لم يكن سبب ارتفاع أسعار الأضحاي ببغداد اقتراب عيد الأضحى فقط بل شحة الماء والكلأ للماشية في الأرياف خارج بغداد حيث تجلب الماشية المعدة للبيع فيضطر التجار لشراء العلف لها من اماكن أخرى يضاف سعرها لسعر الأضحية.


عبد الجبار العتابي من بغداد:مع اقتراب حلول عيد الاضحى المبارك، شهدت المناطق التي يتم فيها بيع الخراف المتوزعة في اماكن عشوائية من بغداد.. حركة لافتة للانتباه، واصبحت الطريق الى تلك الساحات التي يقف هؤلاء الرعاة او التجار، والتي تسمى بالعامية (الوكفة).. سالكة ولاتشكل حالة غريبة، كما ان وجود تعاملات البيع والشراء هي الاخرى علامة واضحة من علامات العيد الذي تكون الاضاحي فيه واجبا شرعيا، يسعى الناس اليها بمحبة واحترام لذويهم، لكن الحركة سرعان ما تكون بطيئة ومرتبكة في البيع اذ ان الاسعار هي التي تجعل الاخرين ينسحبون من الساحة دون ان يكون برفقتهم اي خروف او نعجة وهم يستغربون ذلك.


قبل هذا الوقت بنحو شهر سمعت من بعض الذين اعرفهم امتناعهم هذا العام من جلب الاضاحي لذبحها من اجل ذويهم الذين توفاهم الله، بسبب غلاء الاسعار، حيث اكد العديد منهم ان الاسعار ارتفعت كثيرا عن العام الماضي، نحو الضعف تقريبا، قال لي احد الذين اعرفهم : منذ اكثر من شهر وانا اتابع حركة اسعار الاغنام فكانت مرتفعة فتوجست خيفة من ارتفاعها مع اقتراب العيد، واضاف : في العام الماضي كان سعر الخروف 120 الف دينار (100 دولار) او اكثر بقليل للخراف السمينة، اما حاليا فسعر الخروف 250 الف دينار اي اكثر من (200) دولار، لذلك وجدت نفسي ليس لديها القدرة على شراء اضحية لوالدي المتوفي قبل سنوات مؤجلا ذلك الى عام مقبل تكون فيه الاسعار اكثر رحمة !!.


وهذا الكلام تكرر كثيرا خلال الايام اللاحقة، وصرت كلما امر من مكان فيه اغنام اتوقف لأتأمل ما في المكان من اناس او ان احاول ان اعرف الاسعار التي دائما أفاجأ بها من خلال احاديثهم وتعاملاتهم، فكنت اسمع ارقاما مختلفة تختلف احيانا حسب وزن الخروف وربما عمره ايضا وكذلك كونه (نعجة ام خروف) فهنالك فرق طبعا ولا توجد للاسف مساواة !!، لكن الاسعار مهما جرى عليها الاخذ والرد لن تنزل الى اقل من 240 الف دينار عراقي، حتى وجدت انه لا بد ان ادخل في (المعمعة) كي اعرف التفاصيل التي لا اعرفها.


سألت إيلاف احد الذين يريدون شراء خروف كأضحية فقال: لم اتوقع ان تكون الاسعار هكذا، فأنا سمعت ان الاسعار مناسبة ولكن اتيت ووجدت انها غير مناسبة تماما، انظر الى ذلك الخروف الذي لا يتجاوز وزنه الخمسة عشرة كيلو غراما (واشار بيده الى خروف قريب) انه بسعر 250 الفا، وعليك ان تحسب سعر الكيلو غرام الواحد.


وبالتأكيد ان السعر غال، قياسا الى سعر كيلو اللحم المباع في الاسواق بـ (12) الف دينار، لكن الاضحية غير بالتأكيد، وتلك مفارقة طبعا، لان الفرق واضح وهو كبير.

وكان لابد من ابحث عن الاسباب، فذهبنا الى اصحاب الاغنام في (وكفاتهم)، في الكرخ، قال الشاب حسين محمد : عمي هو التاجر وانا اقف في (حلاله) (الغنم يسمى الحلال)، وابيع بالسعر الذي طلب مني ان ابيع به، فكل الغنم الذي عندي سعره ما بين 240- 260، ولن ينزل فلسا واحدا، هذا كلام عمي ولا بد ان اطيعه، ولكن ربما هو يقلل من السعر فهو صاحب الغنم.


وحين سألناه عن اسباب الغلاء قال: اعتقد بسبب قرب عيد الاضحى الذي تزدهر فيه حاجة الناس الى الاغنام لذبحها كأضاحي، وهي فرصة للتجار ان يرفعوا الاسعار، واستدرك : لكنني سمعت من عمي ان السبب في غلاء الاسعار يعود الى التجار الذين يشتري منهم.


والى تاجر اخر في مكان اخر ذهبت.. وحاولت منه ان احصل على اسباب ارتفاع الاسعار فقال عباس شايع : لم يكن الارتفاع خلال هذا الشهر فقط بل منذ سنة تقريبا وظلت ثابتة تقريبا مع انخفاض قليل او ارتفاع قليل لايزيدان ولا ينقصان على 25 الف دينار، اما الاسباب فهي : اننا نشتري الاغنام من المحافظات الجنوبية فقط، ولكن بعد شحة الماء وقلة الاعلاف اصبح من الصعب على الرعاة او التجار المحافظة على اغنامهم الا بشراء اعلاف من اماكن بعيدة وهذا يتطلب نقلا وجهدا وبالتالي يؤثر على اسعار الييع، بالاضافة الى اننا حين ننقل الاغنام من محافظة الى اخرى لابد ان نضيف اجور النقل والاعلاف على سعر البيع.


اما حول الاغنام التي يبيعها فقال: قليلة ولا تستحق تعب الوقوف طوال النهار.


وعند تاجر اخر في مكان اخر، في الرصافة، توقفت ورحت (اتعامل) معه حول سعر خروف، فسألني اذا ما كانت الاضحية لرجل او امرأة او لمتوفى خلال هذه السنة او اكثر، وقد ادهشتني اسئلة (ابو اميرة) وهذه كنيته، فما وجدتني الا ان اسأله عن الفرق، فقال : هناك فرق طبعا، وحين حاولت معرفة ذلك منه قال ( قل انت ماذا تريد وانا اعطيك؟) لم اقل له لانني اريد ان اعلم، وطبعا لم يقل لي الفرق الا حين ابلغته انني صحفي، لحظتها ضحك وقال (يعني ما راح تشتري؟!!)، فقال: ان المتوفي حديثا يؤخذ له (خروف هرفي) والمرأة المتوفاة تؤخذ لها (نعجة) اما الرجل فيؤخذ له اي خروف، اما الاسعار فقال: لن اتنازل عن الـ 260 الف دينار الا بعشرة آلاف وللخروف الاقل وزنا!!.

وعن السبب في هذا الغلاء يقول ابو اميرة: ليس جديدا وليس قديما كثيرا بل منذ عام تقريبا، فالعام الماضي بعنا الاغنام باسعار تنافسية تتراوح ما بين 120 وصعودا الى 180 مع حلول عيد الاضحى خاصة ان بعض الناس يشترون الاغنام ويبقونها لدينا حتى العيد ونحن نأخذ منهم حق الاعلاف، ولكن هذه السنة الاسعار ارتفعت لشحة الماء في المحافظات الجنوبية التي تسبب في جفاف كبير اصاب الاراضي الزراعية وتسبب كما نعرف في تهريب اعداد كبيرة من الاغنام الى الخارج لان التاجر او الراعي لا يحتمل موت اغنامه امام عينيه.


واضاف : هذه السنة كانت الشحة واضحة على الاراضي الزراعية ومات الكثير من المواشي، ولكن هناك من اجتهد في ان يحافظ على اغنامه من خلال ايجاد اعلاف لها، وبالتأكيد ان الاعلاف ارتفعت اسعارها للطلب عليها، ومن هنا ارتغعت اسعار بيع الاغنام.


وحين سألنهم عن نسبة البيع لديه قال : قليلة جدا قياسا للسنوات الماضية صار من الصعب بيع خروفين طوال النهار.