عبد الرحمن الماجدي من بغداد: حين يكون لديك موعد رسمي أو شخصي في بغداد في الساعة العاشرة صباحاً عليك أن تتوقع التأخر ساعة على الأقل كزمن ميت بين الموعد ووصول من تنتظره. وقد تتعود ذلك، خاصة بعد زحمة السير التي يجري تهويلها بشكل كبير في أحاديث البغداديين كعذر للتأخر. فجريمة قتل الوقت لم تكن وليدة اليوم عراقياً إذ هناك من يضرب موعداً لبعد الظهر أو عند المغرب أو المساء، دون أن يحدد ساعة لموعده وربما لن يصل الشخص المنتظر. فيتمتم من ينتظر بان الغائب عذره وياه (معه). وقد ازدادت جرائم قتل الوقت في العراق منذ عام 2003 بسبب الفوضى التي أعقبت سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين. وهجمات الارهاب ثم تحوطات الامان التي طوّقت الشوارع. لكنها جلبت معها تقنية الالتفاف على التأخر باستخدام جهاز الهاتف النقال الذي يتم خلاله ايجاد حلول للقاء بعد تعذر الوصول لساعات بعد الموعد، أو الاعتذار أيضاً. او تقليص الهدر منه انتظاراً.

تقول الأغنية العراقية: مرت على الوعد ساعاتْ والموعد زمانه فاتْ. وهي مثال لما يزل ماثلاً على الساعات التي تمر باكية.

وعندما تسأل عراقياً عن الوقت وما يعني له يجيبك أن السبب في الظروف التي تحيط به. ولن يحمل نفسه مسؤولية هدر الوقت بشكل كبير او عدم تنظيمه. فعدم تنظيم اليوم هو السبب الذي يؤدي إلى ذهابه مهدوراً بلا فائدة.

يقول سلام حسن من بغداد: كان لدي موعد للقاء مسؤول حكومي عراقي في الساعة الثانية والنصف ولم يتحقق الا في الساعة السادسة والنصف بعد ان كنت تجهزت قبل الموعد الاولي بنصف ساعة لأدخل في تزاحم المواعيد الاخرى بعد كل نصف ساعة تمر واتصل مستفسراً عن السبب الذي كان الزحام واللقاءات الأخرى للمسؤول وتكاسل مدير المكتب. لكني تعودت ذلك وسعدت ان اللقاء تحقق اخيراً فكثير من اللقاءات المقترحة تؤجل لأيام. لكن نادرة هي اللقاءات التي تتم في موعدها.

وهو أمر متوارث كما يضيف سلام، فاذا كانت لديك مراجعة في دائرة حكومية يأتيك الجواب التقليدي quot;تعال بعد يومينquot;، ليمتد الى أيام أخرى هذه الأيام.

وقليل أيضاً من العراقيين الذين لديهم أجندات للمواعيد خلال اليوم فربما يضيع اليوم كله على موعد تجري مطاردته لساعات ليتم الظفر به بعد قتل كثير من الساعات والدقائق والثواني.

وربما تباهى بعض العراقيين بهدر الوقت بطريقة عبثية كالتسكع في الطرقات أو الجلوس في مقهى لعله يظفر بصديق حديث أو قديم ليكون نديما لدردشة غايتها قتل الوقت.

عماد القادم من لندن يخبر إيلاف امام عدد من اصدقائه أن لكل ساعة قيمتها في اوروبا والعمل اليومي يثمن بالساعة وليس باليوم او الاسبوع اول الشهر. فلو عملت لنصف ساعة تأخذ أجرك عليها الذي قد يصل لخمسة أو سبعة باوند إذا كان سعر الساعة صافياً 14 باونداً.

المسؤولون العراقيون يجدون الوقت يحاصرهم بلقاءات يومية قد تتداخل او تطول ومطاردات طالبي اللقاء بهم فيبدو كأنه ينتقم منهم بسبب قتل المواطن لاخواته من الساعات وبناته من الدقائق.

والمكان الأكثر هدرا للوقت وتمزيقه إرباً يجري في المكان الذي يتوجب أن يكون فيه لكل دقيقة حسابها، وهو المطار. فجميع مطارات العراق لاتلتزم فيها الطائرات العراقية بالوقت وقد تمر ساعات طويلة قبل أن يتمكن المسافر المدون في تذكرة سفره موعد يجري قتله كل حين. بل إن بعض المسافرين أبلغ إيلاف أنهم انتظروا يوما كاملا حتى تمكنوا من السفر لدولة مجاورة كالأردن او سورية بالطائرة فيما سبقهم زملاء لهم ركبوا السيارة نحو البلد نفسه بعد الموعد الذي يفترض ان يكون موعداً لاقلاع طائرتهم. لكن الخطوط الجوية الاجنبية جلبت لمطارات العراق دقة التزامها بالوقت خاصة عام 2009 فراحت الطائرات العراقية تقلدها على استحياء.

والطريف في الأمر ان من سألتهم إيلاف في بغداد عن الوقت وكيف يمضي يجيب بحكمة دارجة بأن quot;الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعكquot; أو ان quot;الوقت من ذهبquot;. انما الواقع لاعلاقة له بهاتين الحكمتين أبداً.

المدارس التي كانت لا تتشدد مع من يصل من الطلبة متأخراً أو ربما غادر طلبتها قبيل وقت انتهاء الدوام الرسمي بنصف ساعة حيث يتحضر الطلبة للخروج بعد أن تمضي دقائق على الدرس الاخير ليضطر المعلم لإخراج طلبته تجنباً للفوضى.

لكن خطة القانون الذي يجري فرضه في الشارع العراقي وصلت المدارس فلم يعد الخروج المبكر كما كان قبل أشهر وقد جلبت بعض المدارس شرطيا يقف عند باب المدرسة كإيحاء يفرض على الطالب الالتزام. كما اخبرنا بعض الطلبة.