اتهم الكاتب، يسري الجندي، الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، بأنَّه كان يكره المثقفين والفنانين الجادين، وأنَّ نظامههمَّش الفن والثقافة، وأعلى من شأن الأعمال السَّطحيَّة والتافهة.
القاهرة: اتهم الكاتب الكبير يسري الجندي النظام المصري السابق وعلى رأسه الرئيس مبارك بأنه كان يكره المثقفين والفنانين الجادين، وقال في الحقلة الثانية من حواره مع quot;إيلافquot; إن ذلك النظام عمل على تهميش الفن والثقافة الراقيين، والإعلاء من شأن الأعمال السطحية والتافهة، وهذا ما يسفر صعود تيار من وصفهم بـquot;المضحكين في السينماquot;، وإنفصام الدراما التليفزيونية عن المجتمع.
ودعا الجندي المثقفين والفنانين إلى القيام بدورهم في المرحلة القديمة من حيث تغيير طريقة تفكير الجماهير، من خلال تقديم أعمال جادة، والإبتعاد عن الهزل.
وبرر لإختفاء الأغاني الوطنية الحديثة في مقابل إحتفاء الثوار في ميدان التحرير بالأغاني القديمة، بأن الأولى لم تكن صادقة، والأخرى كانت نابعة من القلب، فلامست قلوب الثوار.
وتوقع الجندي تقلص الأعمال الدرامية التي ستعرض في موسم رمضان 2011، من 63 عملاً إلى نحو 15 مسلسلاً فقط.
يعاب على المبدعين وكتاب الدراما والسينما خلال السنوات الماضية أنهم انخرطوا في أعمال سطحية لا ترصد المجتمع بشكل جدي، فيما اتهمت أعمالاً أخرى كانت تسلط الأضواء على العشوائيات بأنها تشوه صورة مصر، ما السبب في تلك الظواهر؟ لماذا لم تتنبأ الدراما بما يختمر في المجتمع؟
كان النظام السابق يعمل دائماً على تهميش المثقفين الحقيقيين، بل كان يعتبرهم أعداءه، كان الرئيس السابق يكره المثقفين جداً، ولذلك لم يحضر إحتفالات تسليم جوائز الدولة التقديرية والتشجعية سوى مرة واحدة طوال حكمه الممتد لنحو ثلاثين عاماً، وأعتقد أنه كان يكره الشعب المصري أيضاً، والدليل أنه تعامل بسادية شديدة مع الثورة، وكان مصراً على البقاء في الحكم رغماً عنها، لكنها هزمته شر هزيمة.
وعندما كان يحضر إفتتاح معرض الكتاب، كان يسخر من أراء الكتاب ويسفه منها، وكانت تجرى دائماً محاولات تهميشهم، وجعل بعضهم عملاء للأمن، وأنا أسف جداً لقولي هذا الكلام لكنه كان حقيقة واضحة، فالأمن كان يخترق جميع الكيانات والمجالات بما فيها المجال الثقافي والإعلامي، وكان ذلك ينطبق على مجالات السينما والمسرح والتليفزيون.
وبالتوازي مع خطة التهميش للمثقفين والكتاب الحقيقيين، كانت هناك خطة لإعلاء شأن كل ماهو تافه وسطحي، واستبعاد الأعمال التي كانت تمثل خطراً على النظام من وجهة نظرهم، وخطرها يكمن في أنها كانت أعمالاً جادة، مجرد أنها جادة، مثل مسلسل quot;ناصرquot;، الذي كتبته أنا، كانت الأعمال المقدمة على خشبة المسرح سطحية، وساد في السينما تيار المضحكين، على الرغم من أن بعضهم موهوبون، وانتشرت الأغاني الهابطة والركيكة.
وبالتالي كانت الأعمال الجيدة نادرة، وكانت تتعرض للهجوم الشديد، على أعتبار أنها تنشر غسيلنا المتسخ، وتشوه صورة مصر.
كان النظام يخشى من الكتاب الجادين، وكان لا يريد أن يقلقه أحد، كان لا يريد أن يقرأ أو يشاهد أو يسمع كلمة ذات قيمة. وكان يعتقد أن الشعب تحول إلى جسد منهك من كثرة الجراح، وأنه غير قادر على الحركة أبداً، لذلك لم يتوقع تلك الإنتفاضة، وحدث له نوع من الإنفصام عن الواقع، لقد كان في حالة مرضية، وظل متشبثاً بالكرسي حتى آخر لحظة، لأنه غير مصدق لما حدث.
وهذا من حسن حظنا، لأنه وجميع أركان نظامه لم يصدقوا الأمر، ولذلك لم يهربوا للخارج، فقد كانوا يظنون أنهم يمكنهم السيطرة على الثورة، وبالتالي تجري عملية محاكمتهم حالياً، لقد كانوا عصابة، وأنا أسف لإستخدام هذا الوصف، لكنهم كانوا كذلك بالفعل.
هناك مقولة تشير إلى أن الثورة يؤسس لها الكتاب والفلاسفة وينفذها الشجعان ويحصد ثمارها الإنتهازيون، ألا تخشى من تحقق تلك المقولة في الثورات المصرية والعربية؟
نعم أخشى على الثورة المصرية وغيرها من الثورات العربية من الإنتهازيين والمتلونين، لذلك أنا ألح بضرورة الإسراع في تطهير البلاد من أركان وأبواق النظام السابق، هؤلاء المتلونون والمتحولون والذيول، الذين يحاولون القفز فوق الثورة، ويسعون إلى حصد ثمارها، وأحذر من نشأة طبقات أو مجموعات جديدة، لا هم لها سوى القفز فوق الثورة.
وأدعو الشباب الذين شاركوا في الثورة إلى الإنخراط في الحركة السياسية، لأنهم لديهم أرضية وجماهيرية واسعة، ولديهم نقاء ثوري، لكنهم يفتقدون إلى الخبرة السياسية، وسيكتسبونها من ممارسة العمل السياسي.
ويكون ذلك من خلال انشاء كيانات سياسية خاصة بهم، مع ضرورة عدم الإعتراض على إنشاء أحزاب جديدة باسم الثورة، لأنها ستفرز وتنقي نفسها، وستلفظ من يحاولون الإستفادة منها من دون تقديم عمل حقيقي يفيد الشعب، إنها مرحلة دقيقة تحتاج إلى الحيطة والحذر.
ما الدور الذي يجب على الفن والثقافة القيام به في المرحلة المقبلة؟
أنا أشفق على الدولة وأصحاب الفن والثقافة الحقيقيين، لأن النظام السابق رحل وخلف وراءه تركة ثقيلة جداً من العادات والأساليب الخاطئة التي زرعها في نفوس الناس، تركة من المهموم والمخاوف.
ويجب على الفن والثقافة أن يقوما بدورهما في تغيير العقلية المصرية، يجب تقديم أعمال جادة وهادفة، والإبتعاد تماماً عن نوعية الأعمال التي كانت تقدم في السابق في السينما والمسرح والتلفيزيون، لم يعد لصناع الفن والثقافة أية حجة في تقديم ما هو جيد، يجب أن نساهم جميعا في أعادة بناء مصر بشكل حضاري يليق باسمها، وبالثورة الرائعة التي أشاد بها العالم أجمع، تلك الثورة التي قال رئيس الوزراء البريطاني إنه سيسعى لتدريسها في مدارس بريطانيا.
هل شاركت في أحداث الثورة، بمعنى هل زرت ميدان التحرير؟
للأسف لم أذهب إلى ميدان التحرير خلال الثورة، لسببين مهمين، الأول صحتي معتلة، ولا أستطيع الحركة كثيراً، والآخر حتى لايقال إني متطفل عليها، لاسيما أني سمعت أصوات ورأيت وجوهاً لم أصدقها، وشعرت أنها كانت تحاول القفز فوق الحدث والإستفادة منه، لكني كنت أتابع الأحداث باستمرار، وأرصدها من جميع جوانبها، وعلى الرغم من ذلك لا يمكنني الكتابة عنها في الوقت الراهن، بل فقط يمكن تقديم فيلم تسجيلي، كما يفعل المخرج مجدي أحمد علي، حيث سمعت أنه يقوم بذلك.
لو زرت ميدان التحرير للاحظت أن الأغاني التي كانت ينشدها الثوار هي أغان قديمة، مثل quot;صورةquot; لعبد الحليم حافظ، quot;الشعبquot; وquot;مصر تتحدث عن نفسهاquot; لأم كلثوم، quot;مصر هي أميquot; لعفاف راضي، quot;يا حبيبتي يا مصرquot; لشادية، في أعتقادك ما السبب في تلك الظاهرة، على الرغم من أن الثوار شباباً ومن المفترض بهم التعلق بالأغاني الشبابية؟
هذا أمر طبيعي، لأن تلك الأغاني صادقة في الإحساس، كتبت وسجلت في فترات مشابهة، كان الشعب يناضل فيها ضد الإستعمار، وكان الشعب في ميدان التحرير يناضل من أجل التحرر من الظلم والإستبداد، ولم يكن هناك مجال لترديد الأغاني quot;الأونطةquot; التي أنتجت في عهد ذلك النظام.
لم يعد هناك أي مجال لحضور أغاني quot;الكتبةquot; والملحنين والمغنين الذين كان النظام يستأجرهم لوضع أغاني تمتدح ما يعتقد أنها إنجازات، ويمتدح رأس النظام، ومنها أغنية quot;إخترناكquot; مثلاً، تلك الأغنية التي لحنها عمار الشريعي، وندم عليها، ولذلك جاء إنفعاله مع الثورة طبيعياً، حيث شعر ـ حسب تصوري ـ أنه إما كان مخدوعاً أو مخطئاً عندما لحن مثل تلك الأغاني، وكان موقفه رائعاً وشجاعاً.
في رأيك، لماذا غالبية الأغاني الوطنية الحديثة ركيكة في الكلمات وضعيفة من حيث الألحان، على الرغم من أن بعضها غناها أصوات قوية؟
لأنها تفتقد للإحساس، ويشعر من كتبها ومن لحنها ومن غناها بأنه كذاب، كيف تمس القلوب وتؤثر في الشباب الذين كانوا يشاركون في ثورة عظيمة، وهم في أعلى درجات الصدق والشفافية.
لقد كان المناخ العام مزيفاً، وبالتالي انتفى الصدق من الأغاني الوطنية أيضاً، فلم تقدر على مس قلوب المصريين.
أنا أرسلت للثوار في ميدان التحرير أغاني مسلسل quot;جمهورية زفتيquot; التي كتبها عبد الرحمن الأبنودي وغناها محمد منير.
ما توقعاتك لموسم دراما شهر رمضان المقبل؟
أتوقع أن يؤثر الظرف الإقتصادي الحالي على الإنتاج الفني بشكل عام، سواء في السينما أو المسرح أو التلفيزيون، وما سيعرض سيكون ضعيفاً جداً وسطحياً.
وستفتقد غالبية الأعمال للمصداقية لأن أحداثها تدور في العهد البائد، باستثناء الأعمال التاريخية، التي تعيد قراءة مناطق أو مراحل معينة من تاريخ الشعوب بطرقية استشرافية، أو أعمال الفانتازيا.
وصل عدد الأعمال التليفزيونية العام الماضي إلى 63 مسلسلاً، هل سيتقلص الرقم بشكل كبير؟
بالتأكيد، وأتوقع ألا يزيد على 15 مسلسلاً، سواء القطاع العام أو الخاص.
هل انتهيت من كتابة مسلسل quot;شجرة الدرquot;؟
تقريباً انتهيت منه، لكن التصوير لم يبدأ بعد، كل شيء مجمد في الوقت الراهن، وأتحدث في العمل عن حجم وقيمة مصر في وقت كانت تحارب على جبهتين، الأولى الشرقية كان الأعداء هم المغول أو التتر، والجبهة الثانية هي الغرب والأعداء هم الفرنجة.
وماذا عن مسلسل quot;همس الجذورquot;؟
إنها قضية مهمة جداً، إنها محاولة للتأريخ لعلاقة الفلاح بالأرض منذ نهاية العصر العثماني، وحتى الآن، وسيكون في صورة عدة أجزاء، وأتمنى أن يطيل الله في عمري لإتمام هذا المشروع.
التعليقات