بناه اسعد بك لحود في القرن الماضي وصُنّف اثريًا
حكاية قصر في عمشيت ينافس المعالم الاثرية


مدخل القصر
ريما زهار من بيروت: يطالعك على تلة من تلال بلدة عمشيت اللبنانية قصر العميد المتقاعد فارس لحود، وهو جوهرة من جواهر الهندسة المعمارية البيزنطية ومزيج من الفنين البيزنطي والعربي، شيد في اواخر القرن التاسع عشر وصنّف أثرًا تاريخيًا سنة 1985، ولا يزال يحتفظ برونقه رغم مرور السنين ومعايشته لثلاث حروب ولقرن كامل من تاريخ لبنان، بنى هذا القصر اسعد بك لحود، وهو من الشخصيات السياسية اللبنانية التي برزت في اواخر القرن الماضي، وسليل عائلة من اهم عائلات عمشيت، وقد عُين نائبًا في اسطنبول وكان عضوًا في مجلس ادارة الامبراطورية العثمانية، وبعدما عاد الى بلدته وهو مكلل بالمجد والاوسمة، قرر ان يشيّد قصرًا في عمشيت على ارض ورثها من جدته، ولذلك استعان بمهندسين، احدهما فرنسي والآخر إيطالي، كما اوكل شؤون البناءالى افضل معلمي العمار في ذلك الحين من آل سماحة وقاصوف من الخنشارة، واوقفت الحرب العالمية الاولى اعمال البناء التي دامت لسنوات عدة.

تاريخ القصر

صورة لاسعد بك لحود
عن تاريخ القصر، انجازاته وذكرياته، تحدث العميد المتقاعد فارس لحود صاحب القصر اليوم والمقرب عائليًا من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، مؤكدًا ان القصر شيّد في quot; الربع الاخير من القرن التاسع عشر، اي عام 1882، وقد استغرقت ورشة البناء سبع سنوات، اما طراز القصر فاستوحي من اسطنبول، وهو طراز بيزنطي نادر الوجود في لبنان وموجود بكثرة في اسطنبول، اضافة الى طوابع هندسية اخرى فيها لمسات يونانية وعربية (شامبة وبغدادية).

ظروف انشاء القصر

داخل القصر
quot;بعد quot;فتنة الستينquot; وتحديدًا في التاسع من شهر حزيران 1861، وُقِّع في اسطنبول على نظام جديد للحكم في لبنان يُعرف بنظام 1861، الذي جرى تعديله بعد مضي 3 سنوات، وقد ظل هذا النظام معمولًا به الى حيث نشوب الحرب العالمية الاولى، وقد وقّعت عليه كل من فرنسا وبريطانيا والنمسا وبروسيا وروسيا وتركيا، وبموجبه أُعيد لبنان ولاية مستقلة (متصرفية) يحكمها متصرف مسيحي يعينه الباب العالي وتوافق على تعيينه سائر الدول الموقعة على الميثاق، واصبح استقلال لبنان حقيقة معترفًا بها على صعيد دولي، وعندما انضمت ايطاليا سنة 1867 الى مجموعة الدول الموقعة على ميثاق 1861 و1864، اصبح عدد الدول سبعًا.
صندوق يتحول الى طاولة
وكان يعاون المتصرف مجلس منتخب يعرف بمجلس الادارة، الذي كان يضم اثني عشر ممثلًا من الطوائف المختلفة، خمسة منهم يمثلون النصارى، وquot; كان جدي اسعد بك لحود ممثل المسيحيين في اسطنبول، هناك اعجب جدي بطراز القصور، وكان يومها شابًا في الثانية والعشرين من عمره، وقرر ان يشيّد قصرًا مماثلًا لها في لبنان، وهكذا كلّف اخاه ان يشرف على البناء لانه لا يستطيع ان يترك وظيفته السياسية ليتفرغ الى اعمال البناء والتشييد، ولانه كان من سكان بيروت ولا يزور منطقة عمشيت الا في المناسبات، لذلك قام اخوه بمهمة الاشراف على تشييد القصر وبنائه.

فرنسي وايطالي

باب على شكل سباتي
quot; ومن ذكريات جدي المحفوظة ما يثبت وجود مهندسين واحد فرنسي والآخر ايطالي كانا يشرفان على البناء، وقد قدّرنا جنسيتهما من خلال الكتب التي تركاها في القصر، فضلًا عن عقد (اتفاق) بتوقيع المهندس الايطالي بوساطة القنصل الايطالي، علمًا ان لبنان يومها لم يكن يملك سفارة بل قنصلية ايطالية، وهذا المهندس الايطالي هو نفسه الذي اوعز للعمال بحفر خزان مياه داخل الصخر يحتوي على 100 سيترن اي ستين ألف تنكة ماء، علمًا ان الآلات الحديثة المختصة بالحفر، لم تكن آنذاك معروفة.

اقسام القصر

quot; القصر مؤلف من خمس غرف نوم كبيرة واربع صالونات وغرفتي سفرا ومكتب وكنيسة تابعة له.
بعض الابواب في القصر صنعت على شكل quot;سباتيquot;، لانه تاريخيًا لدى اليونان كان هذا الشكل يجلب الحظ، وكذلك النوافذ شيدت على هذا الشكل وعلى شكل نوافذ بغدادية.

قصر اثري

نافذة ذات شكل هندسي خاص
quot; القصر صنّف اثريًا سنة 1985، ورمم مرتينquot;، ويعتقد العميد لحود بان هناك quot;رصدًاquot; على هذا القصر فجده لم يستطع اتمامه بعد اندلاع الحرب العالمية الاولى من قبل والده، لذلك توقفت الاصلاحات التي قام بها مع اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939
quot; عام 1938 بدأ ابي بترميم القصر الى ان اندلعت الحرب العالمية الثانية بعد سنة من قيامه بالترميم، وعندما ورثته عام 1969، بدأت باعمال ترميمية كبيرة الى ان بدأت الحرب في لبنان ( 13 نيسان 1975) وكنت يومها ضابطًا في الجيش وغائبًا معظم الوقت عن بيتي، ومن اجل اصلاح اثاث القصر وترميمه، لجأت الى عمال وفنيين مختصين في هذا المجال.

quot; اخذنا التصاميم القديمة ورممنا القصر على اساسها، ولاننا عشنا طفولتنا داخل القصر، لذلك نتذكر كل التفاصيل الدقيقة فيه ونتعلق بها، تمامًا مثلما قال لامرتين، الذي تحدث عن تعلق الانسان بالاشياء التي عايشها والجامدة منها والتي تتعلق ارواحنا بها، فانا عندما انظر الى صنوبرة القصر أو احجاره، فانا ارى كل الذكريات التي تمت الى طفولتي وشبابي بصلة، لذلك اشعر بان الحجارة تناديني وكذلك الصنوبرة تهمس في اذني كلمات لا يفهمها سواي لانني عايشت ذكريات الطفولة فيها وما تحوي الطفولة من ذكريات نستعيدها من خلال الاشياء التي تبقى شاهدًا عليها.

مكتبة اثرية
quot; بالنسبة الي، فان اروع زاوية في العالم تبقى هذه التلة وهذا القصر، لاننا تربينا فيه وكل حياتنا مرّت عبره من ذكريات حلوة واليمة، كل اجزاء هذا القصر ترد لي سنوات من عمري مرت وتعود من خلالها.

غرفتان منفصلتان

داخل القصر يدهشك وجود غرفتين منفصلتين، الاولى تشكل مكتبًا والثانية كنيسة، عنهما تحدث العميد لحود:quot;انه الطابع العربي للمنازل بحيث لا يزعج الداخلون الى القصر اصحابه، وهي نوع من العادات الشرقية الموجودة في منازل مصر والعراق، اما الكنيسة فقد اقيمت على ايام البطريرك الحويك عندما رُسم الياس غانم كاهنًا تابعًا لجدي اسعد بك كرم بعدما دخل مدرسة عين ورقة ورُسم كاهنًا هناك، وكان له منزلة خاصة لدى جدي وقد سلّمه ارزاق القصر واعتبره صديقه ومستشاره، وقد مات على ايامي بعدما عاش ما يقارب التسعين سنة، وفي هذه الكنيسة تتم كل المراسم الدينية ما عدا العمادة وصمد القربان، لانهما يتطلبان وجود الميرون المقدس، وللكنيسة ترخيص خاص من قبل البطريرك الحويك.

* تصوير ريما زهار