زوارها الأجانب ينتشون بارتداء اللحاف الصحراوي ونسائها ب quot;الحايكquot;
الصويرة.. مدينة الرياح والسحر الكناوي العالمي

أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: توصف بمدينة الرياح، ويقول عنها المهتمون بالتاريخ بأنها تحمل نكهة برتغالية، عندما تدير ظهرها إلى البحر، ونكهة إسلامية ويهودية وإفريقية، عندما تنكفئ على ذاتها داخل أسوارها السميكة التي شيدت لحمايتها من الغزاة. إنها الصويرة المدينة، التي تقع جنوب العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، والمطلة على المحيط الأطلسي شامخة وشاهدة على تاريخها العريق المليء بالمنجزات، وزاخرة بالإرث الثقافي الذي نقشته أجيال سابقة مع بنايات عصرية موضوعية. ويعتبر العهد العلوي عهد التأسيس الحقيقي للمدينة، والذي يعود إلى 1760 م، السنة التي تتزامن وإنشاء السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله ميناء الصويرة الذي فتح في وجه التجارية الخارجية بغية تطوير المغرب لعلاقاته مع أوروبا.

وحسب المؤرخين العرب والأجانب، فإن quot;موكادورquot; هو الإسم القديم للصويرة، وأتى من الإسم الفنيقي quot;ميكدولquot; الذي يعني الحصن الصغير. وكان من بين مقتضيات أمن المغرب في مفهوم السلطان محمد الثالث تحصين الثغور والمدن الرئيسية الساحلية، الشيء الذي جعله يكثر من بناء الأبراج والحصون. وتحقيقا لذلك، أعطى اهتماما خاصا لمهندس متخصص في بناء الحصون العسكرية بأفنيون، وكلفه بوضع التصميم العام للمدينة.

ويلاحظ من الناحية الهندسية تأثيرات أوربية تظهر بالخصوص في الصقالة التي جرى تشييدها على أنقاض الحصن البرتغالي، وتحصينها بالمدافع، كما عمل على تحصين المدينة بالأسوار المنيعة وجعلها تمتاز بشوارعها المنتظمة وطرازها المعماري الأندلسي الجذاب الذي يذكر بمدينة فوبون. ومهما يكن، فالصويرة تشبه مثيلاتها من المدن المغربية العتيقة التي تزخر بمبانيها التاريخية كالأسوار، منها حصن باب مراكش، وصقالة الميناء والمدينة، وباب البحر، ومسجد بن يوسف، والكنيسة البرتغالية.

وتتكون الصويرة من أحياء مختلفة، ويتعلق الأمر بالمدينة العتيقة التي تقع بين محورين، الأول يربط باب دكالة بالميناء، والثاني يمتد من باب مراكش ليطل على البحر،عند ملتقى المحورين أنشأت عدة أسواق مختصة. أما الحي الثاني فهو الملاح، وهو الحي اليهودي الذي لعب دورا رئيسيا في تاريخ المدينة تبعا لسياسة سيدي محمد بن عبد الله، الذي اعتمد على اليهود لتحسين علاقاته مع أوربا إلى أن جعل منهم طائفة شريفة تسمى ب quot;تجار الملكquot;.
وعلى غرار باقي المدن المغربية العتيقة، أحيطت مدينة الصويرة بأمر من السلطان سيدي محمد بن عبد الله سنة 1765 م، بأسوار منيعة لحمايتها من أي هجوم أجنبي.

ورغم امتياز أسوار المدينة بخاصيات هندسية دفاعية متأثرة بالهندسة العسكرية الأوربية الكلاسيكية، إلا أنها تشبه في شكلها ومكوناتها الأسوار المحيطة بالمدن التاريخية المغربية الأخرى، مدعمة بعدة أبراج وخمسة أبواب، أهمها باب البحر.

غير أن أكثر ما شهر المدينة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 60 ألف شخص، وجعل إسمها على كل لسان هو مهرجان quot;كناوة وموسيقى العالمquot;، الذي يستقطب ملايين المغاربة والسياح، من أعمار وطبقات مختلفة، والذين يرغبون في تهشيم روتين الحياة الذي أحكم قبضته عليهم طيلة شهور السنة، ما جعل البعض يصف هذه الفترة ب quot;موسم الهجرة إلى موكادورquot;.

ففي هذا المهرجان، يختلط نهار الصويرة بليله، ويتخلص المسؤولين، من وزراء وموظفين سامين ورجال أعمال ومثقفين وفنانين، من ربطات عنقهم، ليستسلموا إلى نغامات كناوة التي تحرك كل جزء في جسدهم. وكما تسحر الشباب المغربي، فإن quot;موكادورquot; استطاعت أن تأسر عقول الأوروبيين شبابا وكهولا، إذ السياح الذين يزورونها، خلال أيام المهرجان، يأتون من مختلف أنحاء العالم، كما أنهم ينتشون بارتداء اللحاف الصحراوي والألبسة التقليدية المغربية وطاقيات quot;بوب مارليquot;، وأخرى تحمل صورة العلم المغربي.

وكانت علاقة الصويرة بموسيقى quot;كناوةquot;، التي تعود إلى أصول إفريقية، قد انطلقت منذ القرن 17، مع تحول المدينة إلى مركز تجاري مهم ونقطة تبادل تجاري مع quot;تمبكوتوquot; في مالي. وبين أحداث الماضي وأيام الحاضر، تترك الصويرة لطيور النورس البيضاء مهمة الترحيب بزوارها، الذين صاروا يزدادون سنة بعد أخرى، وخصوصاً بعد أن صارت مهرجانات المدينة موعدا سنويا يتطلع إليه عشاق الموسيقى، مغاربة وأجانب.

وإذا ما زرت هذه المدينة، فأول ما يثيرك هو quot;الحايكquot; الذي ترتديه النساء، كلما خرجن من المنزل، وهو رداء خارجي من الصوف الأبيض يغطي الجسد وجزءا من الرأس، وعجزت أحدث صيحات الموضى عن دفع نساء المدنية إلى تغييره. ونظرا لموقعها الجغرافي، فاتسعت جاذبية المدينة، منذ سنوات عديدة، لتشمل هواة ركوب الأمواج ومسابقات الألواح الشراعية والغطس، كما ظلت توفر للمغرمين بها هدوءا فريدا في نوعه.