مغارة أثارت جدلا بين المسلمين واليهود
محفل ماسوني في قلب القدس القديمة

أسامة العيسة من القدس: قد يكون آخر مكان يمكن أن تفكر جماعة في اتخاذه محفلا لها، هو مغارة ضخمة، تمتد تحت البلدة القديمة في القدس، استخدمت طول قرون، كمحجر لاقتلاع الحجارة لغايات البناء، ولكن هذا ما فعله البناؤون الأحرار (الماسونيون)، في فترة زمنية معينة.

ويطلق على المغارة اسم (مغارة سليمان) التي أعادت بلدية القدس افتتاحها هذا الأسبوع، أمام الجمهور والسائحين، بعد سنوات من إغلاقها، وسط توجس فلسطيني، من أن يكون ذلك توطئة لتنفيذ مخططات استيطانية لتهويد المدينة المقدسة، كانت المغارة في صلبها.


وإذا كان اسم (مغارة سليمان) هو الاسم الشائع للمغارة التي يقع مدخلها تحت السور المحيط ببلدة القدس القديمة، من جهة الشمال، فان الاسم الذي تقدم فيه بلدية القدس والجهات الإسرائيلية، وعلماء آثار أجانب، من المدرسة التوراتية الاثرية، المغارة هو (مغارة صيديقياهو)، نسبة إلى ملك يهودي، ارتبط اسمه بأسطورة، تتحدث، عن هروبه من المغارة، وعبر نفق تحت الأرض، من القدس وحتى أريحا، إبان الحصار البابلي.
ويحيط الكثير من الغموض تاريخ هذه المغارة، التي تبلغ مساحتها تسعة آلاف متر مربع، وطولها المكتشف يقترب من الـ 250 مترا، واعلى ارتفاع لها يصل إلى 50 مترا.


ويعتقد أن مجير الدين الحنبلي قاضي القدس في العصر المملوكي، الذي كتب كتابا أرخ فيه لمدينتي القدس والخليل، قبل 500 عام، قصد هذه المغارة عندما أشار إلى اسمها بمغارة الكتان.
وكتب الحنبلي quot;تحت سور المدينة الشمالي مغارة كبيرة مستطيلة، وتسمى مغارة الكتان أيضا، يقال إنها تصل إلى تحت الصخرة المشرفة، ودخلتها جماعة وحكوا عنها أشياء من الأمور المهولةquot;.


وقبل ذلك ذكرها الجغرافي الشهير المقدسي عام 985م، ولكن لا توجد معلومات كافية عنها، والمرجح أن المغارة كهف طبيعي تحت الأرض، حولت إلى محجر في العهد الروماني، وتمتد تحت بيوت القدس، وخلال فترات عديدة، استخدمت الحجارة المستخرجة منها لبناء المنشات والمنازل الفخمة في المدينة.
وتقدم المغارة الان، من قبل الإسرائيليين، وان كان بتحفظ على أن الملك سليمان، بنى هيكله من الحجارة التي اقتطعت منها.


ويسود الغموض فترات معينة من تاريخ المغارة، التي كانت معروفة على الأقل لجمعيات وأفراد، اتخذوا منها مكانا سريا، حتى خريف 1854، عندما تمت إعادة اكتشافها، وذاع صيتها بين الجمهور.
ووصل خبر الاكتشاف الذي احدث ضجة، إلى أوروبا، ووصل إلى أعضاء محافل البنائين الأحرار (الماسونيين)، الذين هرعوا إلى المكان الذي شاع أن الملك سليمان اقتطع منه الحجارة لبناء الهيكل، والذي شكل قدوة للماسونيين في مذهبهم.


حول الماسونيون، المغارة، إلى مكان مفضل لإقامة الاحتفالات الخاصة بهم، ويعرف الان قسم متسع من المغارة، بأنه قاعة الماسونيين، التي شهدت اجتماعات محافلهم الشديدة الخصوصية، ولا يعرف إذا كان إعادة افتتاح المغارة، سيشهد عودة الماسونيين إليها، والذين ينشطون في إسرائيل بموجب القوانين، ولديهم محفل علني يقع في جبل الكرمل قرب مدينة حيفا.
وفي اكثر من مكان في المغارة، تتساقط قطرات المياه، من السقوف الحجرية، ومن بينها مياه تتساقط من سقف غرفة صغيرة شكلتها المياه، طوال سنوات لا يعرف عددها، وتنزل المياه من شقوق هي عبارة عن فتحات شعيرية، تتسرب منها المياه إلى الداخل، وتسقط في بركة صغيرة، أطلق عليها الإسرائيليون اسم نبع (دموع صيديقياهو)، نسبة إلى الدموع التي ذرفها الملك صيديقياهو عندما امسكه الاعداء، وفقا للاعتقاد اليهودي.


وتظهر في المغارة، أثار الأدوات التي استخدمت لقص الصخور منها، وكذلك أعمدة استنادية ضخمة تركها الحجارون، لإسناد سقف المغارة، وتشكل هذه الأعمدة ما يطلق عليه درب الأعمدة، وهو جزء مميز من المغارة، التي تحتوي أيضا على أنفاق، وفتحات، ومغر صغيرة.


وبعد احتلال القسم الشرقي من القدس في حزيران (يونيو) 1967، آلت المغارة إلى بلدية القدس، التي فتحتها أمام الجمهور، بعد توفر تبرعات من الخارج لتأهيلها سياحيا، وعمل ممرات، وتركيب أنوار كاشفة في الداخل، وقبل بضع سنوات أغلقتها، بدون سبب مفهوم، وفي عام 2002، خصص (صندوق اعمار المحاجر) في إسرائيل مليون شاقل (الدولار 4.1 شاقلات) لإنجاز دراسة هندسية لمعرفة مدى متانة سقف المغارة.


ونشرت الصحف الإسرائيلية عن مشروع لشركة تطوير القدس الشرقية، وهي مؤسسة استيطانية، متهمة من قبل الفلسطينيين، بالعمل على تهويد المدينة المقدسة، لتحويل المغارة، إلى مسرح يتسع لنحو 500 متفرج، وتأهيل مكان داخل المغارة ليكون قاعة تستضيف الفعاليات المختلفة، بالإضافة إلى مقهى، يستقبل الزوار الذين يأتون لرؤية جمال المغارة المضاءة.


وقدرت تكلفة المشروع بنحو 8 ملايين شاقل، ولكنه لم ينفذ حتى الان، وعاد موضوع المغارة للاهتمام العام، قبل اشهر، عندما كشفت صحيفة هارتس الإسرائيلية، عن مشروع لجمعية عطرات كوهنيم الاستيطانية لحفر نفق جديد، يبدا من المغارة، ويسير تحت البلدة القديمة، حتى يصل إلى موقع يسيطر عليه المستوطنون يطلقون عليه (بيت هتسلام) قريبا من أسوار الأقصى، وهو منزل كانت الجمعية نفسها سيطرت عليه قبل سنوات.


واثار الكشف عن هذا المشروع، المخاوف لدى الفلسطينيين، الذين أدركوا الخطورة الكبيرة التي تكتنفه في حالة تنفيذه على عروبة القدس، واعتبر المهتمون في شؤون الاستيطان والأراضي، أن المخطط الذي تم الحديث عنه، هو جزء من مشروع كبير لإقامة قدس يهودية تحت أرضية، تربط بين المغارة، إلى مدرسة (الميلوية).


وتتعاون عدة مؤسسات إسرائيلية، لتنفيذ مخططات كبيرة لتهويد القدس، منها سلطة الآثار الإسرائيلية التي تنفذ حفريات في باب المغاربة، وشركات رسمية تتشكل إداراتها من أعضاء في حزب المفدال، وهو حزب ديني متطرف، مثل شركة تطوير الحي اليهودي، وتتبع وزارة الإسكان، وصندوق تراث حائط المبكى، والذي يتبع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وشركة تطوير شرقي القدس التي تتبع وزارة السياحة، بالإضافة إلى جمعية العاد التي تشرف على الحفريات الواسعة في منطقة سلوان، جنوب الحرم القدسي الشريف، وجمعية عطيرت كوهنيم التي تبنت مشروع النفق من مغارة سليمان تحت البلدة القديمة، والذي لا يعرف إذا كان إعادة افتتاح المغارة، سيعني البدء بتنفيذه، أم ان الجمعية غضت النظر عنه، ولو موقتا.

الصور بعدسة ايلاف

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاربعاء 6 حزيران 2007