قرية للخزافين تنتعش في شمال المكسيك

تيم جاينور من ماتا اورتس (المكسيك): على مدى عقود ظلت هذه القرية المكسيكية التي يقطنها المزارعون وعمال السكك الحديدية غنية فقط في مدافنها وأنقاضها التي تركها هنود الباكيم الذين ماتوا من زمن.

لكن الآن فان كل أُسرة تقريبا في ماتا اورتس تقوم بصناعة القدور الأُسطوانية التي استلهموها من فنانين وحرفيين قبل الباكيم عاشوا ذات يوم في مدينة قريبة في منازل من طابقين وساحات مفتوحة. واختفى الباكيم في القرن الخامس عشر. والقرية هي مجموعة من 300 منزل مبنية بالطوب اللبن ومزارع على مبعدة عدة ساعات بالسيارة من جنوب شرقي توكسون في اريزونا.

وتشكل القدور ذات الألوان الجميلة المصنوعة من رواسب الفخار المحلية والتي تتباين الوانها من الابيض الى الاحمر والاخضر والازرق نسيجا من التصميمات الهندسية المجردة وموضوعات خاصة بالحيوانات ونماذج محفورة بدقة.

ويقوم الحرفيون بالتقاط بعض هذه القدور من التنور الذي يحترق فيه الحطب مقابل بضعة دولارات. اما البعض الاخر فيعرض في قاعات الفنون في الطريق الرئيسي المترب حيث تباع بما يصل الى أربعة آلاف دولار لمن يحبون اقتناء هذه القطع الفنية من الولايات المتحدة واوروبا وآسيا.

ويعود ذلك النشاط الى رجل واحد هو خوان كويزاده الذي انطلق لتجديد أُسلوب الباكيم بعد ان عثر على خبيئة من القدور المزينة في مغارة دفن مُغلقة أثناء بحثه في الجبال المرتفعة عن حطب وهو شاب في الخمسينيات.

ويقول كويزاده وهو الآن في الخامسة والستين أثناء وقوفه في باحة منزله المبنى بالطوب اللبن quot;لا يسهل نسيانها.. الاشكال والتصميمات خلبت لبي حتي ادركت انني أُريد ان أصنع شيئا مماثلا.quot;

واضاف quot;كان الامر يتعلق بمجرد العثور على المواد والبحث عن الاساليب وادركت انني يمكن ان افعل شيئا مماثلا.quot;

وخلال العقود التالية بدأ كويزاده في تعقب المواد والاساليب الاصلية التي كان يستخدمها الباكيم.

ورغم انه لم يحصل على اي قدر من التعليم الرسمي الا انه شكل اولى قدوره الهشة التي تشبه البيضة باستخدام الصلصال واحرقه في تنور تجريبي مستعينا بشجر الحور والصنوبر وحتى روث البهائم كوقود.

وباستخدام الصبغة المعدنية الغنية من درجات اللون الاصفر والاحمر الى الاسود الغني بالمنجنيز حاول استخدام فرشاة مصنوعة من رقعة من فرو الاسد الجبلي وحتى الياف الصبار الامريكي في محاولة للوصول الى الخطوط النظيفة للقطع الاصلية.

وتابع quot;وفي النهاية صنعت فرشاة من الشعر البشري. وبمجرد ان وضعت الخط الاول قلت (هذه هي)..هذا ما كان يستخدمه الاجدادquot; وراح يضحك فرحا باكتشافه.

وحققت القطع التي انتجها نجاحا كبيرا عندما عرضت للبيع على الحدود في ديمنج بنيو مكسيكو في السبعينيات. وكانت هذ القدور مزينة بتصميمات بها انشوطات مستوحاة من اشكال طبيعية من بينها ذيول السناجب واجسام الحيات ذات الجرس.

وعلى مدى سنوات اصبحت تلك الاسطح الملساء التي تشبه الكرة والخطوط القوية تحظى بثناء الخزافين والفنانين في كل انحاء العالم وتقارن باعمال الفن الحديث واعمال المدرسة التكعيبية.

وأدت موهبة كويزاده في الخزف الى فوزه بجائزة الفنون والعلوم القومية في المكسيك في عام 1999 وهي من الجوائز الرفيعة. وينظم عامل السكك الحديدية السابق الان ورش عمل في الكليات والمدارس الفنية في الولايات المتحدة.

وتقاسم كويزاده معرفته التي حصل عليها بعد عناء مع اسرته وجيرانه في القرية الصحراوية البعيدة حيث أغلق المستخدم الكبير الوحيد وهي السكك الحديدية ابوابها في الثمانينيات مما أدى الى تعطل الكثير من العمال.

والان تستخدم أُسر بأكملها في المجتمع الصغير الذي تحيط به الاشجار القصيرة الاساليب والمواد التي احياها كويزاده في صناعة اعمال من الخزف تجذب العين وتتراوح في احجامها من الحلقات الصغيرة الى صناديق القمامة الصغيرة.

وعادة ما تقسم المهام بين فريق من الزوج والزوجة حيث يقوم أحدهما بصناعة وتسوية القدور بينما يقوم آخر بدهانها وإشعال النار. ثم تُباع بعد ذلك لقاعات الفنون او تعرض على الزائرين في شاحنات صغيرة في الشارع.

والاساليب العديدة المدهشة المستخدمة في صناعة القدور المتألقة عادة ما تترك الزوار في حالة ذهول حيث يزين بعضها بحيوانات الصحراء مثل النسور والنمل كما يزين البعض الآخر بخطوط ودوائر ومثلثات متعرجة.

وقالت بات كامبل وهي صانعة خمور من اوريجون تزور ماتا اورتس مع زوجها quot;رأينا امرأة تعمل بنصل منشار وقرص مدمج وحقنة كأدوات.quot;

وبالنسبة للقرويين الذين شيد بعضهم منازل جديدة واشترى شاحنات صغيرة بعد نجاحهم في اعمالهم الثانية كفنانين يعود الفضل في كل ذلك الى كويزاده.

وقالت صانعة الخزف يولاندا ليدزما وهي تدهن الخزف في استوديو الى جانب منزلها المبني بالطوب اللبن quot;نحن الان نتعيش من صناعة القدور والفضل في ذلك يرجع لخوان.. نحن نشعر بالامتنان له.quot;

ويبدو ان كويزاده سعيد بما جلبه نجاح فنه.

وقال وقد علت وجهه ابتسامة غضنت وجهه الذي تمتد فيه الخطوط quot;عندما بدأت سألت نفسي (متى سيكون معي ما يكفي من النقود لشراء حمير خاصة بي؟.. انه امر لايصدق.quot;

رويترز