أسامة العيسة من القدس: في إحدى زوايا المتحف الفلسطيني بالقدس، الذي تطلق عليه إسرائيل متحف روكفلر، يستقر أحد التماثيل النادرة لآلهة الحب والجمال والخصوبة في الأساطير اليونانية افروديت، والتي عرفت لدى الرومان باسم فينوس ولدى حضارات أخرى باسم عشتار.
وتسيطر إسرائيل على المتحف الذي أسس في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، منذ الاحتلال في حزيران (يونيو) 1967، ونقلت كثير من نفائسه إلى متاحف إسرائيلية أخرى، أبرزها مخطوطات البحر الميت التي نقلت إلى متحف الكتاب بالقدس الغربية.
ويحظر القيمون على المتحف، الذي يقع في منطقة الساهرة خارج أسوار البلدة القديمة، ويطل على الحرم القدسي الشريف، تصوير موجودات المتحف، التي جمعت خلال عمليات البحث المكثفة التي جرت في الأرض المقدسة منذ بداية القرن العشرين.
والتمثال النادر الذي لا يحظى بالاهتمام اللازم، يعود للقرن الثالث الميلادي، عندما كانت فلسطين جزء من الإمبراطورية الرومانية، قبل تبنيها للديانة المسيحية، وعثر عليه في أثناء عملية تنقيب أثرية في كنيسة يوحنا المعمدان بقرية عين كارم، غرب القدس.
والتمثال الذي تمكن مراسلنا من تصويره خلسة، مصنوع من مادة الرخام، عثر عليه بدون الرأس والذراعين، ولكن شكل الجسم لا يدع مجالا للشك انه لآلهة الحب والجمال، وانه صمم بوحي من فينوس المتواضعة التي تظهر عادة لدى الرومان وهي تغطي صدرها بيدها اليمنى، بينما تغطي يدها اليسرى عورتها.
ويقدر خبراء المتحف، بان التمثال تم نسخه عن نموذج يوناني يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وان الاعتقاد بان نحات التمثال الأصلي هو الفنان الشهير آنذاك برقسيطلس.
ويدل التمثال على ثراء تراث الحضارات المتعاقبة على فلسطين، والتي تظهر من خلال النقوش والرسومات اليونانية والرومانية على الجدران والقبور والتوابيت الحجرية وعشرات من الأشياء المشابهة، والتي سجل فيها جزءا مهما من ميثولوجيا تلك الحضارات، وبقيت بدون دراسة واهتمام من المثقفين المحليين لاسباب عديدة.
وإذا كان هذا التمثال محفوظ في متحف، لا يسمح لأصحابه الأصليين الفلسطينيين الدخول إليه، فان تماثيلا مشابهة، يتم العثور عليها من خلال تنقيب غير شرعي أو طرق أخرى.
وعرض الباحث يعقوب حلاوة أمام مراسلنا تمثالا لافروديت أو فينوس، يختلف كثيرا عن النموذج الأول، وهو بحجم اصغر بكثير، ويبدو انه استخدم في أحد البيوت الرومانية، ويتميز ببساطة ملموسة، ولكنه تم صنعه بشكل احترافي عال المستوى.
وعثر حلاوة على هذا التمثال، الذي لم يخضع لدراسة وافية، في أثناء عمليات حفر في ساحة المهد أمام كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، التي استخدم مكانها قبل تبني الديانة المسيحية كمعبد لأدونيس.
ويظهر التأثير الروماني واضحا على مدينة القدس، من خلال المكتشفات الأثرية، التي تجعل الباحثين يحددون طوبغرافية المدينة في ذلك الزمن، ومن ابرز تلك المكتشفات، الطريق الذي يبدأ من شمال المدينة إلى جنوبها ويبدا من باب المدينة الرئيس الذي يطلق عليه اسم باب العمود نسبة لعمود كان يحمل تمثالا للإمبراطور ادريانوس، الذي بنى القدس، بعد أن هدمها سلفه تيطس، واطلق ادريانوس على المدينة اسم (ايليا كابتولينا) ولهذا سماها العرب ايلياء قبل أن يطلقوا عليها اسم بيت المقدس ثم القدس.
وما زال اثر هذا العمود المصنوع من الجرانيت الأسود وكان يرتفع بطول 14 مترا، موجودا تحت الباب الحالي الذي يعود للعصر العثماني.
ومن المكتشفات المهمة شارع الكاردو الروماني، وهو شارع مثير ما زالت الأعمدة تنتصب على جانبيه، يفضي إلى متاجر، أعيد استخدام بعضها، ويؤدي هذا الشارع الذي كان يمضي فيه الشبان الرومان أوقاتا طيبة، مما يسمى الان الحي اليهودي إلى كنيسة القيامة الهامة للمسيحيين، والتي تقع في مكان استخدم لعبادة افروديت نفسها.
ولو قدر لآلهة الحب والجمال المفقود في الأرض المقدسة الان، أن تصحو من غفوتها داخل المتحف العتيد، لما وجدت أية صعوبة في التجوال في مدينة القدس والذهاب إلى معبدها، الذي تحول لاحقا إلى أحد أهم الأماكن المرتبطة بالعقيدة المسيحية، حيث يعتقد بان المسيح صلب وقام من بين الأموات، والذي كان يمكن أن يكون حادث صلب عادي جرى في مكان ليس هو الأهم في الإمبراطورية الرومانية المترامية، ولكن تبني الإمبراطور قسطنطين وأمه القديسة هيلانة للديانة المسيحية، غير مجرى التاريخ.

التحقيق منشور في دجتال ايلاف يوم الثلاثاء 15 كانون الثاني 2007