المغاربة يعشقون بالفعل لا الكلمات

الحب طريق موشك عند المغاربة

أحمد نجيم من الدار البيضاء: للمغاربة، مثلهم مثل جميع الشعوب، طريقتهم في التعبير عن مشاعر الحب. طريقة تتفادى في كثير من الأحيان الكلمات، كما أن هذه الطريقة quot;تتطور مع الجيل الجديد وتواكب التحولات الاجتماعية في المغربquot; كما تلاحظ عالمة الاجتماع المغربية المعروفة سمية نعمان جسوس. وتضيف عالم اجتماع مغربي آخر، هو جمال خليل quot;الحب، في ظروفه العادية يحتاج إلى نوع من الحميمية، السبب، أن الفضاء العام quot;مسدودquot; على هذا النوع من الشعورquot;.

رغم هذا التكتم في التعبير عن مشاعرهم، بدأ الفضاء العام في مناطق معينة يسمح لأزواج مغاربة في التعبير عن الحب، المقاهي والشواطئ ومحطات القطار والجامعات والثانويات والساحات العمومية والمواقع الأثرية أضحى العشاق يؤثثون فضاءاتها. quot;خلال تجربتي الشخصية، هناك تساهل لمدن وفضاءات دون غيرها مع العشاق، سواء المتزوجين أو غير المتزوجين، أمسك بيد زوجتي وأقبلها أحيانا، في مدن الصويرة ومراكش وبعض الأحياء وسط الدار البيضاءquot; يقول علي، وهو شاب مغربي، 24 سنة. طريقة تعامل المجتمع مع كل أشكال الحب، له رواسب في شخصية المغربي والمغربية.

غياب التربية على الحب

يبرى الطفل المغربي على ما يسمى في المغرب بquot;الرجولةquot;، لذا فالطفل الصغير، يصبح ملزما بعدم إظهار ضعفه للآخر، وإلا أصبح عرضة للضحك quot;أغدوت فتاة حتى تبكيquot;، جملة طالما سمعها الأطفال المغاربة من أفواه أمهاتهم وإخوتهم وأقرانهم في الشارع العام.

إن الأم المغربية تبدأ في صد الطفل من الاقتراب منها. تصرفات مثل هذه، تقول الباحثة نعمان جسوس، يمكن تزرع فيه غريزة الرجولة ضدا على المشاعر الإنسانية. وتنعكس هذه الطريقة في التربية على مستقبله، فخلال مرحلة المراهقة، تكون أولى تجاربه الجنسية مع مومسات، لا الحبيبة، كما تقتضي علاقة إنسانية عادية، وتعتبر هذه العلاقة عند الشباب المغربي تأكيد على quot;رجولتهquot;. هذه الطريقة تختصر علاقته بالمرأة إلى علاقة جنسية تغيب الحب والعاطفة، وتغلب الجانب الحيواني، كما أن كلمة حب تصبح وسيلة quot;لهدف جنسيquot;.

في مرحلة الزواج تستمر هذه التربية في التحكم في الإنسان المغربي. وتشير الباحثة إلى تناقض في حياة المغربي quot;لما يتزوج المغربي يزيل قبعة الرجل الحديث، ليرتدي قبعة الرجل التقليدي، فهو الرجل المهيمن. والسيطرة لا تستقيم مع التعبير عن مشاعر الحب، باعتبارها، كما تلقى في الصغر، شكل من أشكال الضعفquot;.

أما المرأة، فتوضح الباحثة أن الأغلبية الساحقة للنساء اعترفن لها، من خلال أبحاثها الميدانية، أن الأزواج لا يعبرون لهن عن شعورهم عبر الكلمة أو الحركةquot;. وتحتاج المرأة إلى مثل هذه التعابير. تربيتها هي الأخرى لا تساعدها للاعتراف بما تكنه لزوجها أو حبيبها quot;التربية التي تلقينها من الأسرة تتلخص في أن كل اعتراف بالحب هو تمهيد لخسارة الحبيب، وتنتظر المرأة الخطوة الأولى من الإفصاح عن هذه المشاعرquot; توضح نعمان جسوس. مشاعر تكون جياشة في مرحلة المراهقة، لكنها مع الفرد المغربي تأخذ أشكال أخرى، فهذه المرحلة الحاسمة في نمو الشاب والشابة الجنسي والعاطفي، يكتشف المراهق عن مشاعره. الدراسة مع الفتيات ومطالعة الكتب ومشاهدة التلفزيون ثم قضاء ساعات أمام الكمبيوتر في شبكة الأنترنيت...ظروف تسمح للشاب والشابة باكتشاف الجانب العاطفي فيهم.
اكتشاف لا يكون دائما سهلا. quot;في الإعدادية، أحببت فتاة، لكنني لم أستطع أن أعبر لها عن مشاعري، كانت تبتسم لي فيبدأ قلبي في الخفقان وأحس بخجل كبير، أصدقائي كانوا يتهكمون علي وينصحونني بمفاتحتها، ظل الأمر لأشهر وعجزت عن مواجهتها ولا حتى كتابة رسالة إليهاquot;، يعترف علي 29 سنة، أول حب له.

الشباب في هذه المرحلة يبدع أساليب كثيرة في التقرب مع من يعشقها quot;مرت أسابيع عن أول لقاء جمعني بأول حب لي، لم يفاتحني أو أفاتحه، وكانت رسالة باللغة الفرنسية أول تكسير لهذا الحاجز النفسي، تعابيره الرقيقة أسعدتني كثيرا فاعتقدت أنه أميري الأبديquot; تتذكر وفاء. وتضيف أنها ردت على الرسالة، بل أضحت كاتبة خاصة لرسائل جميع صديقاتها، واستمرت في القيام بهذه المهمة حتى الأيام الحالية quot;أجبت على إيميل بعثه حبيب صديقتي إليها، لكنه اكتشف الأمرquot;.

للهروب من مراقبة المجتمع، يغادر الشباب الفضاء العام، ويلجئون إلى فضاء خاص quot;كنا نقيم حفلات خاصة مختلطة يمكن أن نتحرر فيها من رقابة المجتمعquot; يتذكر عماد.

المجتمع يحارب الحب

خلال الصيف المنصرم، كان رجل أمني مخمور يجلس بإحدى مقاهي الصويرة، لاحظ أن شابا يرتب على كتف صديقته، توجه إليهما مستنكرا هذه الفعلة quot;الشنيعةquot;. سلطته مكنته من إحضار الشرطة لاقتياد الشابين إلى مركز الشرطة.

تصرف هذا الشرطي توضح صورة مصغرة على مكانة من يعبر عن حبه في المجتمع المغربي. مجتمع غير متسامح عن كل تجلياته في الشارع. البعض يعتبره quot;خطراquot;. الباحثة الاجتماعية نعمان جسوس تعتبر أن تلك المحاربة تعود إلى خلط كبير quot;المجتمع يربط علاقة الرجل بالمرأة علاقة quot;نكاحquot;، وهذا ما يجعل التعبير عن الحب أمرا صعبا، حتى بالنسبة للمتزوجين، إذ من المستحيل أن يظهر الزوج ما يضمر من حب اتجاه زوجته.

في الشارع والفضاءات العمومية يصبح كل شكل من أشكال التعبير عن الحب في عداد المحرمات الواجب محاربتها quot;في زاوية بكلية الآداب عين الشق، كنت أختلي مع صديقتي، نتحدث عن أمور كثيرة، فإذا بشخصين من quot;لوطيمquot;، اتحاد طلبة المغرب، يقطعان علينا خلوتنا، نهرانا وهددانا إن وجدانا في هذا المكان مرة أخرى، خفت على سمعة صديقتي ولم أعاود الجلوس في ذلك المكانquot; يتذكر أحمد، أستاذ بالدار البيضاء.

عنف المجتمع يمتد إلى الشرطة، فهذه الأخيرة تنظم بين الفينة والأخرى حملات لمكافحة الفساد، وعوض تقليص عدد المومسات في الشوارع تلجأ إلى العشاق، فتتهمهم بquot;التحريض على الفسادquot;.

طبقة العاشقين

أكثر الطبقات قبولا لفكرة حب شاب لشابة أو زوج لزوجته هي طبقة الميسورين quot;لم تمانع عائلتي لما ارتبطت بأول حب في حياتيquot; تحكي حنان 30 سنة. بنت هذا الإطار في وزارة المالية والقاطنة في حي الرياض أكدت أن أباها كان دوما يعبر عن حبه لأمها quot;كان قبل أمي أمامي ويغازلها لكلمات رقيقة بالفرنسيquot;. اللغة تصبح وسيلة أساسية، لذا تلجأ هذه الطبقة إلى اللغات الأجنبية، خاصة الفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى الإسبانية في المناطق الشمالية quot;اللغة تحيل على ثقافة، فالفرنسية والإنجليزية تحيلان على ثقافتين تسمحان بالتعبير عن الحبquot; تقول نعمان جسوس، وتوضح أن بعض المجموعات تستعمل اللغة العربية بquot;فاسةquot; والمغاربة ذوي الأصول الأندلسية quot;هؤلاء يستعملون كلمة حبيبي وحبيبتي، عموما لغتهم أكثر حنانا ولطفا مع الجنس الآخر، تنم عن احترام كبير للمرأةquot;.

هذا المجتمع البورجوازي يسمح لأفراده بحرية أكبر quot;صديقتي وحبيبتي تعرفها العائلة، الجميع على علم بقصة حبنا quot; يقول إدريس، 25 سنة.

يساعد الاختلاط بين الشباب والشابات في النوادي والسينما والمدرسة في منح فرص كثيرة للتعارف quot;تعرفت على حبيبتي في حفل، جاءت رفقة زميلة سابقة للدراسة، فبدأت أولى شرارة الحب بينناquot;.
ويوضح إدريس أن الحب مسألة عادية، بل أساسية quot;في لقاءاتنا واجتماعاتنا وسهراتنا يضطر الشباب إناثا وذكورا إلى التعارف وتكوين علاقات صداقة، تسفر كثير منها إلى الحب، ويصبح كل عاجز على ذلك خارج الجماعة أحيانا. ونادرا ما يفشل شخص في إيجاد صديقة قد تصبح يوما حبيبةquot;.

لغة العشق والحب

quot;صعب علي التعبير عن حبي صديقتي باستعمال كلمة quot;أحبكquot; أو quot;كنبغيكquot; أو حتى quot;جو تيمquot; (بالفرنسية) كلمة أحبك ليست من قاموسي. صديقتي تعرف أنني أحبها ولم أستطع أن أقول لها تلك الكلمة طيلة أربع سنوات جمعتنا، ألجأ إلى التعبير عن الحب عبر الكلمات والهداياquot; كهذا يعبر سامي عن حبه الكبير لصديقته، وفي الوقت نفسه عاجز عن التعبير لها بحبه عبر استخدام اللغة. ويتذكر سعد، 31 سنة، الإطار في مؤسسة بنكية، اكتشافه للحب quot;المرة الأولى التي أحسست بهذا الشعور، كان في مرحلة الابتدائيquot;، تعبيره عن إعجابه بحبيبته ثم حبه لها كان بالتصرفات والأفعال. خلال دراسته في أحد المعاهد المتخصصة في القطاع البنكي، صادف سعد حبه الأول الحقيقي، سيواجه مرة أخرى مشكلة التعبير عما يخالجه quot;كنت تا نعبر على حبي باللغة الفرنسيةquot;. ثقافته الفرنسية جعلته يلجأ إلى لغة موليير quot;هناك مثال بالفرنسية يقول quot;ما كاين حب، كاين غير تلميحات عليهquot;، مثال يتماشى وعقليتنا المغربية فquot;فراغنا اللغوي تعبير عن ثقافتنا، لذا يلجأ الشباب إلى الفرنسية، لأنه لا يجد مرادفها بالعربية. فمازلنا لم نستطع أن نخلق لغة خاصة بنا تعبر عن الحب ومقبولة من قبل الجميعquot; تؤكد نعمان جسوس.

وتقدم في هذا السياق أدلة كثيرة، فالرجل في البادية لا ينطق هذه الكلمة ويكتفي بأدلة عليها كاقتناء السواك والحنة وquot;شوينكومquot; من السوق. وتتحول المادة إلى وسيلة للتعبير عن الإحساس، بسبب quot;عجزنا اللغويquot;.

المرأة تعيش بدورها مشاكل في التعبير عن حبها، فquot;التربية لا تساعدها على التعبير عنه، إذ تعلمت أنها إذا اعترفت بحبها له سيتركها، وإذا سكتت سيظل بجانبهاquot; تقول الباحثة الاجتماعية. أمام هذه الوضعية تكتفي المرأة بفك شفرة تعابير زوجها الحبيب أو صديقها.

أحيانا تتعامل الفتاة برفض مع كل تعبير عن الحب quot;صعب أن أقبل من شخص كلمة quot;أحبكquot; عندما ينطقها الشاب أتأكد أنه غير صادقquot; تقول سمية، 32 سنة، وتوضح أن اعتراف البنت بالحب هو حكم على نهاية علاقة كذلك quot;الصعيب بزاف هو لبنات يكولو لشي صاحبهم أحبك ، الأولاد يعتقدون أن من تتفوه بهذه الكلمة فتاة سهلةquot; هذا ناتج عن quot;التربيةquot; كما توضح على ذلك نعمان جسوس. ربما هذا العجز ما يفسر لجوء الشباب المغربي إلى الحب الافتراضي. فالأنترنيت أضحى وسيلة لبحث الشباب المغربي، مثله مثل الشباب العالمي، عن الحب.

في غرف الدردشة تحدث لقاءات تبدأ بالتعارف قبل أن تتحول إلى علاقة غرام quot;التقيت زوجي عبر الانترنيت، تعرفت عليه لمدة سنة قبل أن نتزوج. في البداية تبادلنا الأخبار عن بعضنا البعض، ولم يحدث أول لقاء إلا بعد قرابة أربعة أشهر. اللقاء تم بعد أن طمأن كل واحد إلى الآخر وتعرف عليه كثيراquot; يقول علي، 35 سنة موظف بشركة للتواصل.