جيلو سولوجيوك من ايلوليسات (جرينلاند): عند قمة جرف جليدي في جرينلاند حيث كانت نساء الاسكيمو المسنات يلقين بأنفسهن من أعلى عندما يشعرن أنهن أصبحن يشكلن عبئا على مجتمعهن.. يسمع صوت تصدع ودوي تصادم كالذي يصاحب الرعد يخترق الاجواء. وتقول الممرضة فيليلمينا ناثانيلسن من ايلوليسات التي رافقتنا في جولتنا عبر الجليد الذائب quot;ليس لدينا رعد هنا. لكنني اعرفه من الافلام.quot;
وتابعت quot;انه الجليد يتصدع داخل الجبال الجليدية. لو أننا محظوظون قد نرى احدها (الكتل الجليدية) ينفصل.quot;
وهذا وقت مبكر للغاية من العام لمشاهدة انهيار في قمم جليدية بشكل منتظم لكن الصوت مجرد تذكرة. وبينما يتشاحن السياسيون بشأن كيفية التصرف في مواجهة تغير المناخ يستمر ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند وبسرعة تفوق ما تخيل العلماء حدوثه.
وأوضح دليل على التغير الذي يطرأ على المكان يتمثل في جزيرة جديدة في شرق جرينلاند. وأطلق عليها المستكشف الامريكي دنيس شميت جزيرة الدفء عندما اكتشفها عام 2005 حيث برزت من تحت الجليد الاخذ في التراجع.
واذا ما ذاب الغطاء الجليدي تماما سترتفع المحيطات بنحو سبعة أمتار فتغمر الفيضانات نيويورك ولندن وتغرق دول جزر مثل المالديف.
والذوبان الكامل قد يستغرق قرونا لكن ارتفاع حرارة الارض الذي يلقي خبراء المناخ باللائمة في حدوثه اساسا على استخدام الانسان للوقود الاحفوري يرفع حرارة القطب بشكل أسرع عن أي مكان اخر على الارض.
وقالت جوديث تيركيلدسن وهي متقاعدة من اسيات وهي بلدة جنوبي ايلوليسات على خليج ديسكو quot;عندما كنت طفلة اتذكر ان كلاب الصيادين كانت تجر زلاجة مسافة 80 كيلومترا على الجليد عبر الخليج الى جزيرة ديسكو في الشتاء.quot;
وتابعت quot;هذا لم يحدث منذ وقت طويل.quot;
وجزيرة جرينلاند هي أكبر جزيرة في العالم ويكسو معظمها غطاء جليدي سمكه حوالي 2.6 مليون كيلومتر مكعب ويمثل عشر المياه العذبة في العالم.
وخلال الثلاثين عاما الماضية اتسع نطاق ذوبانه بنسبة 30 بالمئة وحاليا يفقد الغطاء ما بين 100 الى 150 كيلومتر مكعب من الجليد كل عام وهو ما يفوق كل الجليد في منطقة الالب.
وقال كونراد ستيفن وهو جيولوجي من جامعة كولورادو في بولدر وخبير في جرينلاند عمل في لجنة استشارية حكومية امريكية بشأن التغير الحاد في المناخ quot;بعض الناس يخافون من اكتشاف ان العملية تجري بوتيرة أسرع من النماذج.quot;
وفي الخمسة عشر عاما الماضية ارتفعت درجات الحرارة شتاء بنحو خمس درجات مئوية على الغطاء بينما ارتفعت درجات الحرارة في الخريف والربيع بحوالي ثلاث درجات مئوية. ولم تتغير درجات الحرارة في فصل الصيف.
وستيفن السويسري المولد هو بين عشرات العلماء الذين رشقوا الغطاء الجليدي في جرينلاند بالاجهزة لقياس الحرارة وتساقط الثلوج والحركة والكثافة وذوبان الجليد.
ومنذ عام 1990 يمضي ستيفن شهرين كل عام في المخيم السويسري في موقع نصبت به خيام وتعصف به الرياح على الغطاء الجليدي حيث يواجه هو وباحثون اخرون درجات حرارة تنخفض الى 30 درجة مئوية تحت الصفر لدراسة المعلومات بشأن تغير المناخ في جرينلاند.
وكلما زاد ذوبان السطح كلما زادت سرعة تحرك الصفيحة الجليدية نحو المحيط. والنهر الجليدي الذي يقام عليه المخيم السويسري ضاعف سرعته الى نحو 15 كيلومترا في العام خلال الاعوام الاثنى عشر الماضية حيث تراجع لسانه بنحو عشرة كيلومترات الى المضيق البحري.
وقال ستيفن quot;انه أمر مخيف...هذه جرينلاند فقط. لكن القارة القطبية الجنوبية والانهار الجليدية حول العالم تتأثر أيضا.quot;
وذوبان جبال جليدية ليومين او ثلاثة في هذا النهر الجليدي وحده ينتج مياه عذبة تكفي مدينة نيويورك خلال عام.
واندفاع المياه الجديدة يواجه العلماء بأسئلة عصيبة بشأن احتمالات ارتفاع مستويات البحر واذا ما كان نظام التيارات المحيطية الذي يضمن لغرب اوروبا شتاء معتدلا ويعرف باسم quot;الحزام الناقلquot; يمكن ان يندثر.
وقال ستيفن quot;بعض النماذج يمكنها التنبوء بالتغير في الحزام الناقل خلال 50 الى 100 عام .quot;
واضاف quot; لكنه واحد من عشرة نماذج. عدم التيقن كبير الى حد ما.quot;
ولو كنت تعمل صيادا في جرينلاند فظاهرة ارتفاع حرارة الارض ستجعلك تشهد العجائب في عملك.
فالمياه الاكثر دفئا تغري اسماك ذئاب البحر والقد بالسباحة أبعد شمالا في المحيط الاطلسي ومنه الى شباك جرينلاند.
وفي تلك المدينة المطلة على خليج ديسكو عاصمة الجبال الجليدية في العالم أصبح الميناء مفتوحا طوال العام تقريبا حيث لم يعد الشتاء يتسم بقدر من البرودة يؤدي الى تجمد المياه.
كما يدعم المناخ الاكثر دفئا السياحة وهي مصدر مأمول للتنمية الى حد كبير للسكان البالغ عددهم 56000 نسمة ومعظمهم من الاسكيمو في جرينلاند وهي اقليم تابع للدنمرك يتمتع بحكم ذاتي.
وأملا في اجتذاب الزوار الامريكيين نظمت شركة طيران جرينلاند رحلة مباشرة من بالتيمور الشهر الماضي بل وهناك حديث عن quot;سياحة الدفء العالميquot; لمشاهدة جزيرة الدفء.
وأشار معلق الى ان انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن السفر على سبيل المثال ستخلق ما أسماه quot;سياحة انتحار البيئة.quot;
التعليقات