يتناول آلدو مادارياغا الليبرالية ومرونتها وعلاقتها بتراجع الديمقراطية، من خلال دراسة أربعة نماذج نيوليبرالية رائدة هي الأرجنتين وتشيلي وإستونيا وبولندا.

إيلاف من بيروت: لطالما تساءل المنظرون عن سبب المرونة التي تتمتع بها النيوليبرالية، وعن علاقة هذه المرونة بتراجع الديمقراطية في الغرب. ولطالما كان محور المسألة هو الآتي: هل تنجو الديمقراطية من استبداد الرأسمالية النيوليبرالية؟

في كتابه "المرونة النيوليبرالية: دروس في الديمقراطية والتنمية من أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية" Neoliberal Resilience: Lessons in Democracy and Development from Latin America and Eastern Europe (328 صفحة، منشورات جامعة برينستون)، يحاول آلدو مادارياغا الإجابة عن هذه الأسئلة ذات الصلة الوجودية للنيوليبرالية في هذا العالم، من خلال البحث في أربعة عقود من التغيير في أربعة بلدان، هي الأرجنتين وتشيلي وإستونيا وبولندا، مثلت نماذج نيوليبرالية رائدة، دارسًا الجهات الفاعلة والمؤسسات المحلية المسؤولة عن الدفاع عن النيوليبرالية، وعارضًا أشد القضايا إلحاحًا منها التقشف والشعبوية والتوترات الجيوسياسية.

مرونة محيرة

في الكتاب عناوين شائقة للقراءة، مثل المرونة المحيرة للنيوليبرالية؛ وشرح مرونة النيوليبرالية؛ والسياسات النيوليبرالية والجهات الداعمة؛ والمرونة النيوليبرالية وصوغ التكتلات الاجتماعية؛ والخصخصة وقوة الأعمال؛ والتمثيل السياسي والديمقراطية المحدودة؛ وتقييد النيوليبرالية: قواعد البنوك المركزية المستقلة والإنفاق المالي؛ والمرونة النيوليبرالية ومستقبل الديمقراطية.

تحت هذه العناوين، يتناول المؤلف حدود مرونة النيوليبرالية، محددًا بلدانًا رئيسية تعرضت مساراتها النيوليبرالية للتشوه عندما ابتعدت عن إملاءات أساسية تفرضها النيوليبرالية. وخلافًا لتركيز معظم الأعمال على الاقتصاد الرأسمالي المتقدم، يقول المؤلف: "لتحليل مرونة النيوليبرالية، يجب النظر خارج نواة الرأسمالية، تحديدًا في مسار تاريخي يطول أكثر من ثلاثة عقود من النيوليبرالية في أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية".

بحسبه، "غيّرت مرونة النيوليبرالية والطعن في المشروع النيوليبرالي أنماط الأرجنتين وتشيلي وإستونيا وبولندا للمنافسة والتمثيل الديمقراطي، ما أوجد مسارات محددة نحو التفريغ الديمقراطي من مضمونه و/أو التراجع".

يضيف أن فهم المسارات المحددة التي أدت من خلالها النيوليبرالية إلى تأكّل المؤسسات الديمقراطية، وكيف تفاعلت الجهات السياسية المحلية مع ذلك التأكل هو أمر حاسم وحيوي لفهم أسس تجذر الحركات الشعبوية اليوم، وما إذا كانت الشعبوية تهدد الديمقراطية أو لديها القدرة على علاجها.

يرى المؤلف أنه لفهم مرونة النيوليبرالية، نحتاج إلى التمييز بين الجزأين المكونين للنيوليبرالية؛ وهما: السياسة ونظام الحكم. ويحدد ثلاث آليات ملموسة قيدت التمثيل الديمقراطي في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، مما يجعل التغييرات في السياسات النيوليبرالية الراسخة أكثر صعوبة: الأولى هي الحد من موارد القوة الخاصة بالأطراف الفاعلة التي يمكن أن تتحدى الواقعية الجديدة بالبدائل وحصارها؛ والثانية هي زيادة موارد الطاقة للشركات المهتمة باستمرارية النيوليبرالية، والثالثة هي إضفاء الطابع المؤسسي على السياسات النيوليبرالية بطريقة تجعل عكسها أكثر صعوبة.

صحوة تشيلي

خلال الأسبوعين الأخيرين من أكتوبر 2019، اكتظت شوارع تشيلي بالمتظاهرين، واشتعلت محطات المترو، ونهب الشعب الجامح المتاجر، وانتشرت القوات العسكرية في البلاد، في صورة أعادت إلى الذاكرة حقبة السبعينيات، ما فاجأ كثيرين رأوا تشيلي أنموذجًا مثاليًا للأسواق الحرة والاستقرار الديمقراطي. لكن، في الواقع، استشهدت نخب العالم الليبرالية بالمثال التشيلي لتبرير النيوليبرالية والإصلاحات الاقتصادية المتوافقة مع السوق.

يكتب مادارياغا: "الكثير من هذا الثناء يعتمد على النمو الاقتصادي غير المنقطع، والتحكم في التضخم والحسابات المالية، وتراجع معدلات الفقر، وتحقيق أعلى دخل للفرد في أميركا اللاتينية، والاستقرار في النظام، ومؤسسات قوية، وفساد أقل، واضطرابات مدنية أقل؛ وذلك كله ساعد البلاد على قيادة تحسين تصنيفات الحرية الاقتصادية والسياسية. لكن بالنسبة إلى التشيلي العادي، فإن ارتفاع أجرة المترو في سانتياغو الذي أشعل الاحتجاجات كان القشة التي قصمت ظهر البعي".

بحسبه، يكمن فهم صحوة تشيلي في فهم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الشديدة في تشيلي، المتضمنة في أنموذج التنمية النيوليبرالية للبلاد، والتي أنتجت تركيزاً صارخاً في الدخل والثروة، وخدمات اجتماعية مخصخصة، وفصلاً حضرياً شديداً. وما انتقال تشيلي إلى الديمقراطية إلا بدستور سياسي كتبه بينوشيه نفسه، ومنح حق النقض شبه الدائم لنخبة أعمال ونخبة سياسية موالية للديكتاتور.

يقول المؤلف إن الحد من الدمقرطة أفضل طريق لحماية النيوليبرالية من مرجعيتها. وهذا نجح في تشيلي أكثر من ثلاثة عقود.