سكينة اصنيب من نواكشوط: في أحد أقدم أحياء نواكشوط توجد سوق للكتب المستعملة بجوار سوق للعطارين الذين يبيعون الأدوية النباتية والعطور، وسوق الملابس المستعملة، حيث تتداخل هذه الأسواق مشكلة سوقا كبيرا، يزوره عشرات الزبناء يوميا لابتياع حاجاتهم وتخترقه عدد ضخم من الأزقة والحارات المتعرجة، التي تساعد الناس على الوصول اليه من مختلف اتجاهات وأحياء المدينة وهو ما ساعد على شهرته وكثرة زبناءه.

وتعرف هذه السوق رواجا كبيرا في موسم الدخول المدرسي حيث تقصدها الأسر لابتياع كتب مدرسية مستعملة بثمن بخس، وتقول آمنة ابراهيم (ربة بيت) التي كانت تبحث عن كتاب للعلوم الطبيعية quot;في كل موسم تتغير الكتب المدرسية وتعدد عناوينها ومقرراتها، مما جعل العديد من الأسر والتلاميذ يقعون في حيرة من أمرهم، فيلجؤون الى اقتناء الكتب المدرسية القديمة التي تحتوي على برامج تعليمية شاملة حيث أن مضمونها يكاد لا يختلف إلا في الشكل والصور عن الكتب الجديدة وكان بالإمكان الاكتفاء بهذه الكتب اقتصادا في المال والجهد والوقت واتقاء تشتيت الانتباه والتركيز وتوحيد الرؤى بين الطلبةquot;.

وتضيف quot;لقد جاء تعدد الكتب المدرسية واصدار طبعات مختلفة منها كل موسم لينضاف إلى المشاكل والمعاناة التي تعاني منها الأسر مثل مصاريف جمعيات آباء وأولياء التلاميذ وواجبات التأمين والتسجيل والجمعية الرياضية والتأمين الرياضي وإلزامية البذلة المدرسية، لذلك نلجأ الى اقتناء الكتب القديمة لتخفيف العبء الثقيل عليناquot;.
ويبقى أهم ما يميز سوق الكتب المستعملة اختلاف الأثمنة من مكتبة الى أخرى لكنها على العموم تظل منخفضة بالمقارنة مع أثمنة الكتب الجديدة حيث تتفاوت ليصل الفرق أحيانا إلى الضعف.

ويقول سالم ولد محمد الحافظ (أستاذ تاريخ) أن quot;أسواق الكتب القديمة تحتوي على كتب نادرة تقدم صورة وافية للحضارات السابقة في عصور مختلفة وكتب أخرى كانت مصادرة سابقا وأخرى تعرضت للتلف، كما أن الكتب المعروضة بهذه الأسواق تختلف عن الكتب والطبعات الجديدة لأنها تحتوي على فصول وأبواب تفسر الظرفيـة الخارجية التي أحاطت بتأليف الكتاب، وتربط ظهور الكتاب بمجموعة من التحولات والصراعات الفكرية التي عرفها المجتمع كمحاصرة بعض التيارات وسيادة أخرىquot;.

وأكد أن رصيد هذه الأسواق من الكتب القديمة مهم وكبير يساعدها على أداء دورها التعليمي والثقافي، كما أن أسواق الكتب القديمة لا تخدم طبقة معينة بل هي تسدد حاجيات كل الطبقات وبعضها يقدم خدمات خاصة كنظام الاعارة والمطالعة في المكتباتquot;.


وأضاف ولد محمد الحافظ أن القراء نسجوا علاقة خاصة بهذه الأسواق وكتبها، وأشار الى أن الحركة الاستعمارية حاولت القضاء على الحركة الثقافية من خلال سلب الناس هويتهم وشخصيتهم، لكن هذه الأسواق أطلقت الحركة الثقافية بأهداف سياسية وساعدت على انتشار الوعي والحركة الوطنية ضد الاستعمار.

وتتنوع موضوعات هذه الكتب المعروضة ورغم أن أغلبها خاص بالشعر والأدب إلا أن هناك أصنافا أخرى من الكتب تتناول مواضيع اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، وما يميز سوق الكتب القديمة هو الأرشيف الكبير الذي تحتويه، ويرى محمد يحيى العلوي (استاذ قانون) أن هذه الأسواق تعتبر مرجعا ثقافيا وتشريعيا وقانونيا هاما لأنها تحوي بين رفوف مكتباتها الكثير من الكتب النادرة وأمهات الكتب مختلفة المواضيع. ويقول quot;تضم هذه المكتبات رصيدا هاما من الكتب وأمهات الكتب يبلغ عددها أزيد من 100 ألف كتاب و7000عنوان كتاب وموسوعات مختلفة، تحتل فيه اللغتين العربية والفرنسية المرتبة الأولى فيما تأتي اللغتين الاسبانية والإنكليزية في المرتبتين الثانية والثالثة على التوالي، إضافة إلى أرشيف كامل لأزيد من 130 مجلة وجريدة يومية وأسبوعية وشهرية، عربية وأجنبيةquot;.

ويضيف quot;بحكم عملي في ميداني التدريس والقضاء أبحث دائما في هذه السوق عن الكتب والمعاجم والموسوعات العربية الخاصة بالتشريع وقوانين والدساتير، وعلى العموم فهذه السوق تتيح للمهتمين بالتراث والثقافة والتاريخ الإسلامي اكتشاف الكنوز التي تحوي رفوف هذه المكتبات من الكتب النادرة وأمهات الكتب مختلفة المواضيع.

ويمكن لزوار هذه السوق الاطلاع على مكتباتها الضخمة التي تضم آلاف الكتب والمخطوطات الأصلية النادرة. ويقول أحمد الطيب (بائع كتب باحدى أسواق الكتب القديمة) quot;تقدم مكتباتنا كتبا من مختلف التخصصات من كتب الفقه والتفسير والنحو والبلاغة والتاريخ والطب والعقيدة وغيرها وهذه المخطوطات هي لأشهر علماء المسلمين والغربيين.

ويضيف quot;مكتباتنا تفتح أبوابها للدارسين والباحثين والمترجمين والزوار العاديين، ونتيح لهم فرصة قراءة الكتب قبل اقتناءها، وأغلبهم يخرج من مكتباتنا بعدد لا بأس به من الكتب فهي كنز علمي وثقافي لا يقدر بثمن يباع بسعر أقل ما يقال عنه أنه رمزيquot;.