تُصنف مذبحة سربرنتسيا بين أكبر المذابح العرقية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث قامت القوات الصربية بقتل الآلاف من مسلمي البوسنة والهرسك في جريمة صمت المجتمع الدولي عنها كثيرًا.

"إيلاف" من بيروت: في الخامس من أبريل 1992، فرض الصرب حصارًا عسكريًا على العاصمة البوسنية، مستغلين تفوقهم العسكري وضعف تسليح البوسنيين المسلمين، ولم يغيّر مسار الحرب وحصار العاصمة إلا التحرك الدولي بعد مجزرة سربرنيتسا في يوليو 1995.

تُعد مجزرة سربرنيتسا أسوأ حادثة قتل جماعي شهدتها أوروبا بعد الحروب العالمية. وعلى الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يقضي بأن تكون سربرنيتسا "منطقة آمنة"، فإن القوات الصربية هاجمت البلدة واحتلّتها.

فترة الحصار
كانت سجلات معاناة البوسنة وقصصها في تسعينيات القرن الماضي التي وصلت إلى القراء الغربيين، في الغالب، مكتوبة من قبل الغرباء أو المنفيين. تبدل هذا الواقع مع قيام مؤلفيّن بوسنيين، فاروق سيهيك وحسن نوهانوفيتش، بالعودة إلى التاريخ المرير من خلال نشر كتابين عن حرب البوسنة.

عندما اندلعت الحرب في عام 1992، كان نوهانوفيتش طالبًا يدرس الهندسة الميكانيكية في سراييفو. أما سيهيك فكان يدرس الطب البيطري في زغرب. لأن عائلته لم تهرب في الوقت الملائم، لم يستطع نوهانوفيتش الهرب من سربرنيتسا، الجيب البوسني المسلم الذي حاصرته القوات الصربية؛ وفي النهاية أصبح مترجمًا للأمم المتحدة.

من جانبه، دخل سيهيك ساحات القتال، وقاد مجموعة من 130 جنديًا في منطقة بيهاتش، مسقط رأسه، التي كانت محاطة أيضًا بالصرب.

تحت الصراع
يعود سيهيك بالذاكرة لتلك التجربة في كتابه "تحت الضغط" Under Pressure (المؤلف من 180 صفحة، منشورات إستروس، 9.99 يورو)، ويعرض مقالات قصيرة تشبه السيرة الذاتية القوية، معظمها من الصراع.

رافق صراع البوسنة بعض الانحرافات كنتيجة للانفلات الحاصل، كالإفراط في شرب الخمر، وتعاطي المخدرات وممارسة الجنس والنهب إذا سنحت الفرصة لذلك. وعلى المقلب الآخر في "جيب بيهاتش"، كان المقاتلون البوسنيون يسطرون البطولات، ويكتبون التاريخ بعظيم التضحيّات، بتصديهم للصرب وقوة منشقة من البوشناق (مسلمو البوسنة) المدعومين منهم.

"تحت الضغط" كتاب مجزأ يجمع بين قصص وحشية ومؤلمة من خط المواجهة في الصراع البوسني في تسعينيات القرن الماضي. رفع هذا الكتاب من سمعة فاروق سيهيك كأحد أعظم الكتاب الذين خرجوا من المنطقة في السنوات الأخيرة. حيث يجمع، بين الجمال والرعب لإغواء القارئ، ويكشف عن القلب القبيح لعدم إنسانية الإنسان والتكلفة المروعة التي يتحملها أولئك الذين يجدون أنفسهم محاصرين في صراع.

قصة معاناة
بدوره، صنع نوهانوفيتش تاريخًا قانونيًا، عندما نجح في مقاضاة الحكومة الهولندية بتحميلها جزءًا من المسؤولية عن مقتل 350 مسلمًا بوسنيًا، بمن فيهم أفراد من أسرته، على أيدي قوات صرب البوسنة، لأن قوات حفظ السلام الهولندية كان يمكنها السماح للرجال المسلمين بالبقاء في قاعدة "الملاذ الآمن".

لكن كتاب نوهانوفيتش "الملاذ الأخير" The Last Refuge (الؤلف من 256 صفحة، منشورات بيتر أوين، 22.76 دولارًا) لا يتعلق مباشرة بالمذبحة التي أودت بحياة ثمانية آلاف بوسني. وبدلًا من ذلك، يقدم رواية رائعة للغاية عن كيفية وصول عائلته إلى سربرنيتسا.

في عام 1992، أجبر التهديد المتزايد للقومية الصربية في البوسنة نوهانوفيتش وعائلته على الفرار من منزلهم. وفي الجزء العلوي من الغابة على طول نهر درينا، واجه نوهانوفيتش والآلاف من اللاجئين البوسنيين ليالي مريرة من الحرمان والموت، بينما غطى الجنود الصرب تراجعهم بنيران القناصة والقصف المدفعي. بعد شهور عديدة، شق البوشناق طريقهم إلى مدينة سربرنيتسا، الملاذ الأخير لهم، تحت قيادة قوة صغيرة تابعة للأمم المتحدة.&

الكتاب مليء بالتفاصيل التي لا يعرفها سوى شخص عاش هذا الجحيم. وهو مثل مذكرات الناجين من المحرقة، يساعد القراء في المستقبل على فهم الصورة الأكبر.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط:&
https://www.economist.com/books-and-arts/2019/10/03/two-bosnian-authors-revisit-the-horror-of-the-1990s