فراس حسن من دمشق: في اليوم الثاني من زيارتي الأولى لأوروبا، خرجت مع بعض الأصدقاء للتجول في مدينة بروكسل، بعد مغادرتنا السيارة، وبعد أقل من نصف ساعة مشياً على الأقدام لفت انتباهي أن السيارات كثيراً ما تبطئ، وقد استغربت تصرفات السائقين هذه، فلم أرى عوائق في الطريق تستدعي البطء أو التوقف لثوان ثم تتابع سيرها كما كانت تفعل السيارات، طبعاً، استغربت وسألت نفسي، ما الذي يحدث ولماذا يتصرف هؤلاء السائقين بهذه الغرابة.


بعد تكرر الموقف أكثر من مرة، استفسرت من مضيفي quot;لماذا تقف السيارات فجأة وبدون سبب، فلاشيء يعترض طريقهاquot;، ابتسم لي ابتسامة جعلتني أشعر بالسذاجة قائلاً quot;إنهم ينتظرونك كي تقطع الشارعquot;، فقلت:quot;كي أقطع الطريقquot;، رد بالإيجاب، وقال:quot; أعرف أنك لست معتادا على هذا في سوريا، ولكن هنا في أوروبا، للمشاة الأولية في استخدام الطريق، ويجب على المركبات أن تقف وتفسح المجال للمشاةquot;، قلت quot;حتى لو لم أكن على ممر المشاةquot; رد quot; En ggeacute;neacute;ral، ouiquot; أي quot;غالباً، نعمquot; برمت بوزي ومططت شفتي لأعلق بعد قليل بأني أشعر بأنني رئيس الجمهورية هنا كنت قد نسيت أن بلجيكا مملكة، ساورني الشك بما قاله صديقي فقلت لنفسي سأرى إن كان ما يقوله صحيحاً، وبالفعل قمت بتجربة صغيرة حيث أخذت أضع قدمي على الطريق وأراقب السيارات، يا لدهشتي، وبالفعل في كل مرة كنت أدير وجهي للطريق كانت السيارات تبطئ، وبمجرد أن أضع قدمي على الطريق كانت أغلب السيارات تتوقف أو على الأقل البعيدة منها بما يكفي.


قد يكون ما حدث في يومي الأول في بروكسل مصادفة، نادراً ما تتكرر ولكن بالنسبة لشخص قادم من سوريا فقد كانت أعجوبة، ففي بلدي سوريا، أن يحدث وينتظرك سائق سيارة لتقطع الطريق مصادفة نادرة، وإن حدث فتوقع أن يكون السائق عربي من دول الخليج أو أوروبي، وإياك أن تقوم بتجارب كتلك التي قمت بها مع السائقين البلجيكيين، أو الفرنسيين، فهنا، يعتبر هذا تهوراً شديد الخطورة وقد يودي بحياتكم وبسرعة البرق، في سوريا الأولوية دائما للراكب وليس للراجل، إن كنتم لا تصدقوا إليكم بعض شهادات راكبي أحذيتهم أو السيارات من نوع 11 كما يتندر بعض الشباب الفقراء بتسمية سيقانهم.


أطفال عرضة للخطر
بينما كنت أحاول التقاط بعض الصور لهذا التحقيق على الاوتستراد الدولي الذي يفترض أن يصل بين أوتوستراد درعا (يصل دمشق بالأردن) وأوتوستراد حلب (الذي يصل دمشق بحلب ومن ثم تركيا) ويشق أكثر من حي من أحياء دمشق الشعبية المكتظة، استوقفني شرطي (يعمل في الشرطة العسكرية) ظناً منه إنني أحد موظفي دائرة الهندسة والتخطيط في المدينة وألتقط صور لأغراض تنظيمية أو إنشائية وما شابه، عندما علم بأني ألتقط الصور لأنجز مقالاً صحفيا عن حالة الطرقات التي تفتقر لوسائل الأمان للمواطنين المجبرين على قطع الأوتوستراد وغيرها، نبهني الشرطي إلى أن المكان الذي ألتقط فيها الصور، يعج بطلاب المدارس صباحاً، ويتعرض هؤلاء الصغار للمخاطر بشكل يومي بسبب سرعة السيارات، حيث لا وجود لإشارة مرور أو جسر أو نفق لعبور المشاة، وعندما استفسرت منه عن صحة القصة التي تروي مقتل طفلة في العاشرة من عمرها وهي تقطع الشارع، أجاب بأن هناك خمسة حوادث على الأقل في النقطة التي كنت أقف فيها خلال شهر واحد، والحادث الذي أتحدث عنه أدى إلى مقتل الفتاة فوراً عندما قذفتها سيارة مسرعة عدة أمتار في الهواء، وشدد علي لأن أكتب عن الموضوع quot;أكتب عن الموضوع، بينوبك ثواب، ما معقول، حرام الأطفالquot;.
في نفس المكان وبعد دقائق استوقفني خمسيني، أثارت الكاميرا فضوله، عندما أخبرته عن سبب التقاط الصور، توقف لعدة دقائق ليشرح لي مدى صعوبة قطع الطريق في هذه النقطة، بغياب إشارة المرور، وعن معاناة أهالي الحي (الكباس) بشكل يومي عندما يضطرون لقطع الطريق بين السيارات quot;إلي سائقيها ما بيصلوا على النبيquot; وأشار إلى الضرورة الملحة لأن يتم بناء جسر للمشاة في المكان لأن هذه النقطة بالذات تعتبر أحد مدخلين لحي مؤلف من حوالي الألف منزل.


المسألة مسألة فيزياء

بين شهادة الشرطي والمواطن القلقتين والجديتين، وفي مكان أقل خطورة، خفف الشاب منار من حدة التوتر معلقاً بسخرية، تحتاج لقطع شوارع دمشق إلى بعض المعرفة بالفيزياء الحركية، كي تستطيع حساب سرعة السيارة والزمن اللازم لوصولها إليك، وكذلك سرعتك، بحيث تعرف أن كنت ستستطيع تفادي مسار السيارة قبل وصولها إليك أو لا، يستطرد quot;المسألة بسيطة جداً واعتياديةquot;، عندما طلبنا تفاصيل أكثر، وذكر حادثة ما قد حدثت معه، يجيب quot; ما بتذكر، لأن كل يوم تقريبا في شي، بس المسألة متل ما قلتلك بسيطة، يعني بتشبه الـ game دراسة بسيطة لسرعة السيارة، مع حساب بسيط لسرعتك بتعرف النتيجةquot;، هل تنتظر، أم تتراجع بعد أن أصبحت في منتصف الطريق، أم تركض بأقصى سرعة، ويستطرد quot;طبعاً أحياناً ما بتظبط معك لأنو السائق بس يشوفك بنص الطريق بيزيد السرعة أو بيهجم عليك وقتها بدك تعيد حسابات مرة تانية بسرعةquot; ينهي الحديث ضاحكاً.


جار كلب الأمير أمير
نستطلع من منار عن السبب في تصرفات، يظن سائقي السيارات، بأنهم أهم منا نحن المشاة، فالذي يملك سيارة في بلد مثل سوريا، وحتى سنوات قليلة خلت، كان ينظر إليه على أنه شخص مهم، تاجر، أو ربما طبيب مشهور، أو مهندس غني، وبالتالي لديه العلاقات والصلات بمن هم فوق القانون ما يجعله هو الأخر فوق القانون، يقول مقهقهاً quot; جار كلب الأمير أميرquot; ربما لهذا يعتبرنا سائقي السيارات ومالكيها مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.


ثقافة احترام القانون معدومة
رانيا، مرشدة اجتماعية، تجد في قطع الطريق مشكلة يومية، فقطع الطريق يجعلها مهددة بالتعرض لحادث بأي لحظة، لأن quot;السائقين ما بيحترموا القانونquot;، رغم أن الأولية في المرور للمشاة، إلا أن رانيا ترى أن المشاة بدورهم لا يحترمون قانون السير، ولا يلتزمون بالأماكن المخصصة لهم، فجأة يقفز أحد المارين في وسط الطريق ليفاجئ السائق، الأمر الذي قد يتسبب بحادث اصطدام بين سيارتين عند محاولة السائق تفادي أحد المشاة المفاجئين في منتصف الطريق، هذا في حال لم تصدمه السيارة، وتشير رانيا إلى ما تعتبره مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن السيارات، وهي الدراجات الهوائية والنارية التي لا يلتزم راكبوها بالإشارات المرورية، أو يسلكون اتجاهاً معاكساً لاتجاه الطريق الأمر الذي يفاجئ المشاة عندما يركزون انتباههم على السيارات القادمة بالاتجاه الطريق، فبالنسبة رانيا حوادث الدراجات لا تقل خطورة في أحيان كثيرة عن حوادث السيارات، وتحكي لنا قصة جارها العجوز الذي صدمته دراجة يركبها شخصان وهو يهم بقطع الطريق، الأمر الذي أدى إلى سقوطه ليصطدم رأسه بزاوية الرصيف، ويصاب بنزيف داخلي ويفارق الحياة في أقل من 24 ساعة بعد الحادث.


سارة فتاة أوروبية تعمل في سوريا منذ سنتين كمدرسة، تقول بالنسبة لها quot;الوضع خطير جداًquot; فهي quot;متعودة على النظام في أورباquot; هناك لا يحتاج المرء إلى الكثير من الحذر لقطع الشارع خصوصاً فوق ممر المشاة، فالسيارات تخفف سرعتها عند مفترقات الطرق، وممرات المشاة، quot;وتسمح للناس أن يمرواquot;، هنا في سوريا كثيراً ما تنسى سارة أن النظام مختلف وأن السائقين لن ينتظروها لتمر، وكثيراً ما تقفز فزعة بسبب زمماير السائقين الغاضبين quot;لغفلتها عنونquot;، تقول سارة في تحليها للوضع أن المسألة مسألة ثقافة فلا الناس هنا معتادون على احترام القانون وعبور الشارع من الأماكن المخصصة لهم، ولا السائقين معتادون على احترام القانون، واحترام المشاة أيضاً، حتى لو كان بين هؤلاء عجائز وأطفال أو حتى معاقين، تنهي سارة حديثها بالقول، quot;شي بيحزن، الناس هون كتير مناح ومحترمين بمجالات أخرى، بس بقانون السير ما في التزامquot;...


وجود الشرطة وعدمه واحد
في مكان آخر استوقفنا هوازن وهي طالبة في جامعة دمشق مقيمة في محافظة السويداء، تزور دمشق عدة مرات في الأسبوع، تقول هوازن في نهاية زيارتي لدمشق وفي طريق العودة أتنفس الصعداء لأنني خرجت بسلام من جحيم السيارات في هذه المدينة، quot;الوضع مش معقول، زمامير، وزحمة، وما حدا بيستنى حدا، بتكون عم تقطع الشارع بأمان الله والسيارة واقفتلك عم تستناك لحتى تقطع الشاعر بتقوم بتدوبلها سيارة تانية بتيجي لحتى تضربكquot;، يؤكد شقيقها هشام على الفكرة، ويقول quot;خصوصاً في البرامكة، عند الكراجات، ما في إشارة مرور قريبة وبتضظر تقطع الطريق لحتى تركب سرفيس وشوفورية السرافيس ما سائلين عن حداquot; ويشير هشام إلى أن المكان الذي يتحدث عنه فيه دائماً أكثر من شرطي مرورquot;بس متل قلتهمquot; لا يتدخلون أبداً، ويشاهدون تجاوزات سيارات النقل العمومي، دون أن يعلقوا حتى فما بالك بتنظيم مخالفات بحقهم بسبب تجاوزاتهم على المشاة، ويؤكد أنه شاهد في إحدى المرات حادث اصطدام سرفيس بفتاة صغيرة على مرأى من شرطي المرور، لكن الأخير لم يتدخل وأشاح بوجهه عن الحادث وكان شيئاً لم يحدث.


لكي تهتز الصدور
عبد الله سائق، يحب أن يهاجم النساء اللواتي يقطع الطريق أو يسرع بسيارته عندما يراهن في وسط الطريق، خاصة إذا كان يقود سيارته على اتوستراد سريع، عندما سألناه ما العبرة في مهاجمة النساء بسيارته، يقول quot;بحب شوف صدورهم عم تهز، منظرهم وهنه عم ينطوطو بيدوخنيquot; لم يدرك عبد الله فيما يبدو ما تتضمنه ممارساته هذه من شذوذ وعدوانية تجاه النساء، ولم يجد في ممارسة مثل هذه غرابة أو خروج عن المألوف، ويؤكد أنه ليس الوحيد الذي يستمتع بمشاهدة صدور النساء وهي تقفز تحت ثيابهن وهن يركض، ويضرب لنا مثلاً بصديق قديم له كان يعمل في شركة النقل الداخلي كسائق باص، كانت أفضل أوقاته عندما تؤشر له سيدة أو فتاة شابة لكي يقلها ويتوقف بعد الموقف بعشر أمتار إلى عشرين متر، فقط كي تركض السيدة أو الفتاة لتلحق بالباص ويراقب هو أثناء ركضها ثدييها وهما يتقافزان تحت ثيابها، وتكون سعادته أكبر quot;إذا كانت البنت لابسة سبور ومكشوف quot;
غادرت التكسي وأنا أضرب كفاً بكف، إذ فاجئني عبد الله بأفكاره هو وصديقه سائق الباص الحكومي، وبدأت أتسائل إن كان لكل سائق يمارس مثل هذه التصرفات قصته الغريبة أيضاً، لأرفض الفكرة فيما بعد وأغلب فكرة منار كأكثر التبريرات منطقية أو أكثر التبريرات التي يستطيع عقلي تقبلها، أي شعورهم بالفوقية تجاه المشاة.