الدير العتيق في سورية مدينة تحت الأرض تحتضن آثار خمس مدن متراكبة
علاء الخضر من دير الزور: يوحي اسم الدير العتيق بأنه اسم لدير قديم قائم في منطقة ما الا أن هذه التسمية تحمل دلالة لمكان قامت به حضارات متعددة نواته مدينة دير الزور الحالية وقد استقرت هذه التسمية بعد فصل المنطقة عن حلب عام 1865 ميلادي.
وأطلق اسم دير الزور على المدينة القديمة التي توسعت فيما بعد وأصبح الدير العتيق يؤرخ تاريخ المنطقة لكن تفاصيله دفنت تحت التراب حيث أزيل بشكل كامل في ستينيات القرن الماضي ليختزن تحت المباني الحالية التي بنيت على أنقاضه.
وقال الباحث عباس طبال دمرت مدينة دير الزور مرات عديدة قبل الميلاد وبعده حتى تكون منها تل أثري هو الدير العتيق القائم فوق هذا التل والمبني على أنقاض المدن التي كونته حيث ذكر الدكتور الأب متري حاجي اثناسيو في كتابه موسوعة بطريركية التاريخي والأثري أن اوزارا أي دير الزور كانت تعرف في العصر الروماني باسم آزورا وهي تقع شمال شرق سورية على نهر الفرات بنيت هذه المدينة الكبيرة والقديمة على نهر الفرات تحت اسم زعورا وأطلق عليها اليونانيون اسم آزوارا.
وأوضح أن الأبنية مشادة فوق تل اصطناعي كان يضم في داخله أنقاض خمس مدن متراكبة آثارها الواحدة فوق الأخرى ويتمثل موقعها في مدينة شورا التي كانت في الألف الثالث قبل الميلاد وكانت جزءاً من مملكة زوحي الآرامية ومن يحلل صور رفع أنقاض بيوت الدير العتيق ويدقق فيها يرى الطبقات المكونة للتل بوضوح.
وأضاف طبال أن بقايا الدير العتيق قبل هدمه كانت تقوم على تل أثري قام على أنقاض دير من أديرة قبيلة تغلب التي كانت تسكن المنطقة منذ العصر الجاهلي ومن بعدها تمت الإشارة إلى وجود ديرين كما يذكر الأب مار اغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك أنطاكية وسائر المشرق عضو مجمع اللغة العربية في دمشق حيث يرى.. أن كلمتي دير الزور مأخوذتان من التسمية السريانية دير زعور وانه عرف بالدير الصغير تمييزاً له عن الدير الكبير الذي كان بجواره وهذا ما جاء في كتاب الأصول السريانية في أسماء المدن والقرى السورية.. فالدير الصغير بني على الفرع الصغير لنهر الفرات وهو باق وقامت على اطلاله مدينة دير الزور والمتمثلة سابقا بالدير العتيق أما الدير الكبير فربما دمره نهر الفرات مع ما دمر من المدن التي قامت على ضفافه وبقي أحد جدرانه حتى نهاية القرن التاسع عشر وزاد على جداره ليصلح لحمل نواعير ما زالت آثارها باقية إلى اليوم على الفرع الكبير من نهر الفرات.
وبين الباحث طبال أن السري الرفاء المتوفي عام 366 هجري وهو شاعر سيف الدولة قال في قصيدة يمدح صديقا له كان يسكن الديرين كما يبدو مطلعها.. أناشد دهري أن يعود كما بدا فقد غار بي في الحادثات وأنجدا الى ان يقول.. فزار من الديرين الفا ومألفا وجاد على النهرين عهدا ومعهدا.
وقال إنه الدير الصغير وجد اثناء بدء هدم الدير العتيق عام 1952 وكان هذا الدير موجودا في أوائل القرن الثالث الهجري وهدم فيما هدم من قرى على شاطئ الفرات ثم أعيد بناء مدينة الدير فوق انقاض المدينة المدمرة بعد سنوات وهو ما أوضحه كتاب البداية والنهاية لابن كثير.
وأوضح طبال أن ما جاء في كتاب دير الزور لؤلؤة الفرات لمؤلفه بسام عارف الوني الذي يقول إن مون مارشيه جزم أن مدينة دير الزور تقوم في مكان البلدة القديمة آزورا أو أوزارا وأن الشيخ محمد سعيد العرفي ذكر ابان وجوده في مصر أن أقدم من أشار إلى الدير كان أبو بكر الخلال عام 211 هجري حيث قال في رسالته المتضمنة الحث على التجارة والصناعة أن الإمام أحمد بن حنبل أمر عبد الملك الميموني بالإقامة في ضيعته التي تبعد عن الرقة اياما وعن رأس العين مثلها وفيها دير معتزل وبقربه مدينة وهو ما ينطبق على دير الزور.
يشار إلى أن عدداً من الرحالة الأوروبيين زاروا دير الزور منهم ليونرد روفولف عام1573 ميلادي ووصفوا أهلها بأن بشرتهم بيضاء وشعرهم أسود ومحبون ومتآلفون مع الغرباء.
وأضاف طبال أن جميع ما ذكر وغيره يبرهن على وجود الدير العتيق المبني فوق تل اصطناعي في جميع المراحل التاريخية حتى هدم بـ البلدوزرات وأزيلت آثاره كلياً بـ البواكر عام 1968 ميلادي ووجدت آثار كثيرة أثناء الهدم حيث وجدت كنيسة أو دير مهدم قيل عنه انه مسجد ووجد بجانبه ما يشبه المحراب عليه صليبان أحدهما عليه مجسد المسيح عليه السلام ووجدت ثلاثة أوان تشبه القدور من البرونز حول فتحتها شكل شبيه بالشمس كما وجدت جرتان في أحدها دنانير ذهبية والأخرى فيها عملة فاطمية من الفضة.
من جهته.. بين ياسر شوحان مدير دائرة الآثار والمتاحف في دير الزور أن الدلائل والمخطوطات الأثرية تشير إلى قدم الدير العتيق حيث ذكرت فيها بيرثا وهي الاسم القديم لقرية عياش القريبة من المدينة وهي موقع روماني يتضمن حصناً عسكرياً وبعض المصادر أكدت أنه يوجد في المنطقة دير يدعى دير العصافير لكن لا يوجد دليل أثري يثبت إلى أي عصر أو زمن ينتسب الدير العتيق وأقدم ما تم الوصول إليه في الدير العتيق كان تحت فندق رغدان حاليا حيث توجد عدة سويات أحدثها تعود إلى الفترة الأيوبية فقد وجدت تيجان للأبواب منقوش عليها عنقود عنب مع كلمات باللغة العربية وذلك يعود الى فترة السنة السابعة أو الثامنة الهجرية ومن الممكن جدا ان يكون هنالك سويات أقدم منها لم يتم الوصول إليها.
وقال إنه لا توجد أي قطعة أثرية تم الحصول عليها من الدير العتيق فقد أزيل وسويت آثاره قبل وجود دائرة للآثار في دير الزور بثلاث أو أربع سنوات وعموماً الدير العتيق هو تل أثري صناعي 100 في المئة وتوجد فيه سويات مختلفة من كلاسيكية وعصر البرونز القديم وغيره ويمتد التل الأثري من مبنى المحافظة القديم إلى جامع السرايا طولاً وعرضاً من كنيسة الأرمن مروراً بسوق الصاغة وحتى جامع العمري ومدينة دير الزور الحالية انطلقت من هذه المنطقة.
وأوضح شوحان ان نبش الدير العتيق حاليا هو ضرب من المستحيل وذلك بسبب وجود مجموعة المسقفات التي بنيت على السويات الأثرية وعندما أزيل الدير العتيق أزيلت السوية الأحدث وهذا خلف خللاً في السويات وتخلخلاً فيها قد يتيح التعرف على التاريخ الأقدم ولكن لا يساعد على معرفة التاريخ الأحدث كذلك لا توجد إمكانية حالياً للقيام بحفريات في شوارع المنطقة المكتظة بالمارة وأيضاً لا توجد دلائل وقرائن ملموسة حول الآثار الموجودة وأماكن تواجدها بالتحديد وعلم الآثار كما هو معروف يستند إلى الدلائل والقرائن الواضحة ولا يمكن الاعتماد فقط على آراء المؤرخين.
التعليقات