بيروت: بسبب الزحمة الخانقة التي تسيطر على شوارع بيروت هذه الأيام، وصلت الفنانة ماجدة الرومي متأخرة قرابة العشر دقائق عن موعد بروفتها الأخيرة قبل حفل افتتاح مهرجان جونيه. جرت التحضيرات النهائية للحفل على مدى عشرة أيام كاملة، وشارك فيه أكثر من 250 شخصًا بين موسيقيين وراقصين.
وصلت ترتدي ثياباً عملية بسيطة، قميصا وبنطلون جينز، وقبعة تغطّي شعرها، ربما حماية له من الرطوبة العالية في مجمع الرئيس فؤاد شهاب الدولي المفتوح، والقريب من ساحل جونيه.
كل شيء كان يدل على الجهد الكبير المبذول من قبل منظمي المهرجان وفريق عمل السيدة ماجدة الرومي ليخرج العرض بأبهى صورة، حيث شيّد ديكور يعبّر عن الشكل المعماري المنتشر في منطقة جونيه الساحلية، على أرض مسرح شاسع ليستوعب العدد الكبير للموسيقيين والراقصين المشاركين في الحفل.
أضيفت الكراسي على أرض الملعب لتوسيع قدرة استيعاب المدرجات، حيث تم الإعداد لإستقبال أكثر من خمسة آلاف شخص، بينما نفدت التذاكر عشية حفل الافتتاح.
بدأت البروفات في الثامنة والنصف تقريباً واستمرت حتى منتصف الليل، حيث حرصت الرومي على تقديم العرض على أعلى المستويات الفنية.
تضمن برنامج الحفل مجموعة من أجمل الأغنيات المنتقاة من أرشيف الرومي الحافل بالأعمال التي تتمتع بجماهيرية كبيرة نذكر منها: خدني حبيبي، عم يسألوني، عم بحلمك، إعتزلت الغرام، كلمات، مطرحك بقلبي، بيروت ست الدنيا، غنِّ للناس، وغيرها.
وقال المايسترو إيلي العليا لـ إيلاف إنه تمت إعادة توزيع بعض الأغنيات مثل quot;ما رح إزعل ع شيquot; بطريقة أوركسترالية لتقديمها خلال الحفل، كما قدمت الرومي أغنيتين من البومها الجديد، الأولى بعنوان quot;سلوناquot; وهي من أرشيف والدها الراحل الفنان القدير حليم الرومي، نفذتها بطريقة ديو جمع بين صوتيهما، وتم عرض صور لهما من أرشيف العائلة في مختلف المراحل العمرية على شاشة عملاقة شيّدت كخلفية عرض للمسرح. والثانية بعنوان quot;لبنانquot; كتبت كلماتها هي ولحنها ووزعها جان ماري رياشي. ووصفت الرومي هذه الأغنية بأنها تلخص مشاعرها وقلقها تجاه ما يحدث في لبنان، وشعورها تجاه كل ما مر به منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم، وقالت إنها تسجل من خلالها موقفها للتاريخ.
المخرج باسم كريستو الذي تولى مهمة إخراج الحفل لمحطة quot;أم تي فيquot; اللبنانية بدا في غاية السعادة والفخر لاختياره لهذه المهمة.
من يراقب ماجدة الرومي خلال البروفات يشعر باحترام كبير، ممزوج بإعجاب أكبر، فهذه السيدة تحترم فنها وجمهورها الى درجة تجعلها تتفانى في الإستعدادات قبل ملاقاة الجمهور، وهو أمر يندر أن تجده في فنانات اليوم، ممن يتركن الفرقة تجري بروفاتها وحيدة، ويعتلين المسرح ليملأن آذان المستمعين نشازاً.
كما يلمس من يتعامل معها تواضعاً جماً، وخلقاً عالياً وراقياً، إضافة الى حالة سلام وسكينة داخليين، وبشاشة ممزوجة بالخفر.
بنبرة صوت منخفضة ورقيقة، تبادر بالسلام على الجميع، فتهتم بالموسيقيين وتمازح الراقصين. وعلى الرغم من الإرهاق والتعب، لم تبخل في إعطاء الوقت اللازم لوسائل الإعلام الموجودة.
تملأ الفضاء بشدوها العذب، فتمر ساعات الانتظار الأربع بخفّة، ويحين موعد اللقاء مع إيلاف. واللافت في برنامج الحفل اختيار مجموعة أغان شهيرة للراحل زكي ناصيف قدمتها بمصاحبة فرقة رقص بعلبكية، كما قدمت quot;إسكتشاًquot; تمثيلياً قصيراً رافق أغنية quot;بدي قلكquot;، وهو ما أثار تساؤلاً حول أسباب تغيب ماجدة الرومي عن مشهد المسرح الغنائي اللبناني. وكان ردها بأنه لابد وأن تتوافر إمكانيات عالية جداً لتقدم على تجربة كهذه، ووعدت بأن تسعى إلى إيجاد الظروف المناسبة للإقدام على هذه التجرية.
بعيدًا عن التحضيرات التي تزينت بصوت الرومي الملائكي والهادر بعنفوان قل نظيره، تبقى الإشارة إلى أنّ اللجنة المنظمة لمهرجان جونيه فرضت تضييقًا على وسائل الإعلام بذريعة أنّ شخصيات مرموقة كانت ستحضر المهرجان، بينها رئيس جمهورية لبنان العماد ميشال سليمان، وسياسيون وزعماء أحزاب لبنانيّة.
المستغرب أنها ليست المرّة الأولى التي يحضر فيها رئيس الجمهورية مهرجانًا، حيث لم يؤثر حضوره مهرجان البترون مثلاًفي وجود وسائل الإعلام، فسمح للصحافة بأداء عملها خلال الإفتتاح من دون مضايقات، حيث اقتضى الامر بعض التنسيق مع الحرس الرئاسي.
أمّا تذرع اللجنة المنظمة لمهرجان جونيه جاء غير مبرر، حيث دعي بعض وسائل الإعلام إلى حضور وتغطية المؤتمر الصحافي، بينما تجاهلت تأمين الدخول إلى الحفل، وكأن دور الإعلام ينحصر في الدعاية للمهرجان، ليتمكن منظموه من الترويج له وبيع التذاكر.
لم ينقذ الموقف سوى تدارك مكتب السيدة ماجدة الرومي للخطأ التنظيمي الواقع، فتعامل بذكاء ودبلوماسية معهودين، وسهل الدخول لتغطية البروفات النهائية كتأكيد على احترام السيدة ماجدة الرومي لعلاقتها الطيبة والوثيقة مع مختلف وسائل الإعلام
.