تألَّقت الأنغام، وتأنَّقت الكلمات الجميلة، واهتزَّت الأصوات بإحساسها العالي، لتتعانق وتتصاعد وتتمازج معيدةً إلى الذاكرة ولادات عسيرة لأغنيات أعلنت خلودها بعد أن أطربت النفوس، فكانت صور مغنيها تتأطَّر باحترام النَّاس واعتزازهم، قبل أن تعلن المقارنة الَّتي لا تصح مع أغنيات هذه الأيَّام الراكضة إلى الإنحدار.


بغداد: أحيت دائرة الفنون الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة العراقية مهرجان (الاغنية الثمانينية الاصيلة) على قاعة (الرباط) في شارع المغرب في مدينة الاعظمية، بحضورنخبة منفناني العراق لاسيما الذين برزوا في عقد الثمانينات من القرن الماضي.

ووسط حشد من الجمهور المتذوق والمهتمين للغناء العراقي غصّت بهم القاعة وتفاعلوا بشكل تام على مدى نحو ساعتين من الزمان، وهناك من يريد المزيد كأنه لم يشبع او انه تذكر استعادة ذاكرته ووعيه اللذين غيبتهما ضوضاء الغناء الحالي، فكان الجمهور يعلن فرحه بالفنان الحاضر حين يتلى اسمه وحين يصعد على خشبة المسرح وحين تنطلق اولى نغمات اغنيته وحين ينطق أولى كلماته، كان الجمهور يصفّق بلهفة ويطالب أن تستمر الفعاليات طويلاً، فيما كانت هنالك اصوات تتمنى حضور عدد منفناني الاغنية الثمانينية الذين بزغت نجوميتهم وشعت أغنياتهم لتلامس ذاكرة الناس، ومن هؤلاء كاظم الساهر، كما لوحظ غياب محمود انور ومحمد الشامي وعلي جودة لاسباب غير معروفة.

ولم ينتظر الحضور كثيرًا فانطلقت الاغاني على عزف فرقة بغداد للموسيقى العربية بتقديم مقطوعة موسيقية بقيادة المايسترو علي خصاف، قبل أن يقف الفنانون ازاءها للترنم بأغنياتهم.

غنى اولاًالفنان حميد منصور اغنيته (يا هوى الهاب/ من الاحباب / جفلت كلبي غفل بانسامهم/ ذكرتني بكل حنيني من ايامهم/ يامسيت العافية عليكم يهلنا يهلنا يهلنا/ شمايجي منكم خبر ازيد المحنه يهلنا يهلنا) كلمات زامل سعيد فتاح والحان محسن فرحان، ثم غنىالفنان رضا الخياط اغنيته ( بالله يا طير الحمام الي تسافر/ ودي لاحبابي السلام / وإحمل بجنحك رسايل من تهاجر ...للي حرموني المنام ) ، كلمات حسن الخزاعي والحان محسن فرحان.

وغنى احمد نعمة (على العنوان اكتبلك على العنوان/ واظل مشتاك لعيونك واظل عطشان / الف موال اغنيلك والف مرسال اوديلك/ وعلى بالي ابد مايخطر النسيان/ على العنوان اكتبلك على العنوان) كلمات داود الغنام والحان كنعان وصفي، وغنى وحيد علي اغنيته (ردتك بس تجي/ ردتك بس تجي واحچـي ليريحك/ انشف دمعتي وبوجهك اضحك/ مااگول شعجب وماتسمع عتب/ اسمعك بس كلام اللي يريحك) كلمات كاظم اسماعيل الكاطع والحان كريم هميم.

وغنت أمل خضير أغنيتها (تعال يا حبيبي/ تعال يا نصيبي) كلمات محمد جبار حسن والحان علي سرحان، وغنى قاسم اسماعيل اغنيته (ياعين وتكولين خلي نسامحه/ من بعد ما بجاج ليل البارحة/ مشطي الجفن بالدمع/ وذوبيني مثل الشمع/ ما مد الك ايدي واكول انصالحه/ يا عين وتكولين خلي انسامحه) كلمات كاظم السعدي والحان سرور ماجد، وغنى سعدي توفيق من الحانه وكلمات جبار الغزي أغنيته (شكتبلك مو كفاية/ شعاتبك مو كفاية ).

وغنى صلاح عبد الغفور أغنيته (خسرتك يا حبيبي/ لكن مو بيديه/ عفتني الزمن غدار مشيت بلا وصية) كلمات كريم العراقي والحان جعفر الخفاف، وغنت يمامة اغنية (اسمر مغرور) الحان عباس جميل والكلمات (قديمة)، وغنى كريم حسين اغنيته (بعد اليوم) كلمات اسعد الغريري وألحان محمد جواد اموري.

وكان مسك الختام الفنان ياس خضر الذي رفع مستوى حرارة القاعة بـ (ابوذية) ومن ثم أغنيته (ولو تزعل/ ولو ادري العتاب يعذب الخاطر/ لكن لا، ما خلي خصام يدوم للآخر/ نتعاتب على المكشوف وبعينك اقلك شوف/ خلص عمري خلص عمري ... صفيت بعشرتك خاسر ) كلمات داود الغنام وألحان نامق اديب .

وقال رئيس الهيئة العليا للمهرجان ومدير عام دائرة الفنون الموسيقية حسن الشكرجي: quot;الحديث عن الاغنية العراقية حديث طويل ويحتاج الى مجلدات كثيرة لكي تذكر كافة المعطيات التي حصلت في الساحة العراقية في مجال الغناء، فلو بدأنا منذ مرحلة الثلاثينات نجد ان الاغنية العراقية بدأت تتفاعل مع الظروف الاقتصادية التي يعيشها المجتمع وتتنامى وتتصاعد مع تصاعد الوضع،لذلك نجد بساطة الاغنية على الرغم من بروز عمالقة كبار في مقدمهم النجم الكبير محمد القبانجي، تلتها فترة الاربعينات وظهور الكثير من المطربين امثال سليمة مراد وصديقة الملاية وغيرهما، وفي الخمسينات ظهرت موجة جديدة من المثقفين في المجال الاكاديمي امثال رضا علي وفاروق هلال، اتحفوا الساحة الغنائية بالكثير من الاغاني الراقية والجميلة وصولاً الى فترة الستينات، هنا نقف عند نقطة مهمة جدًا، والكل يتذكر لاسيما الاخوان الذين يعملون في المجال الغنائي ان الاغنية كانت تعتمد على تلحين الكلام وليس على جانب الثراء الموسيقي، الى ان حصلت الثورة في نهاية 1964 عندما بدأها ملحن الاجيال محمد عبد الوهاب عندما قدم اغنية (انت عمري) لام كلثوم حيث اعتمد السرد الموسيقي في هذا النمط الجديد من الاغاني، وكانت القاهرة في تلك الفترة قبلة الفن، فلفت انظار الملحنين ولهذا جاء رعيل السبعينات الذي بدأ تواجده في الساحة الغنائية منذ عام 1968 وصعودًا، فبدأت الاغنية السبعينية التي ما زالت عالقة في الذاكرة وما زلنا نفتخر بها الى يومنا هذا لانها اعتمدت على الكلمة الاصيلة الراقية والمهذبة والصورة الرومانسية الجميلة وصولاً الى اللحن الاكاديمي الجميل الذي جسد هذه الكلمات بشكل يتناسب مع رقيهاquot;.

واضاف: quot;اقامتنا لمهرجان الاغنية الثمانينية يأتي استكمالاً للمهرجان الذي اقمناه قبل عام للاغنية السبعينية، حيث إن الشعراء والملحنين كانوا امتدادًا للمرحلة السابقة، على الرغم من دخول الشعب العراقي في الحرب مع ايران مطلع الثمانينات، حيث وقع الحيف على نفوس الملحنين والشعراء والمغنين ايضًا، ولهذا نجدهم يعانون الشد النفسي بسبب معطيات الحرب، لكنهم لم ينقطعوا عن تقديم الكلمة الصادقة واللحن الجميل اللذين عكسا الصورة الرومانسية، واعتقد ان الباحثين لا يستطيعون التمييز بين الاغنية السبعينية الراقية والاغنية الثمانينية التي هي امتداد لهاquot;.

اما الملحنسرور ماجد فقال: quot;المهرجان للاغنية التي ظهرت في العقد الثمانيني الذي برز فيه بعض الشباب من الملحنين والشعراء والمطربين، وكان هذا العقد صعبًا جدًا لكون الحرب العراقية الايرانية كانت فيه، وانا كملحن كنت اتحين الفرص لكي ابث اغنية جميلة للمواطن أقلل من عصبيته وأخفف من تشنجه، والاغنية الثمانينية هي امتداد للاغنية السبعينية من حيث الالتزام والرقة والجودة في الموسيقى واختيار الكلام واللحن، وأنا برأيي ان يومًا واحدًا لا يكفي للاغنية الثمانينية كما أن المكان ضيق جدا والصوت سيئ جدًا، ومع ذلك فالمهرجان خطوة من أجل ازالة التهميش للفن العراقي الاصيل، وأتمنى على المسؤولين في الدولة النظر بعين اكثر اهتمام للفن عبر بناء المسارح والقاعات والاهتمام بالموسيقيين والمطربينquot;.

فيما قال الفنان احمد نعمة: quot;المهرجان وسيلة مميزة من اجل تحفيز الاعلام العراقي بمختلف وسائله على اعادة تلك الاغاني الجميلة الى الذاكرة العراقية والافادة من جمال الحانها وكلماتها في اعادة بناء اغنية حديثة تمتلك تلك المواصفات التي ترتفع بالذائقة ولا تخدشها، ومشاركتي اليوم عبر اغنية (على العنوان اكتبلك) كلمات داود الغنام والحان كنعان وصفي وهي احدى اغاني الثمانينات التي تذكرنا واغنيات كثيرة غيرها بالزمن الجميل والتي حفرت في الذاكرة، كونها شكلت علامة الفن الحقيقي والموروث الغنائي العراقيquot;.

وقال الشاعر محمد المحاويلي: quot;هذا المهرجان بادرة طيبة من دائرة الفنون الموسيقية لانه العودة الى الاصالة، العودة الى الابداع الموسيقي والغنائي العراقي الاصيل، الغناء العراقي الذي لا يشبهه اي غناء في العالم، وخصوصًا الغناء الريفي الذي هو غير موجود حتى عند دول الجوار، لذلك هذا المهرجان باعتقادي هو تكريس للاصالة والابداع والتميز، وعودة للاغنية الاصيلة لتخليصها وتشذيبها من هذا الاسفاف الحاصل الان الذي هو ليس على مستوى العراق فقط بل على مستوى الوطن العربي الذي يشكو من انحدار وتشابه واستنساخ بالنسبة إلى الالحان والكلام البذيء غير المدروسquot;.

واضاف: quot;اعتقد ان المهرجان قد لا يغير شيئًا من الواقع ولكن اذا ما وظف بشكل صحيح سوف يؤدي دوره، مثلاً كنت اتمنى لو ان ادارة المهرجان اهتمت بعض الشيء بالمطربين الذين شاركوا في المهرجان وأعدّ لهم اغنيات جديدة بالمستوى نفسهحتى نستطيع ان نربي الاذن البشرية التي تستقبل السيئ والرديء، فإن قدمنا لها الغث سوف تستقبله واذا قدمنا له السمين ستستقبله ايضًاquot;.