في الوقت الذي ينعم فيه الغرب بالتقدم التكنولوجي، وتعيش القارة الأفريقية على أمل تأمين قوتها اليومي، تثير قضية التخلص من النفايات التكنولوجية السامة إمكانية تعرض أطفال القارة السمراء الى أمراض خطرة خصوصًا على المدى البعيد، كتعرضهم لتلف الجهاز العصبي والكلى والدم وخصوصًا الدماغ بسبب المخلفات الأوروبية، التي يتم حرقها ولا يتبقى منها سوى الأجزاء المعدنية.

القاهرة: تكشف مجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية عبر تقرير مطول لها النقاب عن حقيقة نوبات التسمم التي تصيب الأطفال الأفارقة بفضل مئات الآلاف، بل الملايين، من أجهزة الكمبيوتر القديمة التي تتخلص منها الدول الغربية كل عام، وتؤول في النهاية إلى القارة السمراء. اذ تقول المجلة أن الأطفال في عدد من البلدان الأفريقية الفقيرة، وفي مقدمتها غانا، يحاولون كسب قوت يومهم من خلال قيامهم بتجميع وبيع خردة أو مخلفات تلك الأجهزة التي تحتوي على عناصر سامة، تلحِق بهم أضرارًا بالغة مع مرور الوقت.

في مستهل تقريرها، تلفت المجلة إلى تفاصيل مأسوية يرويها سكان مدينة أكرة الغانية الذين بدؤوا يطلقون على جزء من المدنية اسم quot; سدوم وعمورةquot; في إشارة إلى قصة تلك المدن التي خسفها الله بسبب ما كان يقترفه أهلها من مفاسد، وفق ما جاء بالنصوص الدينية، وذلك للتقريب في وصف حجم الهلاك الذي يعيشه سكان تلك المنطقة أو غيرهم من العابرين بها، نتيجة تحولها إلى موقع quot;سامquot; يتم التخلص فيه من مخلفات التكنولوجيا الأوروبية عن طريق حرق الأجزاء المصنعة من البلاستيك كالكابلات والمقابس واللوحات الأم، ولا يتبقى سوى الأجزاء المعدنية، وهو الأمر الذي يتسبب في انتشار الدخان الكثيف، وتتحول مياه النهر الزرقاء إلى سوداء نتيجة حملها حقائب كمبيوترات فارغة يتجه بها التيار نحو المحيط.

ونتيجة للظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها السكان في تلك المناطق، وبخاصة الأطفال الصغار، الذين تجدهم يفتشون عن قوت يومهم في أماكن التخلص من تلك القمامة ( الأماكن التي يتم فيها حرق مجموعة من أجهزة الكمبيوتر دفعة واحدة ) ومنها : كميات صغيرة من الأسلاك النحاسية أو المحرك الموجود في القرص الصلب أو القطع المتبقية من الأجزاء المُصَنَّعة من الألومنيوم، إضافة إلى المسامير والمقابس الصلبة التي يمكن العثور عليها في القطع المغناطيسية الموجودة بالسماعات. وحينها، يتمكن هؤلاء الصبية من بيع تلك المواد المعدنية، التي تكون محتوية على عناصر ومركبات سامة، حتى يحصلوا على أموال تعينهم على شراء متطلباتهم الغذائية.

وتمضي المجلة لتشير إلى وجود مناطق أخرى عديدة حول العالم ndash; بخلاف غانا ndash; تحولت إلى مقاصد يتم فيها التخلص من الأجهزة الإلكترونية البالية أو القديمة، ومن ضمنها، نيجيريا، فيتنام، الهند، الصين، والفلبين. كما تؤكد المجلة في ذات السياق على أن هؤلاء الصبية الصغار يعيشون حياتهم وسط حالة من الرفض التام لعصر الإنترنت، وهو ما يتسبب بوفاة الكثير منهم. حيث يقومون بجرجرة الكمبيوترات، ويقدمون على كسر شاشاتها بوساطة أحجار صخرية، ثم يقذفون بالأجزاء الإلكترونية الداخلية في النار.

وتلفت المجلة هنا إلى أن تلك الكمبيوترات تحتوي على كميات كبيرة من المعادن الثقيلة، وبينما تحترق القطع البلاستيكية، يتنشق الأطفال أبخرة مسرطنة، وقد أظهر أحد الباحثين أن لتلك العناصر السامة تأثيرًا قاتلاً، حيث تبيّن أن التعرض لتركيز عالٍ من الرصاص والكادميوم والزرنيخ، فضلا ً عن الديوكسين والفيوران وثنائي الفينيل متعدد الكلور يتسبب في الإصابة بالصداع وتقلصات في المعدة بعد التعرض لها بفترة قصيرة. أما على المدى البعيد، فإنها تلحق الضرر بالجهاز العصبي والكلى والدم وخصوصًا الدماغ. اذ اتضح أنه عندما يتناول الأطفال مركب الرصاص أو يقومون باستنشاقه، فإن أدمغتهم تتقلص قليلاً ومعها تقل درجة ذكائهم.

وفي هذا الإطار، تشير المجلة إلى تقديرات خلصت إليها الأمم المتحدة وتفيد بأن ما يصل إلى 50 مليون طن من الفضلات الإلكترونية يتم التخلص منها سنويا ً في جميع أنحاء العالم. وتقول إن قيمة التخلص مثلا ً من أنبوب أشعة القطب السالب في ألمانيا تقدر بـ 3.50 يورو ، في حين تقدر قيمة التخلص منها على متن حاوية متجهة إلى غانا 1.50 يورو فقط.

ووفقًا لتقديرات أصدرتها وكالة حماية البيئة الأميركية، فإنه يتم التخلص مما يقرب من 40 مليون جهاز كمبيوتر كل عام في الولايات المتحدة فحسب. وتكشف دراسة تعكف على الانتهاء منها الآن وكالة البيئة الاتحادية الألمانية عن أن الشركات الألمانية العاملة في مجال التصدير تقوم بشحن 100 ألف طن من الأجهزة الكهربائية المنبوذة إلى الجنوب كل عام، وهو المعدل الذي جاوز مخاوف الخبراء.