الياس توما من براغ: تعتبر تشيكيا من دول أوروبا الشرقية التي تنتشر فيها بكثيرة الدعارة على مختلف المستويات وفي مختلف المناطق رغم أن هذه المهنة ينقصها حتى الآن قانون ينظمها أو على الأقل يحظرها ويعاقب الذين يقومون بها وبالتالي فان الدخل الذي يحققه العاملون فيها يذهب إلى جيوبهم الخاصة الأمر الذي يحرم ميزانية الدولة مليارات الكورونات سنويا من جهة ويجعل أصحاب هذه المهنة لا يخضعون لأي فحوص طبية من جهة أخرى ولذلك فان من يريد الانخراط في هذا النشاط كمقدم للخدمات الجنسية أو كمشتري لها عليه تحمل المخاطر الصحية والاجتماعية والمادية المتأتية منها.

تشير أحدث معطيات مكتب الإحصاء التشيكي أن التشيك والأجانب انفقوا العام الماضي على الدعارة نحو 9 مليار كورون أي نحو 410 مليون دولار الأمر الذي لا يعتبر قليلا لدى مقارنته بمصادر الدخل التي تتأتى من مهن أخرى.

ويؤكد رئيس قسم الدراسات المقارنة في مكتب الإحصاء ييرجي فوبرافيل أن عدد بائعات الحب لم يتغير كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية في البلاد حيث يتراوح عددهن مابين 9000 ــ 10000 امرأة، غير انه يلاحظ أن دخلهن بدا يتراجع ولاسيما في ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية كما بدأت تتغير ظروف عملهن فقد تناقص وبسرعة عدد النساء اللواتي quot; يعملن quot; في الشوارع وعلى أطراف المدن وعند الطرق التي تؤدي إلى الدول الغربية كألمانيا والنمسا فيما يزداد عدد العاملات في نوادي الليل في المدن.

ويشدد فوبرافيل على أن الدراسات المقارنة التي يقوم بها اختصاصيو المكتب في هذا المجال لا تتم رغبة منهم بالتسلية وإنما بناء على توصية يتقدم بها إليهم مكتب الإحصاء الأوروبي quot; اوروستات quot; لان بروكسل تريد إجبار دول الاتحاد السبعة والعشرين على تقدير قيمة الإنتاج القومي الإجمالي بالشكل الأكثر دقة وان يتضمن أيضا ما يسمى باقتصاد السوق السوداء مثل الدعارة وبيع المخدرات أو تهريب الكحول لان الاقتصاد الأسود في النهاية يساهم رغم كل سلبيته في خلق الدخل القومي.

وتشير الدراسة قبل الأخيرة للمكتب التي أعدت في عام 2003 أن العاهرات التشيكيات حققن دخلا في ذلك العام قدره 8،7 مليار كورون منها 5،5 مليار كورون دفعها الأجانب لقاء لخدمات الجنسية التي قدمت لهم. وحسب فوبرافيل فان هذه المعطيات لم تتغير كثيرا منذ ذلك العام إلى اليوم فيما شهدت هيكلية هذه المهنة تغييرا

وبالتوافق مع هذا الرأي تؤكد لوتسيه شيدوفا من جمعية quot;اللذة من دون مخاطر quot; التي تساعد بائعات الحب والتي تتعاون أيضا مع مكتب الإحصاء في تقدير عدد العاهرات من جهة ودخلهن من جهة أخرى بان عدد النساء اللواتي يقدمن هذه الخدمات في الشوارع أو بالقرب من الحدود في تناقص فيما يرتفع عدد النساء اللواتي يعملن في النوادي الليلية ولاسيما في المدن الكبيرة وفي مقدمتها براغ.

تشير السيدة شيديوفا إلى أن هذه العلب أو النوادي الليلية لا تقدم فقط الخدمات الجنسية وإنما خدمات أخرى عديدة ولذلك يطلق عليها تسمية quot; سوبر ماركت جنسي quot; أما السبب في هذا الانتقال من الشوارع إلى علب الليل فلا يعود إلى تراجع عدد الأجانب الذين يطلبون الخدمات الجنسية وإنما بسبب كون بائعات الهوى المدمنات على المخدرات يقدمن خدماتهن بأسعار رخيصة في الشارع ولذلك فان أصحاب العلب الليلية يريدون إنهاء منافستهن عن طريق أخذهن إلى نواديهم الأمر الذي يجعل الأسعار تستمر ضمن مستوى معين ويجعل ممارسات هذه المهنة تحت متابعتهم
ويرى العديد من المحللون الاجتماعيون هنا أن ظاهرة الدعارة في تشيكيا تشكل مثالا صارخا عن الفوضى السائدة في البلاد وضعف أداء الجهات المعنية بدءا من البرلمان والحكومة وانتهاء بالجهات المسؤولة عن مراقبة رخص العمل والمهن رغم أن هذه المشكلة ليست حديثة وإنما يشاهدها الجميع منذ سنوات طويلة فأي قادم إلى براغ أو إلى أي مدينة تشيكية أخرى يلاحظ نوادي الليل المنتشرة في مختلف المناطق ولاسيما في مراكز المدن التي تعرض ليس فقط quot; الستريبتز quot; أو التعري وإنما توجد فيها غرف مخصصة عمليا لممارسة الجنس مع الفتيات اللواتي يتواجدن في المكان لهذا الغرض الأمر الذي يحولها إلى بيوت دعارة حقيقية ومع ذلك فان الصفة الرسمية لها أمام السلطات المختصة تبقى عبارة عن بارات...
وقد قامت صحيفة تشيكية قبل فترة باختبار مدى تطابق الرخصة التي جرى فتح هذه النوادي بها والعمل أو النشاط الذي تقوم به فعليا فتبين لها أن النادي الليلي المسمى ال باسو مثلا الذي يوجد في شارع أمريكا في مدينة بلزن الواقعة غرب البلاد هو عمليا بيت للدعارة أما لدى الجهات المعنية فمسجل بأنه عبارة عن مركز رياضي ثقافي.

وعلى الرغم من أن بعض النوادي الليلية لا تخفي طبيعة quot; نشاطاتها quot; إلى درجة أنها تنشر على صفحاتها على الانترنت قائمة بأنواع الخدمات الجنسية التي تقدمها وأسعارها مع صور الفتيات اللواتي يقدمن هذه الخدمات الجنسية إلا أن السلطات المحلية تتظاهر بان موضوع بيوت الدعارة غير موجودة في تشيكيا وبالتالي فان القانون لا يتم خرقه.

ويبرر رئيس قسم التراخيص في دائرة براغ الأولى اولدرجيخ دايبيخ هذا الأمر بالقول quot; نحن لدينا معايير بموجبها يمكن لنا إعطاء الموافقة على بدء عمل المطعم أو البار أو مراكز التدريب الرياضية نشاطاتها أما بالنسبة لمفهوم نادي يقدم خدمات جنسية فلا يوجد لدينا التعليمات الصحية الخاصة بذلك لأنه لا احد عرفها وحددها قانونيا ولذلك تحاول مختلف النوادي الليلية التي تقدم الخدمات الجنسية تمويه نشاطاتها كي تضمن استمرارية وجودها.
ويرى البعض أن المشكلة القائمة في هذا المجال متأتية من أن الدعارة غير مرخص لها لكنها في نفس الوقت ليست محظورة وبالتالي فان الشرطة تقوم فقط بمعاقبة الظواهر المرافقة لهذه العملية مثل القوادة أو الاتجار بالنساء وغيرها...
ويدعو بعض المتابعين لهذه الظاهرة إلى العمل في هذا المجال بالطريقة المتبعة في هولندا أي إضفاء الشرعية على مهنة الدعارة وفي نفس الوقت إخضاعها لرقابة الدولة
ويعترف الدكتور ايفا ن سوليا رئيس لجنة الأمن والوقاية من الجريمة والرقابة في دائرة براغ الأولى بان الأمر قد خرج من السيطرة حاليا في براغ في هذا المجال وانه إذا لم تتحرك البلدية والجهات الأخرى المعنية بمعالجة هذه الظاهرة فان تشيكيا ستصبح بمثابة quot; بانكوك وسط أوروبا quot;