تعيش الدراما التَّاريخيَّة العربيَّة والمسلسلات المزمع عرضها خلال شهر رمضان المقبل حالة من الخوف والتَّرقب من خطر إيقافها، بسبب المشاكل الَّتي تتعرَّض لها من دعاوى قضائيَّة وهجوم سياسي عليها لنقلها فترات سياسيَّة معيَّنة، وسردها لحياة زعماء هذه الحقبات المفصليَّة في تاريخ العرب.

القاهرة: مع حلول شهر رمضان المقبل، سيكون المشاهد العربي على موعد مع مجموعة من المسلسلات التَّاريخيَّة المثيرة للجدل، يأتي في مقدمتها quot;الجماعةquot;،وquot;سقوط الخلافةquot;، وquot;شيخ العرب همامquot;، وquot;رجل لهذا الزمانquot;، وquot;عابد كرمانquot;، وquot;نازلي ملكة في المنفىquot;، بحيث تعرَّضت هذه الأعمال إلى الكثير من الإنتقادات والهجوم حتَّى قبل الإنتهاء من تصويرها، وأقيمت العديد من الدعاوى القضائيَّة لوقف التَّصوير، وعدم عرضها على شاشات التليفزيونات، بدعوى تشويهها لصور الرموز التَّاريخيَّة.

quot;إيلافquot; استعرضت هذه الأعمال والمشاكل الَّتي تعترضها، وواجهت كتَّابها وصناعها بالانتقادات المقدمة ضدها.

الجماعة
يعتبر مسلسل quot;الجماعةquot; أكثر الأعمال الدراميَّة التَّاريخيَّة اثارة للجدل، نظرًا لأنَّه يروى حياة، الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في الفترة من 1928 وهو تاريخ تأسيسه للجماعة وحتَّى تعرضه للاغتيال في 1948، من وجهة نظر الكاتب، وحيد حامد، المحسوب على التيار اليساري في مصر.

حيث تعرَّض لهجوم شديد ومكثَّف من أعضاء وقيادات الجماعة، منذ أن أعلن نيته كتابة العمل فى أوائل العام 2008، واشتد الهجوم مع بداية التَّصوير قبل نحو الشهرين، وبلغ الهجوم أشده نهاية الأسبوع الماضي، عندما أعلن نجل حسن البنا المحامي، سيف الإسلام حسن البنا، مقاضاة الكاتب ومنتج المسلسل، لوقف التَّصوير، والزامهما باطلاع الأسرة على السيناريو، وقال البنا إنَّ ما يدفعه إلى إقامة الدعوى القضائيَّة هو إصرار الكاتب والشركة المنتجة على عدم عرض السيناريو عليهم، أو الكشف عن المصادر الَّتي اعتمد عليها الكاتب.

مشيرًا إلى أنَّ الإعلانات الَّتي شاهدها على شاشات الفضائيَّات أخيرًا تشير إلى أنَّ العمل يتعمد تشويه صورة الإمام حسن البنا والجماعة، وأضاف أنَّ الكاتب لم يلجأ إلى أسرة مؤسس الإخوان قبل أن يشرع في الكتابة ليحصل منها على المواد والوثائق الَّتي تخص حياته، وذلك كما يحدث في جميع الأعمال الَّتي تحكي سير الأشخاص التَّاريخيين، متسائلاً: لماذا لم يحدث ذلك، إلاَّ إذا كانت هناك ما يريدون مفاجأتنا بهquot;، وتابع: quot;إنَّه تجاوز خطير في حق الأسرة، ولن نسكت عليه، وسنذهب إلى القضاء.

ولم يتوقف الأمر عند حد التراشق بين المؤلف وقيادات الجماعة عبر الإعلام، بل وصل إلى مجلس الشعب حيث تقدم النائب محسن راضي الذي ينتمي إلى الكتلة البرلمانيَّة للإخوان بطلب إحاطة إلى وزير الإعلام أنس الفقي، متهمًا إياه باهدار المال العام على شراء مسلسل يشوه صورة الجماعة، ويزور تاريخ مصر المعاصرـ على حد قوله ـ لعرضه على شاشة التليفزيون.

وجاء في متن الطلب الذي نوقش في لجنة الثقافة الإعلام بالمجلس، أنَّ المسلسل سلاح جديد تستخدمه الدولة للتشويش على الإخوان المسلمين والتأثير على برامجهم الانتخابيَّة في الدورة المقبلة من انتخابات مجلس الشعب، وأشار راضي إلى أنَّ دفع أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون 22 مليون جنيه، لشراء حق عرض المسلسل بالتليفزيون الرسمي للدولة، تؤكِّد بما لايدع مجالاً للشك أنَّ الحكومة تقف خلفه، وتدعمه من وراء الستار.

ووصلت المعركة إلى العالم الإفتراضي، إلى شبكة الإنترنت، حيث المساحات الأكبر من الحرية، وأسس أعضاء بالجماعة quot;منتدياتquot; تدعو إلى مقاطعة المسلسل منها، quot;مصريون ضد تزوير التَّاريخ من قبل مؤلف الأفلام الساقطةquot;، وquot;ضد مسلسل الجماعةquot;، ورفعت المجموعة الأخيرة شعارquot; اعرفنا واسمع مننا مش عنناquot;.

ولم يقتصر الجدل على مصر فقط، بل امتد إلى الخارج، حيث أفردت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركيَّة تقريرًا موسعًا عن المسلسل في عددها الصادر بتاريخ 14 مايو الماضي، قالت فيه إن المسلسل يثير غضب جماعة الإخوان، لأنَّه جاء متزامنًا مع قرب موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب 2010، معتبرةً إياه مخططًا سياسيًّا يستهدف تشويه صورتها، لصرف المواطنين عن أعضائها المرشحين لعضوية المجلس. ووصفت صحيفة quot;لاريوخاquot; الإسبانيَّة موقف الإخوان من المسلسل بأنَّه quot;محاولة لأسلمة الفن، كما فعلت في السياسةquot;.

ومن جانبه قال الكاتب وحيد حامد إنه لن يلتفت إلى اعتراضات الإخوان، مشيرًا إلى أنَّه اعتمد في كتابة العمل على مصادر وصفها بـquot;الموثوقةquot;، ونفى ما يقال حول أنَّ الهدف من المسلسل تشوية صورة الجماعة قبل الانتخابات البرلمانيَّة المقبلة، وأوضح أنَّه كاتب حر، وليس موظفًا في الحكومة حتَّى يأتمر بأوامرها.

وعن رد فعله على نيَّة نجل، حسن البنا، اقامة دعوى قضائيَّة يختصمه فيها، قال: لنحتكم إلى القضاء جميعاً.

يذكر أنَّ quot;الجماعةquot; بطولة الأردني إياد نصار، عزت العلايلي، عبد العزيز مخيون، يسرا اللوزي، سوسن بدر، حسن الرداد، صلاح عبد الله، يوسف شعبان، ومن إخراج محمد ياسين، ومن انتاج شركة الباتروس.

سقوط الخلافة
حتَّى وقت قريب، لم يثير مسلسل quot;سقوط الخلافةquot; أية مشاكل، بل كانت الأمور تسير في هدوء، إلى أنّْ اعتدت إسرائيل على quot;أسطول الحريَّةquot; لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وقتلت ناشطين سياسيين أتراك، وهاجم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان تل أبيب بشدة، وبلغ الأمر إلى حد التهديد بتسيير قافلة إلى غزة يكون هو على رأسها وفي حماية الجيش التركي، الأمر الذي اعتبرته تل أبيب بمثابة إعلان حرب عليها.

وفي تلك الأثناء تعالت أصوات اعلاميَّة مهاجمةً المسلسل، ومتهمةً إياه بالترويج لما يسميه البعض بـ quot;المد التركي الجديد في المنطقة العربيَّةquot;، من خلال الدعوة إلى احياء الخلافة العثمانيَّة، وأنَّ المسلسل يمجِّد السلطان عبد الحميد الذي تسبب في ضياع فلسطين من أيدي العرب.

ويرد مؤلف المسلسل، يسري الجندي، بالقول إنه كتب المسلسل منذ أربع سنوات أي قبل ظهور ما يسمى بالمد التركي كما يزعم البعض، وأضاف أنَّ quot;سقوط الخلافةquot;، يأتي ضمن مشروع خاص به يؤرخ دراميًّا الفترات الَّتي وصفها بـquot;الضبابيَّةquot; في تاريخ الأمَّة العربيَّة، مشيرًا إلى أنَّه بدأ هذا المشروع بمسلسل quot;جمهوريَّة زفتيquot;، quot;عبد الله النديمquot;، quot;جحا المصريquot;، وquot;السيرة الهلاليَّةquot;، في محاولة منه لربط الماضي بالحاضر، واستلهام الدروس منه، لتفادي مواضع الضعف، الَّتي أدَّت إلى نكباتنا في الماضي، وتأخرنا في الوقت الراهن.

وأكَّد الجندى أنَّ هناك تشابه واضح بين ظروف سقوط الخلافة العثمانيَّة في أوائل القرن العشرين، والظروف الَّتي تمر بها المنطقة العربيَّة حاليًّا، ونوَّه بأنَّ المخرج، محمد عزيزية، انتهى من حوالي 80% من مشاهد المسلسل، نافيًا ما أثير بشأن رفض اتحاد الإذاعة والتليفزيون عرضه على شاشة التليفزيون الرسمي، لأسباب سياسيَّة، وقال إنَّ رئيس الإتحاد متحمس له بصفة شخصيَّة.

يذكر أنَّ quot;سقوط الخلافةquot; يتناول فترة حكم السلطان عبد الحميد للدولة العثمانيَّة الَّتي شهدت العديد من الانشقاقات والمؤامرات الَّتي حاكتها الدول الإستعماريَّة الغربيَّة ضده لإضعاف الدولة وتمزيقها، وانتهت بانهيار الخلافة الإسلاميَّة تمامًا.

ويجسِّد دور البطولة الفنان السوري عباس النوري، ويضم مجموعة من الفنانين من مختلف الجنسيَّات العربية منهم: جهاد سعد، وأسعد فضَّة من سوريا، وعبد الرحمن أبو زهرة، وسميحة أيوب، وعايدة عبد العزيز، وعمر الحريري، وعبد العزيز مخيون من مصر، نادية عودة من الأردن، ميساء مغربي من المغرب، أحمد الجسمي من الإمارات، وناصر عبد الرضا من قطر.

شيخ العرب همام
ولم ينج مسلسل quot;شيخ العرب همامquot; من المشاكل الَّتي تعرضت لها المسلسلات التَّاريخيَّة، حيث أقام أحد أحفاد الأمير همام بن يوسف، ويدعى، عبدالكريم محمد عمر الهمامي، دعوى قضائيَّة أمام محكمة عابدين للأمور المستعجلة، تحمل الرقم 1908 لسنة 2010 لوقف تصويره وعرضه، متَّهمًا إياه بالإساءة إلى جدِّه وتصويره على أنَّه كان زير نساء.

حيث يحكي العمل سيرة واحد من الأبطال الشعبيين وهو، همام بن يوسف أحمد محمد همام، مؤسس قبيلة الهوارة في صعيد مصر، والذي عاش في الفترة من 1709 إلى 1769، وذلك خلال الحكم المملوكي لمصر، وكان يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي، وله سطوة ونفوذ في بلده، وكان يطعم المساكين، ويعطف على المحتاجين، ويدافع عن المظلومين، وتجري شركة الجابري غروب المنتجة للمسلسل اتصالات مكثَّفة مع مقيم الدعوى بغرض تنازله عنها.

ولم تقف مشاكل quot;شيخ العرب همامquot; عند هذا الحد، بل دعت العديد من الغروبات على موقع الفايس بوك الإجتماعي إلى مقاطعته، بسبب خلع بطلته الفنانة صابرين الحجاب في المشاهد الَّتي تجمعها بالبطل يحيى الفخراني في المنزل، واستعاضت عنه بشعر مستعار quot;باروكةquot;، معتبرين إياها نموذجًا سيئًا للمرأة المحجَّبة الَّتي تخلَّت عن حجابها وتدينها من أجل الشهرة والمال.

ويشارك في المسلسل إلى جانب الفخراني وصابرين، كل من: عبدالعزيز مخيون، وريهام عبد الغفور، وسماح السعيد، وشيرين عادل، ومن تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج حسني صالح.

عابد كرمان
ومن الأعمال التَّاريخيَّة المثيرة للجدل أيضًا، مسلسل quot;عابد كرمانquot; الذي كان اسمه حتَّى وقت قريب quot;كنت صديقًا لديانquot;، المأخوذة عن رواية للكاتب، ماهر عبدالحميد، تحمل العنوان الأخير، وتدور أحداثه حول شخصيَّة الشاب الإسرائيلي، عابد كرمان، الذي تمكَّنت المخابرات المصريَّة من تجنيده، واستطاع التقرب من، جيورا زايد، نائب مدير جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي quot;الشاباكquot; في حيفا، وأغدق عليه الهدايا الغالية من الملابس والخمور الفاخرة، مكَّنته من تكوين شبكة تجسس عربيَّة، وصلت إلى أعماق المجتمع الإسرائيلي، وتمكَّنت من الحصول على خرائط خط بارليف، الذي تم تدميره في حرب السادس من أكتوبر في العام 1973. ويواجه المسلسل العديد من المشاكل الَّتي تهدد بوقف تصويره، وعدم عرضه في رمضان المقبل، بسبب تسليطه الضوء على الصراع بين المخابرات المصريَّة والإسرائيليَّة.

غير أنَّ مؤلفه، بشير الديك، نفى ذلك وقال إنَّ كل ما أشيع بشأن توقف التصوير لأسباب سياسيَّة لا أساس لها من الصحة، مشيرًا إلى أنَّ العلاقات المصريَّة الإسرائيليَّة، الَّتي نشأت بعد توقيع إتفاقية السلام بين البلدين، لا تحرِّم التطرق إلى البطولات الَّتي قام بها المصريون، خلال حروبهم مع إسرائيل.

ويجسِّد دور البطولة في المسلسل السوري تيم الحسن، والمصريَّة ريم البارودي، إضافة إلى كل من: حسام شعبان، وعبد الرحمن أبو زهرة، وفادية عبد الغني، وابراهيم يسري، ومحمد وفيق، وميرنا المهندس، ومحمد عبد الحافظ، وإلفت إمام، ونبيل نور الدين، وأحمد حلاوة، ومن انتاج شركة كينغ توت.

رجل لهذا الزمان
ويروى مسلسل quot;رجل لهذا الزمانquot;، سيرة عالم الفيزياء النوويَّة المصري الدكتور، مصطفى مشرفة، الذي اغتالته اسرائيل، ويتطرَّق إلى الأجواء السياسيَّة الَّتي تزامنت مع الفترة الَّتي عاش فيه، منذ ولادته في يوليو 1898 إلى 15 يناير 1950، ويأتي المسلسل متزامنًا مع دعوات الحكومة لإحياء المشروع النووي المصري من أجل الأغراض السلميَّة، خصوصًا أنَّه أحد العلماء الذين قاوموا استخدام التكنولوجيا النوويَّة في الحروب، غير أنَّ المسلسل تعرض لهجوم شديد، لأنَّه يبرىء إسرائيل من تهمة اغتياله.

وأوضح المؤلف، محمد السيِّد عيد، أنَّ الدكتور مشرفة مات في العام 1950 أي بعد قيام إسرائيل بعامين، وكانت وقتها مشغولة بتأمين وجودها على الأرض، وليس تتبع العلماء العرب واغتيالهم.

ويلعب دور البطولة في quot;رجل لهذا الزمانquot; أحمد شاكر، وهنا شيحة، فضلاً عن منال سلامة، وابراهيم يسري، ومنة فضالي، وياسر فرج، ومن اخراج إنعام محمد علي، وانتاج مدينة الإنتاج الإعلامي.

نازلي ملكة في المنفى
ويعتبر quot;نازلي ملكة فى المنفىquot;، من أقل المسلسلات التَّاريخيَّة إثارة للجدل حتَّى الآن، حيث يروي حياة الملكة نازلي الملكة الأولى في مصر، من خلال كتاب لمؤلفة المسلسل الإعلاميَّة، راوية راشد، منذ زواجها من الملك فؤاد إلى وفاتها وهي فقيرة في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة.

ويتعرَّض المسلسل إلى الصراعات داخل البلاط الملكي، ويسرد الفترة الَّتي سبقت ثورة يوليو 1953 من تاريخ مصر، لكن هناك انتقادات وجهها بعض النُّقاد للعمل، أهمها أنَّ شخصيَّة الملكة نازلي لا تستحق إنتاج مسلسل عنها، لأنَّها لم تكن مؤثرة في تاريخ مصر.

وتقوم نادية الجندي بدورالبطولة في المسلسل، ويشارك فيه محمود قابيل، وليلى طاهر، وكمال أبورية، وشريف سلامة، وفايزة كمال، وحسناء سيف الدين، ومن اخراج محمد زهير رجب، ووائل فهمي عبد الحميد، وانتاج اسماعيل كتكت.