لو كانت الحياة عادلة لكان الكاتب الألباني إسماعيل كاداريه حصل على جائزة نوبل للآداب. فمن دون مبالغة، يُعد كاداريه أحد أهم الكتاب الأوروبيين الأحياء، ومن أهم رواياته "الدمية"، يسرد فيها بلا مواربة فصولًا من سيرته الذاتية، متوقفًا عند علاقته الفريدة بأمه.

"إيلاف" من بيروت: تُعتبر آخر أعمال الألباني اسماعيل كاداريه عن والدته "الدمية" The doll (160 صفحة، منشورات هارفيل سيكر، 12,99 يورو ) شخصية بالكامل؛ إذ إنها لا تتتعلق برواياته السابقة عن التوغل العثماني في أوروبا، أو مقته للشيوعية الألبانية، بل هي رواية ابن عن والدته، تتميز بصفات جذابة من الحنان.

إسماعيل كاداريه

الدمية

الدمية في نص الرواية هي والدة كاداريه التي توفيت في عام 1993. أما لماذا سماها الدمية، فلأن أحد أقاربه الذي حمل أمه حين وقعت في حالة غيبوبة وجدها خفيفة مثل دمية من ورق معجون.

في عام 1933، جاءت والدة كاداريه، التي كانت تبلغ من العمر 17 عامًا حينها، إلى منزل زوجها. وعندما دخلت العروس المنزل، واجهت والدة زوجها، وهي سيدة امتازت بشخصية متكبرة أرهقها الفقر. وببساطة يمكنك أن ترى من خلال الرواية المجتمع الألباني في ذلك الوقت وكأنه نظام أمومي.

نشأ كاداريه وهو يشهد حربًا داخلية بين جدته في الطابق الثاني ووالدته اللطيفة في الطابق السفلي. كان لهذه السنوات جانبها الفكاهي، حيث دائمًا ما كان والده، الذي أراد التوسط لحل المشاكل بين أمه وجدته، مرتبكًا.

وقائع حزينة

الوقائع العائلية التي يرويها الكاتب ليست طريفة، فأغلبية أفراد عائلة والده عانقوا الموت، أما الأحياء ففقراء ومتكبرون وتعيسون. وفي هذا السياق، يشير الكاتب إلى عدم فهمه دافع زواج أمه من أبيه، خصوصًا أن عائلتها كانت ثرية وسعيدة، علمًا أنه يستحضر حبها لوالده من النظرة الأولى.
يقر الكاتب في روايته بدَيْن تجاه مدينة جيروكاستير الألبانية الجنوبية التي نشأ فيها، خصوصًا تجاه المنزل العائلي الذي كان على شكل عزبة قديمة ويتضمن سجنًا، هو منزل كبير لكنه في حالة ترميم دائم، لا يعرف الطفل كاداريه إن كان يحبه أم لا، لكنه كان يجده "غير واقعي"، أما أمه فلم تكن تشعر بالراحة فيه، بل بملل كبير دفعها إلى القول لابنها: "إن المنزل يلتهمني".

كما نتعرف في الرواية جيدًا إلى فصل إقامة كاداريه في موسكو للدراسة، ويتضح لنا اشمئزازه من الواقعية الاشتراكية التي كان عليه أن يتعلم قواعدها في معهد غوركي.

تضحيات الأم

يقول كاداريه بشجاعة إن "الدمية" كانت خجولة لدرجة استسلمت لحرية وسلطة الأم، وباختصار، حولت نفسها إلى دمية لتوفر له كل الحرية الممكنة في عالم تندر الحرية فيه ويصعب العثور عليها.
بحسب كاداريه، عرفت والدته أنها كانت خاسرة في تلك المنافسة بينها وبين فن ابنها، ولذلك ضحت بنفسها، ولن تلبث رؤية الكاتب هذه أن تتحول إلى فكرة غالية على قلبه صاغها على النحو الآتي "غالبًا ما تتجلى الموهبة لدينا بما هو معاكس لها، الموهبة هي شيء نفتقر له وليس شيئًا إضافيًا فينا".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن " ستاندارد". الأصل منشور على الرابط:
https://www.standard.co.uk/lifestyle/books/the-doll-by-ismail-kadare-review-a4330501.html