من الآن فصاعدا سيحسب مسؤولو الحزب الشيوعيّ الصينيّ والمقربون منهم ممن عرف عنهم استغلال النفوذ والهرب من العقاب، ألف حساب قبل الإقدام على ارتكاب أيّ انتهاك، فتقنية quot;البحث البشريّquot; التي يعتمدها المدونون والتي أوقعت بعدد كبير منهم باتت تترصّد المتنفذين.


بكين: يبدو أنّ الرقابة الحديدية التي تفرضها الصين على شبكة الانترنت بما يجعلها تُصنّف في أسفل سلم الترتيب مع كلّ تقرير حقوقيّ يبحث في حرية التعبير والإبحار على الشبكة، لم يزد الشباب الصينيّ والمدونين إلا إصرارا على كسر الحصار الذي فرض من حولهم بطريقة تبدو مخالفة لروح العصر وتجديفا عكس التياّر التكنولوجي والعلميّ الذي يجتاح العالم.

تقنية quot;البحث البشريّquot; التي ظهرت عبر منتديات الصين بشكل عفويّ جاءت لتعقد مهمة الحزب الشيوعيّ الحاكم، إذ إنّ ما يعرف عن بعض قيادات هذا الحزب من تسلط واستغلال للنفوذ وتهرّب من العقاب قد لا يكون متاحا في مقبل الأيام بعد أن تسببت موجة الكترونية عارمة عرفت باسم quot;البحث البشريّquot; في الإيقاع برؤوس quot;كبارquot; انتهكوا حقوق مواطنين وحاولوا التهرّب من تحمّل مسؤوليات الطيش الذي يبديه أبناؤهم والمقربون منهم.

كانت البداية يوم 16 أكتوبر / تشرين الثاني الماضي، تقول صحيفة (لومند) الفرنسية في تقرير مطوّل لها من احد مراسليها عن هذا الموضوع الصينيّ المثير.

ساول لي كيمنغ، شاب يبلغ من العمر 22 سنة، يبدو في حالة سكر وعربدة ويقود سيارته بسرعة جنونية في الممرات الضيقة التي أنشئت في المركب الجامعيّ quot;بودينغquot; الذي يدرس فيه في مقاطعة هوباي في ضواحي العاصمة بكين.

السكر مع السرعة الجنونية جعلتا الشاب لي كيمنغ يصدم طالبتين من المركب الجامعي الذي يدرس فيه، وتوفيت زميلته شان كسيافونغ متأثرة بإصابتها، أما صاحب الجريمة فقد لاذ بالفرار.

الضحيّة شان كسيافونغ تتلقى الاسعاف قبل وفاتها


لم يفلت الشاب الصيني لي كيمنغ (22 سنة) من العقاب عندما صدم زميلته في الجامعة بسيارته وتحصّن بالفرار، ولم يشفع له المنصب الأمنيّ الذي يتولاه والده بعد انّ تحرى المدونون والمبحرون عن شخصيته وفق تقنية quot;البحث البشريّquot;.

عندما انتشر خبر تلك الجريمة دون تحديد هوية الفاعل، سارع الشاب إلى نشر رسالة عبر الانترنت متحديا الجميع، وقال: quot;حاولوا تعقبي إن استطعتم... أبي هو لي كانغquot;.

وبحسب الصحيفة الفرنسية دائما، تسارعت أطوار القضية واتخذت أبعادا متعددة ومتشابكة، إذ انبرى المبحرون ومستعملو الانترنت في الصين إلى منتدياتهم الاجتماعية يبحثون عن السيّد quot;لي كانغquot; وعن مرتكب جريمة قتل الطالبة في سلوك بات يعرف لاحقا باسم quot;البحث البشريّquot;.

ومع القدر الهائل من المعلومات التي تجمعت عبر الشبكة بشكل عفويّ تمكن المدونون من معرفة مغزى عبارة quot;أبي هو لي كانغquot;، فقد تم التعرّف إلى هوية الشاب الذي تبيّن أنه ابن نائب رئيس شرطة أحد أحياء بكين الراقية وأن الأب لي كانغ قياديّ في الحزب الشيوعي الصينيّ الحاكم.

وعمدت الشرطة في الـ24 من أكتوبر تشرين الثاني الماضي إلى توقيف الشاب لي كيمنغ مرتكب الجريمة، كما أخبرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية ذاتها وهو ما بدا كنتيجة للضغط الالكترونيّ الرهيب الذي أحدثته القضية التي باتت الشغل الشاغل لطائفة واسعة من المدونين والشباب الصيني الذي لم يعد لهم من همّ وعمل غير معرفة سرّ عبارة quot;أبي هو لي كانغquot;.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، فمع اعتراف الشاب بجريمته لدى الشرطة، بثّ التلفزيون الرسميّ الصيني مقاطع فيديو لوالد الشاب quot;المتنفذquot; وهو يبكي ويعلن الاعتذار للصينيين عما بدر من ابنه من جرائم ومعترفا في الوقت ذاته بـquot;فشله في تربيته التربية السليمةquot; على حدّ تصريحه في المقطع الذي بثه التلفزيون وتناقله فيما بعدُ مدونو الصين ومُبحروها عبر quot;يوتيوبquot; والشبكات الاجتماعيّة وإن كان معظمها محجوبا من قبل السلطات الرسمية.

من جهتها دعت صحيفة quot;الشعب الصينيةquot; لسان حال الحزب الشيوعي الحاكم منخرطي الحزب إلى مزيد من الانضباط ومحاولة كشف حقيقة المتنفذين، في حين تحدثت تقارير أخرى عن اتصال المسؤولين بعائلة الضحية لتقديم التعويضات اللازمة بعد أن سادت حالة من الاندهاش لحملة التضامن الكبيرة التي تلقتها القتيلة وعائلتها عبر النت.

بالطبع حالة ابن نائب رئيس الشرطة ليست الوحيدة، إذ تورط مسؤول صيني كبير يعمل في سلطة الموانئ في مقاطعة quot;شينجنquot; في انتهاك مماثل كلفه الكثير.

ففي إحدى الأمسيات قام لين جياجانغ، الذي ينتمي أيضاً للحزب الشيوعي الحاكم، بجرّ فتاة في الحادية عشرة من عمرها لاغتصابها وهو في طريقه إلى دورة المياه في أحد مطاعم المدينة.

وبعد أن استدعى والد الفتاة الشرطة، أطلق الضباط سراح المسؤول رفيع المستوى بحجة أنه كان مخموراً للغاية ولم يستطع تذكر ما حدث. لكن ما لم يعلمه جياجانغ هو أن إحدى كاميرات المراقبة بالمطعم قامت بتسجيل ما حصل ومن ثمة تمّ تسريبه إلى المنتديات الاجتماعية بطريقة ما.

بعد فترة وجيزة انتشر مقطع الفيديو، الذي يصور ما قام به جياجانغ من اعتداء على فتاة قاصر، على الشبكة، الأمر الذي أثار سخط مستعملي الانترنت، ودفعهم إلى إجراء تحريات حول الشخص المسؤول.

وفي وقت قياسي قام أعضاء المنتدى الذي تكفل بتتبع الجاني باكتشاف اسم جياجانغ، وعنوانه، ورقم هاتفه، والمكان الذي يعمل فيه.

وفي نهاية الأمر اضطرت سلطة الموانئ في quot;شينجنquot; إلى توقيف جياجانغ عن عمله، فيما فتحت الشرطة ملف الحادث مجدداً.

بهذا المعنى، بات quot;البحث البشريquot; في الصين يرمز إلى أعضاء منتديات الإنترنت المتعددة، الذين يقومون بالتحقيق بأنفسهم، بدلاً من الاعتماد على برامج إلكترونية تجوب شبكة الإنترنت.

كما يتم تبادل أي معلومات يعثر عليها مستخدمو الإنترنت مع بقية أعضاء المنتدى، الأمر الذي يؤدي إلى تجميع كم هائل من البيانات التي يعالجها المدونون بأنفسهم ليحصلوا في النهاية على استخلاصات يكفي عرضها على الشبكة لتتكفل الشرطة ببقية المهمة التي عادة ما يكون ضحيتها متنفذون وإطارات من الحزب الشيوعي ممن يستغلون نفوذهم وسطوتهم للهروب من العدالة والتنكر لجرائهم والإفلات من العقاب.

وكأي ظاهرة جديدة كان لزاما أن تحمل تقنية quot;البحث البشريّquot; بعض المساوئ، إذ إن الأجهزة الأمنية والمتعاونين معها استغلوها في السابق للإيقاع بمعارضي النظام الصيني.

فخلال إحدى تظاهرات التبت الرافضة للوصاية الصينية نشر بعض مستخدمي الإنترنت ممن يوالون النظام الشيوعيّ صورة لطالبة شاركت في إحدى التظاهرات المناهضة للنظام في الولايات المتحدة.

وبعد بحث متواصل وفق التقنية الجديدة، عثر أعضاء شبكة بحث بشري على اسم هذه الطالبة، وعنوان منزل عائلتها في الصين، وقاموا بنشره، ما ترتب عليه تلقي عائلتها تهديدات بالقتل، وتجمع عدد كبير من مؤيدي النظام الصيني أمام منزلها مما عرض حياة العائلة بأكملها لخطر الانتقام.

وفي مدينة لوباي شمال البلاد، ظهرت فتاة صينية في مقطع للفيديو نُشر على الشبكة وهي تقتل قططا صغيرة بكل برودة أعصاب.

وبدلاً من ملاحقتها قانونياً كما ذكرت تقارير إعلامية، قام أعضاء شبكة البحث البشري بإطلاق حملة مسعورة للبحث عن تلك الفتاة، ما أدى في النهاية إلى طردها من عملها كممرضة، وانتقالها للحياة في مدينة أخرى بسبب الضغط الذي تعرضت له.