ألفت سولين دو رواييه، الصحافية الاستقصائية في «لوموند»، كتاباً بعنوان "السر الأخير"، تكشف فيه أنه كانت لميتران عشيقة شابة بقيت الى جانبه حتى الأشهر الأخيرة من حياته.

إيلاف من باريس: قبل 25 عاماً توفي الرئيس الإشتراكي فرنسوا ميتران بعد 14 عاماً قضاها في قصر الإليزيه لولايتين متعاقبتين. وسبب وفاته إصابته بمرض السرطان الذي أخفاه لسنوات عن مواطنيه، ودفع أطباءه إلى كتابة تقارير كاذبة تثبت متانة صحته.

ولم يُكشَف النقاب عن مرضه إلا قبل أشهر قليلة من وفاته في بيته الكائن على الضفة المقابلة لكاتدرائية نوتردام الشهيرة في قلب باريس. بيد أن المرض العضال الذي أودى به لم يكن السر الوحيد الذي خبّأه ميتران عن أقرب المقربين منه. كان هناك سر آخر، هو أنه كانت للرئيس الأسبق عائلة موازية لعائلته الشرعية. كانت له عشيقة وابنة خرجت كلتاهما للنور، عندما قرر ذلك، أو بالأحرى عندما أصبح من المستحيل إخفاء وجودهما، بعد أن كشف بعض الصحافيين أن لميتران ابنة غير شرعية، اسمها مازارين، وعشيقة على صلة قديمة بها، اسمها آن بانجون. وكما هو متوقَّع في مثل هذه الحالات، فإن النبأ انتشر انتشار النار في الهشيم، وكان الفاتحة التي عبَّدت الطريق لفضح أخبار غالبيتها نسائية تلفّها المغامرات؛ إحداها مع سيدة عربية، بمناسبة زيارة رسمية لزوجها المسؤول إلى باريس. بيد أن أسرار ميتران كالبئر بلا قعر، وكل طبقة تكشف عن بعض ملامح حياته، وفقًا لصحيفة "الشرق الأوسط".

الجديد ما جاء في كتاب سولين دو رواييه، الصحافية الاستقصائية في جريدة «لوموند»، التي أعدّت كتاباً عن ميتران بعنوان "السر الأخير" le Dernier Secret (منشورات غراسيه)، وفيه تكشف أنه كانت لميتران عشيقة شابة في الثماني سنوات الأخيرة من عمره (1988 - 1996)، وبقيت الى جانبه حتى الأشهر الأخيرة من حياته.

كتاب "السر الأخير"

وبين فرنسوا الرئيس المتقدم في السن و«كلير» الطالبة (اسم مستعار) التي انتقلت من مدينتها الريفية إلى العاصمة لدراسة القانون فاصل من خمسين عاماً. وبينهما نشأت علاقة غامضة تحولت شيئاً فشيئاً إلى علاقة حب أرادتها هذه الشابة روحية وجسدية في آن واحد. وكانت صحيفة «لو موند» السبّاقة، حيث نشرت بعضاً من صفحات الكتاب الأكثر إثارة، التي تكشف كثيراً عن شخصية ميتران بالغة التعقيد الذي كان يُقال عنه إن علاقاته تنتظم في دوائر لا تتقاطع، وإنه يعتمد السرية، وفقًا لصحيفة "الشرق الأوسط".

مقابلات مطولة

خلال رئاسته، شبه ميتران بـ«سفينكس» (أبو الهول)، وأنه حكم فرنسا كملك متوَّج. ومن المعروف عن ميتران أنه كان يلاقي عائلته الثانية مساء كل يوم، بعد أن أسكنها في شقة فارهة تابعة للحكومة ومطلّة على نهر السين، وكان يستخدم أحد مستشاريه للتعمية؛ إذ كانا يركبان السيارة معاً إلى موقع المبنى، حيث لمستشاره أيضاً شقة. لكن يوماً رأى أحد أفراد الحراسة المولجة مرافقة ميتران وجود ألعاب ودُمى في صندوق السيارة، فبدأت التساؤلات. والمعروف أيضاً أن ميتران كلف جهازاً أمنياً خاصاً السهر على سر عائلته الثانية.

بحسب تقرير "الشرق الأوسط"، تكشف سولين دو روييه بناء على مقابلات مطوَّلة مع «كلير» عخ الملاحظات اليومية التي دوّنتها في مفكرتها الخاصة، خصوصاً الاستماع الى الأشرطة المسجّلة للاتصالات الهاتفية التي لا تُحصى بين الشخصين عن نشوء هذه العلاقة وتحوُّلها حتى أصبحت أساسية في حياتهما معاً. «كلير» استضافت ميتران للمرة الأولى في شقتها القائمة في الدائرة السادسة في باريس، لكنها شيئاً فشيئاً تحولت إلى ضيفة مداومة في قصر الإليزيه؛ تذهب إليه ممتطية دراجتها النارية، حتى أصبح حرس القصر يعرفونها عن ظهر قلب، لا بل امتنعوا لاحقاً عن طلب الاطلاع على هويتها. وتروي الكاتبة أنه في بداية العلاقة كان موظفو بروتوكول القصر يرافقونها حتى مكتب الرئيس أو شقته الخاصة. ولكن بعد أن تكررت الزيارات أخذ يُقال لها: «أنت تعرفين الطريق، ولا حاجة لمرافقتك».

كان هذا التطور تتويجاً لطموحات «كلير»، المتحدرة من عائلة بورجوازية يمينية ريفية ومحافظة. بيد أنها شخصياً تبنّت تياراً آيديولوجياً وسياسياً مخالفاً؛ فانضمت الى الحزب الاشتراكي، وداومت على أن توجَد في المدن والمناطق التي يوجد فيها ميتران، إلى درجة أنه أخذ يلاحظ وجودها مرة بعد الأخرى. وأخيراً حظيت بدعوته إلى قصر الإليزيه مع زميل لها، وهذه كانت بداية الحكاية.

الصحافية الاستقصائية في جريدة "لوموند" سولين دو رواييه

المدهش أن ميتران واظب على هذه العلاقة طوال ثماني سنوات. ووفق ما أسرَّت به «كلير»، فإنه كان يتصرف معها كشاب مراهق؛ يتصل بها مرتين في اليوم صبحاً وليلاً، ويلاحقها بالأسئلة حول ما قامت به، وعن دراستها، ولاحقاً عن عملها، وعن علاقاتها مع الرجال الآخرين.

ميتران المعبود!

هذه الشابة كانت ترى في ميتران «معبودها». ويكشف الكتاب أن تحوُّل العلاقة الى علاقة حب كان بمبادرة من «كلير» التي قالت للكاتبة: «هل تتوقعين أنه كان يوقظني يومياً الساعة الثامنة صباحاً طيلة ثماني سنوات؟»، وإنه كان صبوراً، متفهماً، يدعي أنه يعرف جميع تفاصيل حياتها. كان يدعوها الى الغداء أو العشاء في القصر الرئاسي أو في مطاعم باريس، وكان يهوى التجول معها في شوارع العاصمة التي كان يعرفها عن ظهر قلب، وأخذ عليها لاحقاً أن رؤساءها في مهنتها يسيئون معاملتها، وهدد مرات بالتدخل لردعهم.

وإذا انتقد ميتران على كثير من سلوكياته وسياساته، إلا أن الجميع كان يعي أنه كان مثقفاً كبيراً وسياسياً من طراز الجنرال ديغول. كان ميتران يسمي نفسه «أتيان»، عندما يقوم بزيارتها في شقتها. وتقول الكاتبة إن فكر كلير كان منصباً بكليته على ميتران، بينما الأخير كان يلاحقها بالأسئلة، ويلحق بها أينما تذهب، لا بل أحياناً كان يسبقها، وذلك رغم مشاغله الرسمية العديدة. وشيئاً فشيئاً، تحولت «كلير» إلى امرأة حسود، لأنها أرادته لها فقط وبعيداً عن كل الأخريات. وعندما ذاع خبر وجود عائلة مخبَّأة موازية لعائلته الرسمية انتابتها نوبات من الحسد، وراحت تستجوبه عن علاقته مع آن بانجون، ومع ابنته التي أصبحت لاحقاً كاتبة معروفة، كما جاء في "الشرق الأوسط".

في إحدى المرات، قال لها ميتران بعد موجة من الغضب سببها أنها ترى أن علاقتهما «لا تتطور وفق ما تشتهي»: «هل تعين بأية طريقة أنت تعاملينني وتتحدثين إليّ؟». وتروي سولين دو روييه أن ميشال شاراس «وكان وزيراً مقرباً جداً من ميتران» هددها يوماً بشكل غير مباشر إن هي كشفت سر العلاقة مع ميتران.

كثيرة التفاصيل التي تضمها صفحات الكتاب. إلا أن الأكثر تأثيراً فيها يتناول الأشهر الأخيرة حيث شعر ميتران بدنو أجَله، ويوماً فاجأها بقوله: «أنا أساعدك على أن تعيشي، وأنت تساعدينني حتى أموت». وقال لها في مناسبة أخرى: «إنني أمضي معك وقتاً أطول من الوقت الذي أمضيه مع زاخاروف (المنشق السوفياتي) ومع فاليسا (الزعيم البولندي)». وحتى يهوِّن عليها الوضع يضيف: «أنت لا تدركين كم قصتنا استثنائية!».