا والان جعلت مني (شيطانا) صغيرا جدا" مشيرة فيما يبدو لجلساتها الاربع مع الشيخ محمود.

وفي وقت لاحق قالت انها لا تتذكر ان الشيخ ضربها بالسوط كما لم تتذكر ما قالته.

ويقول الشيخ محمود "تأتي الشياطين بأشكال مختلفة. ربما في شكل حيوانات تهاجم الناس او مرض مثل الجذام والسرطان او على هيئة مشاكل بين الازواج."

وقالت عائشة ان شيطانا مسها بعد ان ذهب مطلقها لمشعوذ لمنعها من الزواج مرة اخرى. وقالت مريم ان زميلة حقودة سبب مشاكلها الزوجية. واصيبت الاثنتان بصداع وقيء.

وقالت عائشة وهي معلمة بمدرسة ثانوية "لم يعد الناس يناقشون مشاكلهم. هذه الايام اذا حدثت مشكلة بين شخص واخر يذهب مباشرة الى المشعوذ ليؤذي غريمه."

وذكر الشيخ محمود ان عددا كبيرا من الناس يذهبون الى المشعوذين لمساعدتهم على ايذاء منافسيهم في العمل او اقاربهم او ازواجهم وقال ان مرضاه يدفعون ما باستطاعتهم مقابل خدماته.

وقال مسؤول صحي في منظمة دولية طلب عدم نشر اسمه ان الناس يلجأون الى المعالجين الروحانيين لاسباب ثقافية واقتصادية.

وقال "يعرف الناس المعالجين الروحانيين منذ سنوات ومن ثم تتولد الثقة. والمعالج التقليدي يقيم في نفس المنطقة على الارجح وهو معروف وسط المجتمع". واشار الى ان الاطباء يتواجدون في المراكز الحضرية ويضطر المريض ان يسافر اليهم.

غير ان العامل الاقتصادي اكثر تأثير بالنسبة لكثيرين.

وأضاف المسؤول "يسدد المريض أجر المعالج التقليدي عينا سواء منتجات غذائية او غيرها. ولا يمثل الانفاق على الرعاية الصحية اولوية بالنسبة لعدد كبير من سكان المناطق الريفية اذ يفضلون انفاق ما لديهم على الارض او اي شيء اخر يدر دخلا."

ويقول مسؤولو الاغاثة ان السودان بحاجة لتحسين وسائل تقديم الرعاية الصحية. ويبلغ الانفاق الصحي للفرد حوالي ثلاثة دولارات في معظم انحاء السودان ويرتفع الى 17 دولارا في مناطق الصراع حيث تعمل المنظمات الانسانية.

رويترز