جرائم غسل العار في هولندا

صلاح حسن من أمستردام: يعاني المهاجرون بشكل عام والقادمون من الثقافة العربية والاسلامية بشكل خاص من الخوف من تمزق الهوية والضياع في البلدان الاوروبية التي يعيشون فيها. لذلك يلجأون بكل ما يستطيعون إلى التشبث بقيمهم وعاداتهم ويقاومون الاندماج في هذه المجتمعات الجديدة ذات الثقافة المختلفة كليا عن ثقافاتهم الراكدة، وبذلك يبنون جدران عزلتهم بأيديهم ويحيطون انفسهم بأسوار من التقاليد الميتة التي جلبوها معهم. غير أن المشكلة الحقيقية تبدأ مع الاجيال الجديدة التي تنشأ في ظل هذه الثقافة المختلفة وغالبا ما يكون الضحايا من الاطفال والنساء خصوصا في ما يتعلق بمشكلة الشرف.
يعتقد الاباء بضرورة تنشئة ابنائهم علي النمط الثقافي الذي ترعرعوا هم انفسهم في اجوائه. وهذا ليس خطأ تربويا بحد ذاته.. ولكن بعض الاباء يتطرفون حينما يجبرون ابناءهم علي تبني نمط ثقافي احادي معتقدين انهم بذلك يحمون ابناءهم من شرور المجتمع الجديد المتمثلة بالعادات والتقاليد الغربية. ان هؤلاء الاباء ينسون او يتناسون ان ابناءهم يعيشون في بيئة مغايرة وفي زمن مختلف ويتلقون كل يوم معارف وخبرات جديدة ومغايرة في مدارسهم. فالطفل مجبر في البيت على القيام بسلوك معين رضوخا لارشادات الابوين.. وفي المدرسة مجبر على القيام بسلوك مختلف تماما رضوخا لارشادات المعلم. وهكذا يجد الطفل نفسه منقسما على ذاته فيصاب ( بتمزق الهوية ).. انه لا يعرف بالضبط الى من ينبغي عليه الاصغاء ؟!
وبما ان الاباء الاجانب يستخدمون الاكراه والقسر والتحذيرات في التربية.. على العكس تماما مما يجري في المدرسة.. فأن الطفل سينحاز في النهاية الي جانب المدرسة ( يقضي الاطفال ثلاثة ارباع الوقت في المدرسة ) وبالتالي تبني النمط الثقافي الذي يحذر منه الاباء. من هنا تبدأ المشاكل لان الطفل سيفقد الثقة بأبويه وسيعد كل ارشاد بمثابة قسر ( منع ) مما يدفعه الى التمرد عليهم ومخالفة كل ما يقولونه بدافع التحدي ما يجعله في النهاية شخصا عدوانيا فاقدا الثقة بنفسه وبالاخرين.

الكاتبة والصحافية رناته فان درسي تبحث في كتابها الجديد ( جرائم غسل العار في هولندا ) عن جذور هذه المشكلة وتلقي الضوء على الاسباب التي ادت إلى تزايد جرائم القتل بسبب الشرف في هولندا خلال السنوات القليلة المنصرمة. وهي تقر في البداية بأن ظاهرة العنف المرتبط بالشرف ليس ظاهرة إسلامية حصرا، اذ انها تحدث كذلك ولكن بنسب أقل بين الهندوس والمسيحيين واليهود. وقد يقوم شخص هولندي بضرب زوجته أو حتى قتلها لأسباب تمس الشرف، لكن ذلك لن يكون بسبب عقيدته الدينية وإنما بسبب ظروف شخصية أو اجتماعية.
وتستشهد الكاتبة بقول وليام تيمر المتخصص في جرائم الشرف في هولندا الذي يقول quot; إن أغلبية جرائم الشرف تقع في الجاليتين التركية والكردية وهما جاليتان كبيرتان في هولندا. إن جريمة الشرف كظاهرة في الغرب صادرة عن الجاليات المهاجرة ولكنها موجودة أيضا بين جاليات كالسورينام والانتيل والعراق و إيران و أفغانستان وباكستان quot;. إلا أن جريمة الشرف ليست quot;مصدرةquot; إلى الغرب فقط، حسب تيمر وإنما كانت تحدث أيضا في المجتمعات الأوروبية في الماضي.


وتعتقد الكاتبة فان در سي أن عدد النساء اللواتي يتعرضن للعنف بسبب مشاكل الشرف سيزداد كثيرا غير أن الأذى المكتوم الذي تعانيه النساء الأجنبيات والذي يقتصر على العنف الجسدي أو النفسي أكثر بما لا يقاس اذ لا توجد إحصائيات معتمدة حول حجم المشكلة، كما أن هناك الكثير من النساء لا يجرأون على الابلاغ عن مشاكلهن كما سنلاحظ ذلك في قصة الشابة أمينة.


هناك أسباب اخرى تزيد من حجم هذه الظاهرة تعزوها المؤلفة إلى الجهل والفقر.. اذ يجمع الباحثون على أن جرائم الشرف تقل كلما تحسنت وضعية الأفراد اقتصاديا. إن التمتع بوضع اقتصادي جيد يخلق مركزا اجتماعيا متميزا مما يجعل الشرف أقل أهمية. و نادرا ما تحدث جريمة شرف في أوساط عائلات مهاجرة في وضعية اقتصادية جيدة.


quot; ليس من السهل معرفة عدد جرائم الشرف التي ترتكب في هولندا بالتحديد.. هذا ما تبين من تقرير مشترك للشرطة الهولندية وباحثين في علم الاجتماع والجريمة. يؤكد الساسة في هولندا وخارجها، مرارا وتكرارا ضرورة العناية بتسجيل وتوثيق قضايا جرائم الشرف، لكن البحث يشير إلى أنه لا يتبين ما إذا كان دافع الجريمة هو الشرف، إلا بعد مضي مدة طويلة على ارتكابها، بل لا يتم أحيانا التوصل إلى معرفة ذلك أبدا quot;

قامت المؤلفة من خلال تحريها بمقابلة عدد من النساء الضحايا ووثقت تجاربهن، كما استعانت بملفات الشرطة للحصول على معلومات دقيقة بهذا الشأن. ومن بين هؤلاء الضحايا فتاة تركية تدعى امينة بدأ زوجها يضربها بعد أن سمع امه القادمة من قرى ازمير تقول عنها إنها تتصرف كعاهرة. ثم حبسها في البيت وظل يضربها حتى بلغت ابنته الثانية عشرة حيث بدأ ضرب البنت هي الاخرى ومنعها من اللعب في الخارج. تضطر المرأة إلى الهرب مع اطفالها إلا انه يظل يلاحقها ويقتلها في الشارع وفي وضح النهار. شابة مغربية اسمها فائزة تعود اصول عائلتها إلى الريف المغربي تحدثت هذه الفتاة كيف هربت من البيت عندما اصبحت في العشرين من عمرها بعد أن علم ابوها بعلاقتها مع شاب هولندي وحاول أن يقتلها خنقا. فتاة تركية اخرى في الثامنة عشرة من عمرها قتلها والدها بعد أن عرف أنها لم تعد عذراء، استدرجها أثناء عطلة كانا يقضيانها معا في تركيا وقتلها ببندقية صيد.!!

وعن طرق مساعدة ضحايا العنف المرتبط بالشرف ومعالجة هذه المشكلة تقول المؤلفة إنها مازالت غير مدروسة على الاطلاق ومن الضروري جداً التسريع بتدريب مختصّين في تقديم العون المناسب للجهات المعنية مثل الشرطة وملاجئ للنساء وفي المدارس ايضا. كما يمكن توجيه دعوات إلى منظمات المهاجرين والمساجد للعمل ضد جرائم الشرف. غير أنها تستدرك وتقول إن الكثير من أئمة المساجد يتركون هذا الامر جانبا لانهم يعتبرون ذلك ضروريا للمحافظة على التقاليد.

لا تخفي الكاتبة رناته فان درسي سعادتها في النهاية بالاهتمام الكبير الذي تحظى به مشكلة جرائم الشرف في هولندا مؤخراً. وهي تمتدح وزيرة الهجرة ريتا فردونك لأنها وضعت معالجة هذه المشكلة في صدارة اولوياتها. فقد تعهدت معاقبة الرجال الذين يضربون زوجاتهم أو بناتهم ـ في حالات المس في الشرف ـ أشد العقاب من الآن فصاعداً مثلهم في ذلك مثل الإرهابيين. وتريد أيضاً أن تطرد من هولندا كل من يرتكب جريمة غسل عار من أصحاب الجنسيات الأجنبية سابقاً. وتأمل بهذا أن تضع حداً لتنامي جرائم غسل العار في هولندا، وخاصة بين المسلمين. تقول رناته ان هذا هو ما يحدث بالفعل الان.