نجلاء عبد ربه من غزة : يفيق قطاع غزة بشكل شبه يومي على نوع جديد من الأزمات التي تتعدى خطوط السياسة لتدخل في تفاصيل الحياة الاجتماعية للقطاع المحاصر. ويعيش سكان غزة على واقع أزمة اجتماعية جديدة تتمثل بدخول الطلاق حيّز الخط الأحمر مصاحبًا للتدهور الملموس في المجتمع الفلسطيني بكافة مستوياته، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وأمنيًا، الأمر الذي يعكس واقعًا مترديًا على الأسرة ويفاقم المشاكل الداخلية التي تؤدي إلى تفكك الأسرة وإنهيارها.
الغريب في الأمر، بحسب الشيخ محمود ماهر، أحد موظفي المحاكم الشرعية بغزة، أن نسبة كبيرة من المطلقات هن من الطالبات الجامعيات. وأوضح أن معظم حالات الطلاق ناتجة عن رفض الزوج دفع تكاليف الجامعة، وعدم مقدرته الالتزام بتكاليف الحياة الزوجية، فضلاً عن الفقر الناتج بسبب الحصار الإسرائيلي وفقدان الزوج العمل، وهو ما أثر على أسلوب وسلوك الرجال الذين سيطرت عليهم حالة عصبية شديدة فضلوا على أثرها الانفصال عن زوجاتهم.
وتقول منى (25 عامًا) أنه لم يمضِ على زواجها شهران فقط، حتى عادت إلى بيت أبيها في إنتظار ما ستؤول إليه الأمور. وأضافت لإيلاف quot;كأنني تزوجت والدته، فهي الحاكم الناهي في البيت، تريدني أن أكون خادمة تحت أقدامها وأقدام بناتها طوال اليوم، إضافة إلى أنها طلبت من إبنها عدم دفع رسوم العام الدراسي الثاني للماجستير الذي أعده، الأمر الذي دفعني لترك البيت والعودة لبيت والديquot;.
وأشار الأخصائي النفسي أحمد عبد الله، إلى أن تدهور الوضع الاقتصادي هو العامل الأبرز لانتشار حالات الطلاق، إضافةً إلى تأثير العادات الاجتماعية السائدة التي تحول دون استمرار الزواج، وتتمثل في الزواج المبكر للفتاة والفتى، وعدم قدرتهم على التكيف في وضع جديد، وتأثير التدخل العائلي في حياة الأزواج، ناهيك عن تأثير العامل الاقتصادي الذي يجبر الأزواج على عدم الاستقلال والسكن في رعاية العائلة الممتدة.
وأضاف عبد الله لإيلاف، أن الطلاق خيار سلبي، لأنه يترك آثارًا مدمرة على المرأة المطلقة لعدم توافر الحماية القانونية والاجتماعية لها، quot;فاختلاف المستوى التعليمي أو الاجتماعي بين الزوجين، يؤدي إلى عدم قدرة الزوجين على التكيف في العلاقة الزوجية. وأيضًا تأثير العادات الاجتماعية السائدة كانت سببًا في وقوع الطلاق، خاصة وأن المجتمع الغزاوي يعتمد على الطريقة التقليدية في تزويج الأبناء فلا يكون الشاب حرًا باختيار من ستشاركه بقية العمر. ناهيك عن الضعف الجنسي لإحدى الزوجين وعدم قدرة أحدهما على الإنجاب وما يصاحبه من تدخلات خارجية من الأسرة، تؤدي إلى نشوب الطلاقquot;. وأشار إلى نسبة قليلة من حالات الطلاق كانت بسبب الانحراف الأخلاقي للأزواج أو قضية الإدمان بأشكاله.
وكان قاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي قدأكد أن المحاكم الفلسطينية تشهد أكثر من ثلاثة آلاف حالة طلاق سنويًا، أي ما يقارب 14.6% من عدد حالات الزواج. وأرجع الميمي هذا الرقم من حالات الطلاق إلى البطالة والفقر والحصار والإحباط النفسي.
وإعتبر الشيخ التميمي أن بطش الاحتلال الإسرائيلي وممارساته quot;أثرت سلبيًا بشكل غير مباشر على الكثير من حالات الطلاق التي تصل المحاكم الشرعية. فما يعانيه الرجل على سبيل المثال على الحواجز الإسرائيلية، وما يتعرض له من قمع وتنكيل، ينعكس على تعامله مع زوجته وأبنائه، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الخلافات الأسرية، ومن هنا جاء ارتفاع نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة، مما دفعنا لإنشاء دائرة خاصة لمعالجة هذه القضية مهمتها الإرشاد والإصلاح الأسري نجحت في تخفيض هذه النسبة بشكل ملحوظquot;.
ووصفت سعاد، 21 عامًا، ربة بيت مطلقة، معاناتها في أعقاب طلاقها من زوجها. وقالت quot; ما زلت أعاني كثيرًا على الرغم من مضي أربع سنوات على طلاقي، فلا زلت أرى أصابع الاتهام موجهة إلي من هذا المجتمع الذي لا يرحمquot;.
وأضافت لإيلاف quot;زوجني والدي وأنا بالسادسة عشر من عمري، وليس لي دراية بالزواج وتبعاته، لم أكن لا أنا ولا زوجي على درجة عالية من الوعي والإدراك الثقافي ما جعل حياتنا تنتهي قبل أن تبدأ، فتم طلاقي بعد مرور أشهر قليلة من زواجيquot;.
وحمّلت سعاد والدها، مسؤولية زواجها المبكر والذي أدى إلى طلاقها. لكنها عادت لتستدرك quot; يبدو أن ظروف والدي الاقتصادية الصعبة، دفعت والدي للتخلص من مصاريف واحدة من بناته الثمانية التي أثقلت كاهلهquot;.
ويعيش في قطاع غزة حوالى مليون ونصف مليون نسمة غالبيتهم من اللاجئين، وتقول وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين quot;الاونرواquot; أن ما نسبته 80% من السكان يتلقون مساعدات وخدمات اجتماعية جراء فقدان أكثر من 150 ألف مواطن عمله داخل المدن الإسرائيلية.
ورأى الباحث الإجتماعي محمد عبد القادر أن الإعلام المرئي من أفلام ومسلسلات درامية، نقلت في كثير من الأحوال quot;صوراً خيالية غير واقعية للحياة الزوجية، فالزوج شاب وسيم أنيق مترف مغداق للهدايا بمناسبة وبلا مناسبة، والزوجة جميلة حسناء جذابة متفرغة للعواطف والحفلات والنوادى هي وزوجها، لكن الأمر على أرض الواقع يختلف تماماً، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب مشاكل مع بداية الحياة الزوجيةquot;.
وأضاف لإيلاف quot;الإعلام يصور الفتاة كأنها فقط للشهوة واللذة، ولا تعرف حملاً ولا وضعاً ولا رضاعاً ولا تربية أبناء ولا ترتيب شؤون المنزل. وبالتالي فالفتاة ترسم صورة حالمة واهمة للحياة الزوجية في مخيلتها، من خلال هذه المشاهد الخيالية أو الهلامية. لكن سرعان ما يصطدم خيالها بالواقع الطبيعي لدورهاquot;.
من جانبه، أكد الدكتور حسن الجوجو، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ورئيس المحكمة العليا الشرعية، أن البيت المشترك وتدخل الأهل في الحياة الخاصة للزوجين، وكذلك التدليس قبل الزواج وعدم الصدق والصراحة منذ البداية، من مسببات الطلاق.
وأكد الجوجو أن المحكمة الشرعية تؤجل النظر في معاملات الطلاق شهراً كاملاً على الأقل، أملاً في الإصلاح بين الزوجين، إلا في حالات خاصة جدًا وللضرورة وبموافقة قاضي القضاة.
وتطرق الجوجو إلى سبل الحد من ظاهرة الطلاق، من خلال دور دائرة الإرشاد والإصلاح الأسري في المحاكم الشرعية للحد من الطلاق، وذلك بحل النزاعات والمشاكل العائلية المجتمعية التي تعرض في المحاكم الشرعية من دعاوى بين الزوجين وطلبات الطلاق وغيرها، قبل تسجيلها رسميًا لدى المحكمة بالطرق السليمة، والتي تعتمد على مفاهيم ووسائل شرعية ووسائل شرعية ونفسية وتربوية بما ينسجم وتعاليم الدين الإسلامي. وأضاف إلى أن محو الأمية القانونية عند الزوجين له الأثر الكبير في تجنب الخلافات الزوجية واستفحالها حتى تصل إلى الطلاق.
التعليقات